القسم الرابع
لعل من المناسب إيضاح كيفية أن يكون الإنسان عراقي الجنسية بالولادة ومن أبوين عراقيين بالولادة ، حيث تكتسب الجنسية على أساس ولادة الأب والأم والإبن في إقليم الدولة الواحد ، على نحو متتابع بولادة جيلين يعبر عن صلة العائلة بدولة الميلاد ، وقد أخذت العديد من التشريعات بهذا الأساس في منح الجنسية ، فولادة الإبن والأم والأب معا في العراق ، تفيد جدية الإندماج بالوسط الوطني للمجتمع العراقي ، وقوة الصلة التي تربط العائلة بالعراق ، وبها تكون ولادة الإبن إمتدادا لولادة الأم والأب ، ويجب أن تكون البنوة هنا شرعية ، وتثبت بحسب القانون العراقي لأن ذلك من النظام العام ، وأن يكون الأب مقيما في العراق حين ولادة الولد ، إذ يفيد ذلك وحدة السكن للأب والإبن ، ومن ثم تعد إقامة الأب حكما لإقامة الإبن ، وأن يقدم الولد طلبا لإختيار الجنسية العراقية عند بلوغه سن الرشد ، وهو إكمال سن الثامنة عشر من العمر ، إذ يخضع الطلب لتقدير وزير الداخلية أو من يخوله ، لأن الجنسية في هذه الحالة منحة تلتمس وليست حقا موصوفا بالفرض ، مع مراعاة ظروف العمل في المؤسسات العراقية الرسمية وغيرها من أسباب وعوامل القوة القاهرة في تواجد وولادة العراقي خارج العراق .
أما إكتساب الجنسية العراقية على أساس الإنتماء إلى الأمة العربية ، فقد كان باستطاعة العربي الذي ينتمي بأصله إلى أحدى الدول العربية ، التجنس بشروط أخف من شروط تجنس الأجنبي ، حيث يعفى من شرط الإقامة مثلا ، كما أصبح بإمكانه الإحتفاظ بجنسيته العربية في ظل إكتسابه للجنسية العراقية ، وهذا يعني أن المشرع العراقي سمح بإزدواج الجنسية العربية ، إذ مكن العربي من أن يجمع بين الجنسية العراقية وجنسيته الأصلية ، بشرط أن لا يكون فلسطينيا ، حتى لا تتشتت الهوية الفلسطينية بين الدول العربية ويغيب مفهوم الشعب الفلسطيني ، وبالمقارنة مع موقف المشرع العراقي في القانون الجديد ، ففي الحالة المتقدمة لم يفرد المشرع حكما خاصا بها ، إنما ألحقها ضمن حالات التجنس العادي ، ومن خلال قراءة القانون الجديد ، يظهر أن المشرع قد ساوى في شروط منح الجنسية العراقية بين العربي والأجنبي ، وهذا توجه مخالف لمفهوم الهوية العراقية العربية . لأن الهوية الوطنية أو القومية تدل على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميزهم عن مجموعات أخرى ، ولأن أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التي كونتهم كمجموعة ، وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة ، فما يجمع الشعب العراقي هو وجودهم في وطن واحد ولهم تأريخ طويل واحد ومشترك ، وفي العصر الحديث لهم أيضا دولة واحدة ومواطنة واحدة ، كل هذا يجعل منهم شعبا عراقيا متميزا رغم أنهم يختلفون فيما بينهم في الأديان واللغات وأمور أخرى بنسب متفاوتة ، ولكنهم يشتركون في عناصر الجمع ( الأرض ، اللغة ، التأريخ ، الحضارة ، الثقافة ، الطموح ) وغيرها . لأن عددا من الهويات القومية أو الوطنية تطورت بشكل طبيعي عبر التأريخ ، وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات أو تغيرات تأريخية سرعت في تبلور تكوينها المجتمعي ، وقسم منها تبلور على أساس النقيض لهوية أخرى ، وهناك تيارات عصرية تنادي وتدعو إلى إلغاء الهوية الوطنية أو الهوية القومية ، إنطلاقا من ضعف الإنتماء الوطني أو القومي لديها ، وهذا ما نلمسه في توجهات أغلب السياسيين الجدد في العراق ، لعدم وجود الإمتداد الطبيعي لهوياتهم الوطنية العراقية والقومية العربية ، ليس من جهة الجذور والأصول لبعضهم ، ولكن من ناحية الإنتماء والشعور الوطني العراقي والقومي العربي الأصيل . فالمواطنة هي الإنتماء إلى مجتمع واحد يضمه بشكل عام رابط إجتماعي وسياسي وثقافي موحد في دولة معينة ، وتبعا لنظرية جان جاك روسو ( العقد الإجتماعي ) ، فإن للمواطن حقوق إنسانية يجب أن تقدم إليه ، وعليه في نفس الوقت تحمل مجموعة من المسؤوليات الإجتماعية التي يلزم بتأديتها ، وينبثق عن مصطلح المواطنة مصطلح ( المواطن الفعال ) وهو الفرد الذي يقوم بالمشاركة في رفع مستوى مجتمعه الحضاري ، عن طريق العمل الرسمي الذي ينتسب إليه أو العمل التطوعي الذي ينتمي إليه ، ونظرا لأهمية مصطلح المواطنة تقوم كثير من الدول بالتعريف به ، وإبراز الحقوق التي يجب أن يملكها المواطن ، كذلك المسؤوليات التي يجب عليه تأديتها تجاه المجتمع ، فضلا عن ترسيخ قيمة المواطن الفعال في نفوس المواطنين ، لأن المواطنة دليل على وجود الصلة بين الفرد والدولة ، وبموجب القانون الدولي فإن المواطنة مرادفة لمصطلح الجنسية ، على الرغم من إحتمال وجود معان مختلفة لهما وفقا للقانون الوطني ، فالشخص الذي لا يملك المواطنة في أية دولة لا يمتلك جنسيتها ، وكذلك الحال بالنسبة للشخص الذي لا يمتلك جنسية أية دولة لا يملك حق المواطنة فيها ، وذلك ما يؤكد ويجسد قاعدة عدم السماح بإقرار الإزدواج في الجنسية ، حفاظا على وحدة هوية الإنتماء والولاء ، وما يترتب عليهما من وجوب الوفاء بأداء فروض الواجبات والإلتزامات ، لقاء إكتساب حق إستحصال الحقوق الممنوحة للمواطنين.