22 ديسمبر، 2024 6:56 م

مجزرة سبتمبر واحداث البصرة

مجزرة سبتمبر واحداث البصرة

قبل اكثر من قرنين من الان وبالتحديد في الرابع من ايلول لعام 1789 قام الفرنسيون بثورة ضد النظام الملكي المستبد انذاك وسُميت ذروة هذه الاحداث بــ (مجزة سبتمبر) بعد مقتل اكثر من الف شخصا.
ما يحدث في العراق يشبه الى حد ما الاحداث في فرنسا باختلاف طفيف هو اختلاف جغرافية الاحداث وثقافة الشعب, ولا بد من قراءة بواعث واسباب وقوع البصرة تحت النيران دوما, تلك المدينة التي تطفو على سطح الارض فوق خيراتها, وشعبها هزيل من الفقر, وهي المدينة التي كانت خيراتها سببا لاشعلال نيران حرب الخليج الثانية ولا ابالغ عندما اضيف الحرب الاولى معها.
فالسبب الاول لاختيار البصرة مسرحاً لاحداث العراق هي ثراءها وموقعها الجغرافي حيث سهولة الوصول اليها بحراً وبراً وجوا, فهي المدينة العراقية الوحيدة التي تطل على منفذ بحري, وهي المدينة الوحيدة التي تمتد حدودها لثلاثة دول وهي السعودية والكويت وايران. ولهذا نرى ان الانكليز اتخذوها المحطة الاولى عند احتلالهم العراق مطلع القرن العشرين, وايضاً كانت المدينة الاولى التي وقعت تحت احتلال قوات التحالف عام 2003 والتي حرص البرطلنيون على تأمينها والمحافظات التي تجاورها ولا زالت الشركات النفطية والامنية والاستثمارية في البصرة هي من حصة بريطانيا, ولا يزال القرار في العراق لا يبتعد عن لندن.
بعد ان رحل نظام صدام حسين سيطرت على هذه المدينة الاحزاب الاسلامية الشيعية, وتنافست تلك الاحزاب على سباق السرقات, ولذلك طفح الكيل وثار الشباب البصري العراقي الشجاع. وكانت ثورتهم بمحلها, وبوقتها, الا انهم فقدوا السيطرة على استقلالية احتاجاتهم ودخلها المغرضون والمتربصون والمنافقون كما ركب ميرابو القائد الفرنسي “الثائر” الثورة ضد الملك لويس السادس عشر وتحول فيما بعد الى رجلا من رجالات الملك بعد ان كسر اجنحة الثوار.
ولذلك نلاحظ بعض قادة الاحزاب يحاولون ركوب موجة ثوران الشباب والسيطرة عليهم من خلال التزعم على احتجاجاتهم. وهذه الاحزاب هي متهمة بالعبث بخيرات البصرة, فالبصرة بعد 2003 كانت من حصة حزبي الدعوة والمجلس الاعلى (تيار الحكمة حاليا). على الرغم من ان المحافظون قبل 2010 كانوا مسلوبي السلطة وكانت القرارات تصدر من المستشاري الامني والاقتصادي الامريكي والبرطاني لكن بعد هذا التأريخ اصبحت القرارات تصدر من قيادات تلك الاحزاب والتي تستلم اوامرها هي الاخرى من دول مذكورة اعلاه.
ونلاحظ حدوث خلافا كبيرا عند تشكيل حكومة 2014 حيث اصر المجلس الاعلى الاستحواذ على حصة محافظة البصرة بحصر منصب المحافظ لحزبهم بدلا من حزب الدعوة مقابل تنازل الاول عن وزارتين, فواردات الوزارتين تصلا الى اقل من ثلثي واردات خيرات البصرة وبذلك تكون واردات البصرة تعادل ثلاث وزارات ثرية الايرادات.
الاحتجاجات التي تحصل هذه الايام تزامن تشكيل الحكومة ايضاً, حيث تنشغل الاحزاب بتشكيل ما يسمى بالكتلة الاكبر, وهذه التسمية اقتصادية اكثر مما هي سياسية, فهي تعني تقاسم الحصص المالية بين تلك الاحزاب من خلال المناصب التي تقود المحافظات والوزارات فضلا عن عدد مقاعد مجلس النواب التي تشرع لاحزابها السرقات. ونرى ان التيار الصدري الصديق للمملكة العربية السعودية كان مبتعداً عما يحدث في البصرة رغم ان الاحزاب الشيعية اتهمت سرايا السلام بحرق مكاتبهم ليلة السابع من ايلول.
ايضأ, احزاب اخرى تقيم قياداتها في الاردن تصفق من خلال تصريحاتها بتأجيج الاوضاع في البصرة, لان مشعل العراق هو البصرة كما اشرنا سابقاً.
التأريخ العراقي الحديث واضح وصريح, ومن خلال دروسه نستنتج ان هناك مسار يجري في المنطقة لتغيير خارطة الحكومة العراقية الجديدة, فلا نستبعد تغيير النظام الديمقراطي, وايضا لا نستبعد افلاس المحور الشيعي من منصب رئاسة الوزراء فضلا عن اقتراب وقت محاكمة كل من كان له يد بالتلاعب بخيرات البصرة خاصة والعراق عامة واختلاسها.
حاول الملك لويس السادس عشر الاستمرار ببرجوازيته وسلطته المطلقة واضطهاد الطبقة الفلاحية الفرنسية, لكن بوقت قصير تمكنت الطبقات الفلاحية من قطع رأسه بالمقصلة وتغير تأريخ فرنسا. وسنرى المشهد الذي سيحل بكل من اضطهد العراق واهله كما رأينا ما حل بحكام العراق الطغاة. لكن بنفس الوقت حذارى لسيل الدماء التي لربما تراق كما اريقت دماء الفرنسيين في مجزرة سبتمبر, الا ان عدد القتلى سيكون عدد مجزرة سبتمبر “الف” مضروباً بنفسه وهو ما ينتج عنه “مليون”.