20 مايو، 2024 11:43 م
Search
Close this search box.

مجلس النواب غير مؤتمن

Facebook
Twitter
LinkedIn

يقوم مجلس النواب في النظام البرلماني كما هو في جمهورية العراق بصناعة و إعادة بناء الدولة بشكل جوهري ، فالديمقراطية في النظام البرلماني تتجسد في أعطاء كل شيء لأعضاء مجلس النواب ، و حتى عملية الفصل بين السلطات لا تعني أن السلطتين التنفيذية و القضائية لها ما للسلطة التشريعية ، و من هنا تشكل السلطة التشريعية مصنع حركية الدولة في نفسها و في السلطات الأخرى عن طريق عمليتي التشريع و المراقبة ، فعلى الرغم من أن السلطات الأخرى تقوم بتقديم مشاريع القوانين للمجلس النيابي من أجل تشريعها ، إلا أن الأخير هو الوحيد الذي يملك صلاحية إخراجها ناصا نافذا 
و دعونا لا نبحث تقييم دور مجلس النواب في أمثلة تشريعية و رقابية كثيرة ، و نكتفي بمثالين فحسب : ففي المادة 48 من الدستور ينص على ( تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلس النواب و مجلس الاتحاد ) . انتهى نص المادة ؛ و على الرغم من مرور عشرة سنوات على إقرار الدستور لا زال مجلس النواب العراقي يعمل من غير مجلس الاتحاد  أي أن السلطة التشريعية في العراق ناقصة و غير مكتملة ، و هذه لوحدها تعد مثلبة على البرلمان الذي لم ينجح حتى الان في بناء نفسه لأداء الدور الكبير الذي يضطلع به ، و لا حاجة للتأكيد أن هذا السوء حاصل فقط بسبب الخلافات و المصالح السياسي .
أما المثال الثاني و الذي تملء خلافاته الفضاء هذه الأيام ، و هو مشروع قانون الموازنة الاتحادية لسنة 2017 ، فتتركز الخلافات فيه حول ( حصة اقليم كردستان العراق من الموازنة الاتحادية و أعطاء 5 دولارات عن كل برميل نفط للمحافظات المنتجة للنفط و حصة لمقاتلي الحشد الشعبي ( العشائري ؛ من العراقيين المسلمين من المذهب السني ) ، و هذه الخلافات بغض النظر عن تفصيلاتها و أراء كل طرف فيها ، تعبر بشكل شكلي جلي عن سوء عمل مجلس النواب و حجم الصفقات السياسية التي تقام على حساب الدستور ، فما يرتبط بحصة أقليم كردستان العراق و المحافظات المنتجة ، كان الدستور العراقي قد حسمها بإن النفط و الغاز و عموم الثروات هي ملك للشعب العراقي توزع عليهم بالتساوي ، و ليس على أي طرف أن يتبادل النسب بل أن هذا حق يحتسب و يعطى ، و أما ما يرتبط و هذه بدعة جديدة بحصة مقاتلي حشد العشائر ؛ فالحشد الشعبي و بعد إقرار قانونه صار جهازا أمنيا تخضع النسب فيه و حقوق أفراده المالية إلى القائد العام للقوات المسلحة ؛ إلا أن الأمر و كما قلنا يعبر عن سوء عمل مجلس النواب على مدى عقد من الزمان ، فنسبة ال 17% و تصدير النفط من إقليم كردستان العراق هو جزء من عمليات التفاوض و تبادل المصالح السياسية ، و هكذا باقي الفقرات .
مجلس النواب هذا يقوم بالعمل بهذا الشكل ، فكيف يؤتمن على الدولة ؟ كيف نعطي لهذا التجمع من متبادلي المصالح السياسية وظيفة تشريع قوانين مهمة ترتبط بحاضر و مستقبل العراق و العراقيين ، إذا كانوا يفعلون كل هذا في قوانين دورية كقانون الموازنة الاتحادية ، فماذا سيصنعون بقانون مجلس القضاء الأعلى الذي يرومون التصويت عليه ، و ماذا سيصنعون بقانون المحكمة الاتحادية العليا و قوانين أخرى كقانون الانتخابات و قوانين الهيئات المستقلة و غيرها ؟ 
بإمكان كل باحث متخصص أن يراجع جميع القوانين التي صوت عليها مجلس النواب العراقي و البحث في الثقل السياسي و المصلحي في هذه القوانين ليكتشف أن هذا المجلس غير مؤتمن بالمرة على مصالح الدولة العراقية .    

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب