23 ديسمبر، 2024 7:19 ص

مجلس النواب.. ستة أشهر من الإنجازات والعثرات/1

مجلس النواب.. ستة أشهر من الإنجازات والعثرات/1

جاءت الإنتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة في ظروف بالغة السوء والصعوبة؛ فأزمة الأنبار كانت قد بدأ يتسع لهيبها، وسياسات نوري المالكي مع خصومه وحلفائه أصبحت تثير مزيدا من التعقيد في المشهد السياسي، أقيمت الإنتخابات وشابتها خروقات خطيرة تحدثت عنها منظمات محلية ودولية، وكشفت بعض تفاصيل التزوير فيها وسائل إعلام تعرض بعضها للتهديد أو الإغلاق لموقفها هذا؛ لكن هذه الإنتخابات أفرزت كواقع حال برلمانا لا يمكن أن يعبر بصورة دقيقة عن الخارطة الديموغرافية للعراق بعد أن حمي وطيس المعارك الأنبار وبعض المناطق الأخرى، وهجر مئات الألوف من سكانها في ذلك الوقت نحو كركوك وإقليم كردستان ومدن أخرى .

 

لكن وعلى الرغم من ذلك كله استبشر العراقيون خيرا بإعلان هذه النتائج، وزادت نسبة التفاؤل بعد تسمية رئيسي الجمهورية والوزراء الجديدين، حيث اعتبرت التشكيلة الثلاثة التي أنيطت بها قيادة البلاد في الأربع سنوات المقبلة توافقية إلى حد كبير، وتحمل روح العمل الجماعي بعد فترة صراع مريرة شهدت صراعات عنيفة وتجاذبات بين الرئاسات الثلاثة الماضية لم تكن نظيفة بالمرة.

 

والحقيقة أن البرلمان الجديد ابتدأ دورته وأمامه ملفات خطيرة وحساسة جدا، لم يكن من السهل أبدا تناولها أو الخوض فيها، خاصة مع تزامن ذلك باكتساح تنظيم (داعش) لمدن ومساحات كبيرة من العراق، لكن رئاسة البرلمان بدأت في التعامل مع هذه الملفات الواحد تلو الآخر بنجاح وحرفية أحيانا، وبتعثر ووقوع في الخطأ أحيانا أخرى، وهو أمر طبيعي في هذه المرحلة الحرجة والمنعطف التاريخي.

 

  كانت الخطوة الأولى لرئيس البرلمان الجديد الدكتور سليم الجبوري هي إعلانه عن بدء تشكيل لجان نيابية دائمة قبل الإعلان عن الحكومة الجديدة، وهو تجاوز للأعراف والممارسات السابقة التي رهنت مجلس النواب بقرارات ورؤى رئاسة الوزراء، شكلت هذه البداية خطوة مهمة في طريق إقرار استقلال البرلمان عن الخضوع لأي ضغوط حكومية باعتباره ممثلا حقيقيا لإرادة الشعب، أعقب ذلك استدعاء ممثلين لعشر وزارت للتحقيق معهم في عدد من القضايا المثارة ضدهم، وهو ما كان أمرا شبه مستحيل في الدورة السابقة؛ التي كان يتعامل فيها نوري المالكي ومعظم وزراؤه بصلف وغرور شديدين مع مجلس النواب، معتبرين رئيسه السابق أسامة النجيفي خصما سياسيا لا شريكا له، وهو ما عرقل عمل المجلس وأصابه بالشلل تماما.

 

 كانت قضية ضحايا (سبايكر) أحد أهم المعضلات التي بدأت تتفاعل في الشارع الشيعي وتنذر بمزيد من الدماء؛ لا سيما مع استغلال عدد من الأطراف السياسية الرافضة للنهج الجديد لها، ومحاولات تأجيج أهل الجنوب وتوريطهم أكثر في مستنقع الدماء عبر توجيه اتهامات لعشائر معينة من تكريت بالوقوف وراء الحادث، لكن تعامل الرئاسة الجديدة مع الحدث استطاع امتصاص نقمة الأهالي وتحويلها من غضب طائفي يهدد بتصعيد في الشارع إلى قضية وطنية وقانونية تستحق التحقيق والبحث عن المتسببين الرئيسيين فيها؛ بعيدا عن التضليل الإعلامي، فكان للقاء الدكتور سليم الجبوري بأهالي الضحايا أثر كبير في تطييب خواطرهم وتنبيههم إلى محاولات البعض التلاعب بمشاعرهم واستغلالها لتمرير أجنداتهم السياسية، وتم عقد جلسة في البرلمان لمناقشة القضية وتداعياتها وبحضور أهالي الضحايا، كما أعلن عن تشكيل لجنة للتحقيق في القضية والمتسببين فيها؛ يتوقع إن سارت الأمور كما ينبغي لها؛ أن تدين قيادات عسكرية ومدنية كبيرة في الدولة قد يكون من بينهم نوري المالكي وعدد من ضباطه.

 

الأمر الآخر الذي يحسب للبرلمان هو إزالته الإحتقان المتصاعد مع إقليم كردستان، حيث كان لتواصل الدكتور سليم الجبوري مع رئاسة الإقليم وقياداته السياسية الدور الأكبر في حل كثير من العقد والإشكالات التي شكلت عائقا كبيرا أمام سير الحكومة في عهد سيىء الذكر نوري المالكي، فتم حل مشكلة حصة الإقليم من الموازنة وصرف الرواتب المتأخرة، بعد أزمة شديدة عصفت بمصارف الإقليم والمؤسسات الحكومية لعدة أشهر وأصابت الميزانية هناك بعجز بلغ ثلاثة ملايين دولار؛ حيث خلت مصارف كردستان من الأموال ولم يتسلم أكثر من سبعمائة ألف موظف هناك رواتبهم، كما أصاب الأسواق الركود وانخفضت القدرة الشرائية بشكل كبير، لدرجة أن بعض أصحاب المحلات أعلنوا عن تخفيضات في أسعار بضائعهم لأقل من خمسين بالمائة من سعرها الحقيقي، هذه الحرب الإقتصادية التي أعلنها المالكي وأصابت الإقليم ومؤسساته بما يشبه الشلل ترافقت مع تحركات لبعض فرق الجيش على تخوم كركوك وتأسيس عمليات دجلة؛ كل هذي الأمور جعلت مؤشرات الصدام بين المركز والإقليم تتصاعد، لكن قرارات مجلس النواب بالتزامن مع توجه بوصلة (داعش) شمالا وخلع المالكي ساهم كل هذا في تهيأة الأجواء لمصالحة سريعة بين الكرد والمركز تضمن إعادة توحيد الموقف السياسي والعسكري إزاء المخاطر المحتملة والتهديدات الخارجية، ورغم كل هذه الأجواء الإيجابية التي تسود بين الطرفين اليوم فإن هناك أصواتا نشازا داخل مجلس النواب لا سيما من كتلة (دولة القانون) لا تزال ترفع عقيرتها بالصياح في محاولات لاستعداء الإقليم عبر اتهامه بدعم الإرهاب وتسهيل عبور المسلحين وتوفير ملاذات آمنة لهم، رغم أن الأكراد كانوا من أبرز ضحايا (داعش) وفي مقدمة من تصدوا له.