في الوقت الذي ينتظر الشعب العراقي ، من مجلس النواب تشريع القوانين المهمة وخاصة التي وضّح الدستور خطوطها العريضة ، والبعض الاخر لتلبية حاجات الشعب المتنامية ، نجد الحكومات المتعاقبة تراوغ في تنفيذ بعضها رغم أهميتها .
ومن هذه القوانين التي أقدم مجلس النواب على تشريعها قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي رقم ( 4 ) لسنة 2009 ، والذي شّرع آستنادا للمادة (107) من الدستور العراقي النافذ لعام 2005 ، من أجل تنظيم شؤون الوظيفة العامة وأبعادها عن التسييس والتحزب ، للشروع ببناء دولة المؤسسات ، وتشكيل مجلس مهمته تطوير الوظيفة العامة وتأهيلها ، لآاعداد كوادر للعمل في دوائر الدولة ، وبلورة القواعد والأسس السليمة ، وتأمين العدالة والحيادية وضمان معايير الكفاءة والعدالة في التعيين بالوظائف العامة ، حسب الدستور النافذ ، والذي جاء لينهي العمل بقانون مجلس الخدمة العامة رقم (24) لسنة 1960 ، الذي أجري عليه أكثر من (200) تعديل ، قبل أن يلغه نظام صدام ، وفي العهد الجديد باشرت الوكالة الامريكية للتنمية ، بعقد مؤتمرات وورش عمل لااعضاء في مجلس النواب ومحافظين ونوابهم واعضاء مجالس محافظات لتطوير قابلياتهم في كيفية الحكم المحلي والمساعدة في أنضاج قانون للخدمة الاتحادية وهل ماحصل .
ورغم اقرار هذا القانون المهم ، ونشره في جريدة الوقائع العراقية بعددها (4116) في 6/4/ 2009، الآ أن حكومة المالكي راوغت كثيرا من أجل تعطيل تنفيذه ، لتبقى الوظيفة العامة بيد وزرائه ونوابه والمقربين منه ، وتوزيع الفتات على الكتل والاحزاب الاخرى لضمان صمتها ، ولغرض استيعاب السجناء والمفصولين السياسيين من احزاب السلطة .
وفي حكومة الرئيس العبادي تم تعديله ، بالقانون المرقم (8) لسنة 2015 المنشور بالجريدة الرسمية في 4/5/ 2015 إلا انه لم يتم تطبيقه لحد الان ايضا ، وبحسب المادة الخامسة من هذا القانون يتكون مجلس إلادارة من رئيس ونائب وتسعة اعضاء ، ولابد من تصويت مجلس النواب على هؤلاء الاعضاء المرشحين من مجلس الوزراء ، والذين يشكلون مجلس أدارة مجلس الخدمة الاتحادي ، الذي يرتبط اداريا بمجلس النواب بوصفه هيئة مستقلة ، بعد تقديم أسماء المرشحين من قبل الحكومة .
وبعد الازمة الاقتصادية جراء هبوط اسعار النفط ، والتلاعب بالدرجات الوظيفية من قبل احزاب وشخصيات نافذة ، ومساومة المتقدمين عليها ، بشرط منحهم وعوائلهم أصواتهم لهذا الحزب او المرشح أو ذاك وضعف التغطية المالية للدرجات الوظيفية المستحدثة ، بات من الضروري، تنفيذ هذا القانون وخاصة بعد تردي الحالة الاقتصادية للبلد ، وبعد أن أصبحت التخمة الوظيفية أن صح التعبير عبء على محاولات العراق الاقتراض من البنك وصندوق النقد الدوليين ، والتي أدت الى زيادة عدد الموظفين خلال الحكومة السابقة الى أعداد هائلة ، وفائض واضح ، مما أصاب الوزارات والهيئات المستقلة بترهل وظيفي فضيع ، وهدر للمال العام ، وضعف الولاء الوطني ، بعد أن اصبح ولاء المتعين لهذا الحزب او ذاك أو لهذا المسؤول أو ذاك لانهم وفروا له وظيفة حكومية !.
وهنا تأتي اهمية التطبيق الفعلي لقانون مجلس الخدمة الاتحادي كضرورة اقتصادية ملحة علاوة على تعزيز الولاء للوطن بتوفير فرص عادلة للتعيين وخاصة الخريجين ، وتبوء المناصب الوظيفية حسب الكفاءة والتحصيل الدراسي وسنة التخرج ، بعيدا عن الانتماءات القومية والدينية والمذهبية والحزبية والايديولوجية، وانهاء حالات الفساد والرشوة والمحسوبية وصلات القرابة او الانتماء السياسي ، للحصول الوظائف بما يعزز العلاقة بين المواطنين والحكومة واعادة الثقة بالاداء الحكومي الذي انتابه التلكؤ والعجز ووضع الشخص غير المناسب في المكان المناسب طيلة الفترات السابقة.
هذا القانون بأعتقادنا يجب أن يرافقه سلم رواتب جديد يأمن العدالة والمساواة لجميع موظفي الدولة ، وحسب تحصيلهم الدراسي وسنوات خدمتهم وكفائتهم ، وألغاء السلم الحالي المتحيز والغير منصف ، ومن ارتدادات هذا السلم المجحف الحاق الظلم والاجحاف بالمتقاعدين السابقين ايضا ، فقد اصبح موظفوا الدولة والمتقاعدين منهم يحصلون على رواتب مختلفة بدون سند قانوني أو اخلاقي ، وكأننا في دولتين مع الآسف !.