23 ديسمبر، 2024 12:26 ص

مجرد توقعات محتملة حول المتغيرات بعد كرونا

مجرد توقعات محتملة حول المتغيرات بعد كرونا

تقارير كثيرة نشرت تضمنت أحداثا ذات احتمالات ضئيلة للوقوع، وأخرى لم تقدر حق قدرها. ومن بين هذه التوقعات خروج المجر من الاتحاد الأوروبي، وانتصار إليزابيث وارين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ونجاح روسيا في سوق الطاقة. ويشدد البنك على أن هذه ليست توقعات السوق الرسمية، وإنما هي محاولة للاستكشاف قدر الإمكان.

ووفقا لمحللي البنك، فإن المجر سوف تنسحب من الاتحاد الأوروبي بسبب سياسات رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، المعادية لأوروبا، وهو ما دفع قيادة الاتحاد لتفعيل المادة السابعة من ميثاق الاتحاد، والتي تفرض عقوبات على الدول التي لا تمتثل للقيم الأساسية للاتحاد. وبناء على ذلك، فسوف تنخفض العملة المحلية حتى 375 فلورين لليورو الواحد (معدلها الحالي 330 فلورين لليورو الواحد)، بسبب مخاوف السوق حول تدفقات رأس المال من البلاد على خلفية إعادة الشركات الأوروبية النظر في خططها الاستثمارية.

ومن أجل إجبار حكومات دول منطقة اليورو، وبخاصة ألمانيا، على التحول إلى تحفيز الاقتصاد، سوف يطرح البنك المركزي الأوروبي سياسته المالية التي يؤول فيها سعر الفائدة على الودائع إلى الصفر، وبنهاية العام سوف ترتفع الفائدة فوق الصفر بقليل. كذلك ستواجه جنوب إفريقيا وضعا صعبا، حيث يعتمد اقتصادها منذ عدة سنوات على شركة الكهرباء الحكومية “إسكوم” ESCOM، التي تبلغ ديونها 9% من الناتج الإجمالي المحلي.

من المتوقع أن يخسر دونالد ترامب في السباق الرئاسي، بينما تفوز المرشحة الديمقراطية، إليزابيث وارين، ببرنامج هدفه الأساسي هو توفير الرعاية الصحية المجانية للجميع، لتصبح أول امرأة في هذا المنصب.

ووفقا للخبراء، سوف تذهب إدارة الرئيس ترامب بالسياسات الحمائية الأمريكية إلى مداها، وسوف تطبق ضرائب “أمريكا فوق الجميع”، وبموجبها ستلغى الضرائب الحالية، وتفرض ضريبة واحدة للقيمة المضافة بـ 25% لجميع الإيرادات الإجمالية التي تتلقاها الشركات الأمريكية من الإنتاج في الخارج، وسيزيد عجز الموازنة في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما سيصر مجلس الاحتياطي الفدرالي على معدل منخفض للغاية، ما سيؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار.

سوف يكون سبب ضعف الدولار أيضا هو ظهور عملة جديدة للاحتياطي في آسيا سيطلق عليها “قانون السحب الآسيوي” ADR، ويتوقع المحللون أن تصبح هذه العملة الوسيلة الرئيسية للتسوية بين عدد كبير من الدول، حيث سيتوقف الكثير من البنوك المركزية عن الاحتفاظ بالاحتياطيات. وبالنسبة للنفط، سوف تعلن مؤسسات النفط الصخري عن عدم ربحيته، بينما سيزداد الطلب على النفط في آسيا، وستحصل صناعة النفط والغاز على قوة دفع جديدة للتنمية.

يمكن أن تحقق روسيا نجاحات على مستويي الطاقة “الخضراء” و”السوداء” على حد سواء، حيث ستعلن جنبا إلى جنب مع أوبك، عن تخفيض جديد في إنتاج النفط بسبب تباطؤ إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، فإن سعر خام برنت سيعود إلى 90 دولارا للبرميل، وسوف ترتفع أسهم “روس نفط” بنسبة 50%، كما سوف يتزايد الاهتمام بسياسات المناخ الروسية، حيث تعد أكبر مورد في العالم لمادة البالاديوم المستخدمة في السيارات لتحسين نوعية الهواء. ويتوقع البنك زيادة حادة في الطلب على النيكل في عام 2020، بسبب تحول بطاريات السيارات الكهربائية من الكوبالت إلى النيكل، وسوف تستفيد “نوريلسك نيكل” من ذلك”.

كشفت دراسة جديدة أن الاقتصاد العالمي قد يتحسن بما يصل إلى 100 مليار دولار سنويا لو نجح أصحاب العمل في تشجيع عامليهم على اتباع القواعد الإرشادية لمنظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بممارسة الرياضة وذكرت دراسة في تقريرها عن أثر النشاط البدني على الأداء الاقتصادي من خلال دراسة علمية أن المشي يوميا لمدة ربع ساعة إضافية أو الجري الخفيف مسافة كلم بشكل متواصل كل يوم سيعزز الإنتاجية وسيزيد متوسط الأعمار مما يؤدي في النهاية إلى تحسن النمو الاقتصادي، بحسب رويترز.

وبحسب الدراسة فإن تحسن الاقتصاد سينجم عن تراجع معدل الوفيات بمعنى الإبقاء على عدد أكبر من العمالة على قيد الحياة ومساهمتهم في الاقتصاد لفترة أطول وكذلك عن تراجع عدد أيام الإجازات المرضية.

و أن هناك علاقة قوية بين عدم الحركة وتقلص الإنتاجية وإنها يجب أن تعطي واضعي السياسات وأصحاب العمل “منظورا جديدا حول كيفية تعزيز الإنتاجية وتوصي منظمة الصحة بممارسة جميع البالغين 150 دقيقة على الأقل من التدريبات المتوسطة أو 75 دقيقة من التدريبات القوية في الأسبوع. ووجدت المنظمة في دراسة أعلنت نتائجها العام الماضي أن حوالي 40 بالمئة من البالغين في الولايات المتحدة و36 بالمئة في بريطانيا و14 بالمئة في الصين يمارسون قدرا بسيطا جدا من التمارين.

ويستند جانب من دراسة مؤسسة راند ومجموعة فايتالتي على بيانات من نحو 120 ألف شخص من سبعة بلدان. ووضعت الدراسة تصورا للمنافع الاقتصادية لزيادة النشاط البدني على مستوى العالم وفي 23 بلدا منفردا ووجدت الدراسة أنه إذا مارس كل العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و64 عاما رياضة المشي لربع ساعة إضافية يوميا فقد يعزز ذلك الإنتاج الاقتصادي العالمي بنحو 100 مليار دولار على أساس سنوي , أصبح فيروس كورونا المستجد ومنذ بداية الإجراءات المشددة في مختلف دول العالم، حديث الناس اليومي، أما زبدة الأمل في الحوارات “بعد كورونا حيث يرسم الناس على المستوى الشخصي، أحلامهم وخططهم في محاولة للتغلّب على الظروف النفسية الحالية التي تعزلهم عن بعضهم البعض وعن قائمة الأمنيات لعام الفان وعشرين والتفكير في المستقبل، غالباً مؤشّر على الأمل, أما التوقعّات خارج حدود الفرد، يمكنها الإفصاح عن مدى المتابعة لأزمة الجائحة، وفارق التجربة الشخصية والتاريخ المُعاش من جهة، ومستوى التأثير على مختلف المستويات (اقتصادية وعلمية وسياسية) من جهة أخرى، بين شخص وآخر ولربما”سنشهد زيادة الأعمال التطوعيّة للحد من تلوّث البيئة، والسعي لعدم ارتكاب جرائم بحق الطبيعة والكرة الأرضية، وفي المجالين الاقتصادي والسياسي، تتوقّع حدوث تغيير تصعد فيه أنظمة مقابل خسارة الأخرى…محمد علي من العراق، وأن يقل حجم التلوّث البيئي ودرجة الاحتباس الحراري” مضيفاً أن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الجائحة، سيكون تأثيرها متفاوتاً.

وأن “دولاً وشركات عظمى ستتلاشى بينما تنبثق أخرى من الحُطام” مضيفاً “ستُهجر مدن كبرى، وتعود الحياة الريفية للازدهار، والتنقّل بين الدول نفسها لن يعود سهلاً كالسّابق، ما سيعزل بعضها و “الدول المنهارة صحياً واقتصادياً ستكون أكثر عُزلة” وإذا تكررت ظروف مشابهة لأزمة الطوارئ “ستكون الشعوب الخاضعة للأنظمة الديكتاتورية أكثر فاعلية في السياق الدولي نفسه، يقول العراقي علي القاضي “أتوقع خروج إيطاليا وإسبانيا من الاتحاد الأوروبي وربما تفكّكه، أو عودة بريطانيا إليه…

“العالم سيتجه نحو الاهتمام بالنظافة أكثر، خصوصاً الأماكن العامة، كما ستزداد الخدمات المتوفرة عبر الإنترنت الخدمات كالأعمال الاستشارية والدراسة، بالإضافة لتوسيع الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد”، تقول مروى الصايغ من العراق و “ربما سيعيد الجميع حساباته في أمور حياتية عديدة، والأغلبية يرافقها هاجس عودة الفيروس أو الإصابة به” مستدركة “وبكل الأحوال لن يتقاعس أحد عن التقدم في تنفيذ طموحاته وتشديد التنقل عبر الدول، تتوقع مها “تسهيلات من دول أوربية والولايات المتحدة للمسافرين إليها، وذلك في محاولة تخطّي الخسائر التي لحقت بقطاع السياحة، بالإضافة لاستقطاب كفاءات بعد ندهور الاقتصاد!!!الأوضاع السياسية والاقتصاية قبل الجائحة، وأنها في الأساس لم تكن أفضل من اليوم، إذ شكّل الفيروس أزمة من أزمات لا الأزمة بعينها وعلى فرض أن الدول كانت توهم الناس بقدرة الاقتصاد القوي والرعاية الصحية على حل جميع الأزمات، إلا أنها فعلياً لم تتخذ الاحتياطات الكافية للأوبئة التي حذر منها خبراء طيلة السنوات الماضية وعلى هذا الأساس فإن “المهمة اليوم ليست مكافحة الفيروس من أجل العودة إلى العمل كالمعتاد ، لأن العمل الاعتيادي كان بالفعل كارثة. وبدلاً منه، فإن الهدف محاربة الفيروس، وفي نفس الوقت تحويل ما اعتدنا عمله إلى شيء أكثر إنسانية وأماناً”، ومن جانب آخر، فإن التوقعات بانهيار مالي كما حصل عام 2008، أمر محتمل لدى العديد من الخبراء، الذين ينظرون لأزمة كورونا اليوم بعين 2008.

أما المتفائلون، فيجدون أملاً في “أننا قد نبدأ في رؤية العالم بشكل مختلف. ربما يمكننا أن ننظر إلى مشاكلنا على أنها مشتركة، والمجتمع أكثر من مجرد مجموعة من الأفراد يتنافسون ضد بعضهم البعض من أجل الثروة والمكانة. باختصار يمكننا فهم أنه لا ينبغي لمنطق السوق بالهيمنة على العديد من مجالات الوجود البشري مثلما نسمح به حالياً

وفي موازاة الجانب الاقتصادي، يبرز الجانب البيئي، حيث لفت كوفيد-19 أنظار العالم إلى التغيّر السريع الذي أحدثه توقف قطاعات صناعية وحركة السير في عدد من البلدان على البيئة وتقليل تلوّث الهواء “وفي الوقت نفسه، يشارك الناس في جميع أنحاء العالم نتائجهم القصصية الخاصة عبر الإنترنت، حول النسيم العليل، وممرات الدراجات الممتدة وعودة العصافير إلى الأحياء، وكأنّهم يلمّعون المستقبل في خضم الكارثة، إذ يعرفون مدى حاجتهم إليه وأن إجراءات المراقبة المشدّدة التي اتخذتها دول عديدة على مواطنيها (أنظمة التتبّع للحركة والمراسلات والاتصالات) للتأكد من التزامهم بالتعليمات وأوامر حظر التجوّل، تجنباً لانتشار كوفيد-19، قد تستمر إلى ما بعد النجاة من الجائحة من هذه الدول: الصين وإيطاليا وإسرائيل وبلجيكا وكوريا الجنوبية وألمانيا والنمسا.

مثلما علم الأوبئة تراكميّ، حيث يعتمد العلماء لتحضير الأمصال والأدوية على تجاربهم ومَن قبلهم في مواجهة أوبئة أخرى، كذلك هي الأزمات بشكل عام وفي تاريخ كل شعب أزمات عايشها معاصرو جائحة كورونا أو قرأوا عنها، ولكن واحدة غالباً تُعتبَر فارقة، سجلت بعدها بلادهم ما لم تعهده من قبل، على نحو إيجابي أو سلبي، مدمّر، أو هدّام وقياساً على ذلك، تعددت تنبؤات خبراء في مجالات الاقتصاد والعلوم والبيئة والتكنولوجيا والسياسة للمرحلة اللاحقة لكورونا، نلخصها في النقاط الآتية

خوف من الاخر مهما كان قريبا***نعلم الآن أن لمس الأشياء والتواجد مع أشخاص آخرين وتنفس الهواء في مكان مغلق يمكن أن يكون محفوفاً بالمخاطر، وستكون سرعة تراجع هذه الفكرة متفاوتة من شخص لآخر. ربما سنتراجع عن مصافحة اليدين أو لمس وجوهنا ولا نستطيع التوقف عن غسل أيدينا وقد يصبح في غياب الآخرين عنّا راحتنا لا حضورهم، ونكتفي بالاتصالات عن بعد. وقد يصبح السؤال فيما بعد “لماذا التواصل شخصياً؟” بدل سؤال “لماذا التواصل عبر الإنترنت؟”، ما سيعرّض الناس محدودي النطاق في الحيّز الاجتماعي إلى الحرمان . وطنية جديدة وابطال جدد ***في عديد الدول، يُمنح الجنود والمحاربون القدامى ميزات عديدة (خصومات من قبل الشركات، تأمين صحي أقل كُلفة، يوم عطلة باسمهم)، بسبب دورهم في حماية المواطنين والدفاع عنهم، وكنوع من العرفان أيضاً، سيُمنح الأطباء والعاملون في الكوادر الطبية ليل نهار في مواجهة فيروس كورنا، ميزات مشابهة وربما تصبح الوطنية “رعاية صحة وحياة المجتمع”، بدلاً من العساكر والجيوش في أراضي الآخرين . تراجع الاستقطاب ***وجود عدوّ مشترك (فيروس كورونا) قد ينتج مجتمعاً أكثر وحدوية واندماجاً دون الخضوع لاستقطابات بعينها، فالعدو واحد لا يميز أحداً عن آخر، ما يؤدي لتنامي الإيثار والتعاطف والسخاء .العودة إلى الإيمان بالخبراء الجادّين*** في مجتمعات متقدمة يسودها السلام والرخاء الاقتصادي، كان صوت الخبير أو المهنّي في المجال الطبي غير مسموع وسط أصوات مسموعة لنجوم تلفزيون الواقع مثلاً، تأثيرهم على الناس أكبر من تأثير ذوي الخبرة، ما جعل المجتمعات لا مبالية بتحذيرات هؤلاء الخبراء، الذين يُسمعون اليوم وسط الكارثة لأنهم الأقدر على رؤية الواقع ومعاينته بجديّة ودقة . تمثل جائحة كورونا نهاية علاقتنا الرومانسية مع مجتمع السوق والفردية المفرطة، فسلوك البحث عن الذات يجعل من هذه الأزمة أكثر خطورة . وقد تعيد دول سياستها، متجهة إلى استثمارات جديدة كبيرة في المنافع العامة (الصحّة مثلاً)، وأساس الرؤية هو المصير المشترك والمترابط.

التطبيب الكترونيا***إذ يمكن أن يستمر ما يحدث الآن من تقديم رعاية صحية عن بعد، عبر محادثات الفيديو، خارج زحمة المواصلات العامة من أجل الوصول لموعد طبيب، أو في غرف الانتظار، ومنح الأولوية عيادياً للمرضى في حالات حرجة. زيادة الاهتمام بالرعاية الأسرية ***سلّط فيروس كورونا الضوء على الاحتياجات غير الملبّاة للعدد المتزايد من السكان المسنين في دول مختلفة، وعشرات من أفراد الأسر ومقدمي الرعاية المحترفين الذين يعتمدون عليهم. ففقدان ملايين الأشخاص وظائفهم أو تأحير رواتبهم بسبب حظر التجوّل، لم ينعكس عليهم وحدهم بل على أفراد عوائلهم التي يعيلونها، من أطفال وذوي احتياجات خاصة ومسنين، دفع خبراء للمطالبة بنظام رعاية أسرية شامل لهذه الفئات ومنح إجازات عائلية للموظفين مدفوعة الأجر وغيرها من إجراءات تضمن الرعاية الوافية للأسر. عالم أقل حريّة وازدهاراً وانفتاحاً ***ستصبح الدولة أقوى وتتنامى القومية، وتتبنّى الحكومات بجميع أنواعها إجراءات طارئة لإدارة الأزمة، وسيكره الكثيرون التخلي عن هذه السلطات الجديدة بعد انتهائها.

الانتقال من العولمة المتمحورة حول الولايات المتحدة الأميركية إلى العولمة باتجاه الصّين، وهو ما بدأ سابقاً لكنّ الجائحة. عولمة صينية***جعلت المسار أقصر وأسرع

خروج الديمقراطية من قوقعتها***ستعطي الأزمة الوقود لجميع المعسكرات المختلفة في النقاش الغربي حول الإستراتيجية الكبرى. سوف يرى القوميون والمناهضون للعولمة والصقور الصينيون وحتى الأمميون الليبراليون، أدلة جديدة على إلحاح وجهات نظرهم. بالنظر إلى الضرر الاقتصادي والانهيار الاجتماعي الذي يتكشف.من الصعب رؤية أي شيء آخر غير تعزيز الحركة نحو القومية، وتنافس القوى العظمى، والفصل الإستراتيجي وماشابه. تغيّر جوهري في النظام الرأسمالي ***الصدمة الأساسية للنظام المالي والاقتصادي في العالم هي الاعتراف بأن سلاسل التوريد وشبكات التوزيع العالمية معرضة بشدة للخلل. بالتالي، لن يكون للجائحة آثار اقتصادية طويلة الأمد فحسب، بل ستؤدي إلى تغيير جوهري. وبالنظر إلى حجم خسائر السوق المالية التي عانى منها العالم منذ فبراير الماضي، فمن المرجح أن تخرج الشركات من هذا الوباء بلا ريب حول النموذج الذي تم إنتاجه في الوقت المناسب والإنتاج المنتشر عالميًا, يمكن أن تكون النتيجة مرحلة جديدة دراماتيكية في الرأسمالية العالمية ، حيث يتم تقريب سلاسل التوريد من المنزل في المستقبل، صحيح أنه يقلل أرباح الشركات على المدى القريب لكنه يجعل النظام أكثر مرونة. لن يُنظر بعد اليوم للولايات المتحدة كقائدة دولية، بسبب المصلحة الذاتية الضيّقة لحكومتها وعد كفاءتها في تسيير الأمور خلال الوباء.خسارة امريكا دورها القيادي

اقتصاد العالم يعاني منذ سنوات. معاناة تعمّقت مع انتشار فيروس كورونا وتأثيراته الكارثية في معظم دول العالم. توقعات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية الكبرى هذا العام تقترب من التحول إلى حقيقة واضحة، لكن أيّ صورة للاقتصاد العالمي ستكون بعد انحسار الفيروس؟ ولا شكّ في أن العالم يشهد اليوم أزمة صحيةً عالمية لم يتمكّن حتى اللحظة من التعامل معها بفاعلية كافية، وليس هناك شكوك في خطورتها، وهي التي أودت حتى اللحظة بحياة آلاف البشر، وتهدد حياة مئات الآلاف من المصابين الذين ينتظرون علاجاً ناجحاً، فضلاً عن بقية العالم الذي ينتظر لقاحاً عاصماً من خطأ الوقوع في المحنة القاسية. وما يزيد خطورة الأزمة أنها تتزامن مع أزمات أخرى حادة في مجالات ثانية مترابطة معها، كأزمة الاقتصاد العالمي المتصاعدة منذ العام الماضي، وأزمة الأسواق المالية، وأزمات أخرى مرتبطة بأسعار العملات، والحروب السياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية. وقد شهد العام 2019 أكبر قدر من التوقّعات المتشائمة للأفق قصير المدى للاقتصاد العالمي، إذ بدأت إرهاصات الأزمة تتمظهر على شكل تباطؤ اقتصادي في كبريات الاقتصادات العالمية، في الصين والولايات المتحدة تحديداً، وترافق ذلك مع حرب تجارية محمومة بين الدولتين، قادها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتعهّد لنفسه وللأميركيين في تصريحات عديدة بالانتصار فيها، وذلك بالتزامن مع نزعة عالمية نحو اعتماد سياسات حمائية للمنتجات المحلية، بما يتناقض مع مقتضيات العولمة والأسواق المفتوحة، إضافة إلى تذبذبٍ في أسعار العملات حول العالم، ومعاناة حادة في الأسواق المالية. تعزَّزت فرص وصول الأزمة المالية العالمية إلى ذروتها في العام 2020 مع التوقعات السلبية حول مستقبل الاقتصاد الأميركي – هو الاقتصاد الأول عالمياً – والتي شهدها صيف العام 2019، إذ توقّعت الرابطة الاقتصادية لرواد الأعمال الأميركيين دخول الاقتصاد الأميركي في سنتين من الركود في العامين 2020 و2021، مع أفق أبعد من عدم اليقين. هذه التوقّعات واجهتها واشنطن بانقسام داخلي واضح، فبينما خفض البنك الفيدرالي الأميركي معدلات الفائدة بدرجةٍ حاسمة لأول مرة منذ 10 سنوات، كان ترامب يهاجم المركزي الأميركي وسياساته، ويشنّ حرباً على وسائل الإعلام، ويلقي باللائمة على دولٍ أخرى، متهماً إياها بمحاولة الإضرار بالاقتصاد الأميركي وبالمصالح الأميركية. كان ترامب يؤكّد على الدوام أن الاقتصاد الأميركي قوي، وأنه سيكسب الحرب التجارية مع الصين. وحينها، سيكون الاقتصاد أقوى من ذي قبل، لكن الأمور لم تسر كما يتمنّى، وخصوصاً عندما تمكّنت الدول الأخرى التي يواجهها، كروسيا والصين، من التعامل بفاعلية مع العقوبات الأميركية التي تعرضت لها في عهده. وعلى الرغم من ذلك، كان الاقتصاد العالمي برمّته يتعرض لتراجع في نسب نمو معظم دول العالم، وقامت الدول الكبرى بمحاولات حثيثة شبيهة بسياسات الفدرالي الأميركي بخفض الفائدة، لتنشيط الاقتصادات التي تعاني من انخفاض على الطلب، ومن مشكلاتٍ أخرى تتعلق بانخفاض كبير في العائد الاستثماري لأسواق السندات بصورةٍ عامة. لقد تراجع النمو في معظم دول العالم، وزادت سوءَ الأحوال المشكلات السياسية في الاتحاد الأوروبي، وبينه وبين بريطانيا، التي واجهت أضعف نمو اقتصادي في 10 سنوات خلال العام 2019، الأمر الذي خفض مؤشرات الاقتصاد الأوروبي كسوقٍ استهلاكية كبرى يعتمد عليها جزئياً الطلب العالمي، وبالتالي مؤشرات الاقتصاد العالمي الأخرى.كما أن الكساد وغلاء الأسعار والحرب العالمية الجديدة بروح العصر، التي تجري أحداثها هنا وهناك، ولا سيما بين الولايات المتحدة والصين، والتي اتخذت أشكالاً عديدة مختلفة، من المواجهة بالعقوبات، إلى الضغط السياسي والديبلوماسي، إلى مواجهات عسكرية غير مباشرة في الأزمات الدولية. كل هذه العوامل جعلت ظروف الاقتصاد العالمي أكثر تعقيداً، وأرخت بظلالها على مستقبله، في ظل تشابك شديد بين كل اقتصادات العالم والتداولات المالية المرتبطة بها، ليكون العام 2020 أكثر الأعوام صعوبة منذ زمنٍ طويل. ويزيد من حد المشكلة بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي الأوّل في أميركا، أن العام الحالي عام انتخابي، أي أنّ كل خطوة، مهما كانت تفصيلية في معالجة الاقتصاد، سيكون لها ثمنٌ انتخابي أكيد. في العادة، يكثر المرشحون الرئاسيون من المواقف الشعبوية والجماهيرية والوعود الاقتصادية الانتخابية خلال العام الانتخابي، لكن ترامب الذي يتضمّن أداؤه، كما غيره، الكثير من الوعود، لا يبدو أنه مرتاح في مسار الحملة الانتخابية، مع تلقيه تأثيرات سلبية من مسار الاقتصاد العالمي في بلاده، ولا سيما ما حدث أخيراً في سوق النفط من تراجع حاد جداً في أسعاره، وصولاً إلى 22 دولاراً أميركياً للبرميل، الأمر الذي عطّل إنتاج النفط الصخري في أميركا، وزاد الأعباء الاقتصادية على كاهل ترامب، مع توقّف عشرات الآلاف عن العمل جراء ذلك. لقد تراجع معدل النمو في الاقتصاد العالمي إلى نحو 3% في العام 2019، متراجعاً عن 3.7% في العام 2018، و3.8% في العام 2017. وكان لتراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي وزيادة حدة الحواجز التجارية الأثر الأكبر في تراجع معدل نمو التجارة الدولية، ليصل إلى 1% خلال النصف الأول من العام 2019، وهو أبطأ معدل تشهده التجارة الدولية منذ العام 2012، وذلك بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي في تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي في نهاية العام 2019. وعلى الرغم من محاولات الاتفاق الصيني-الأميركي لإنهاء أزمة الرسوم التجارية بين البلدين، فإن شبح الأزمة المالية العالمية لا يزال يخيّم على الاقتصاد العالمي هذا العام، في ظل التداعيات السلبية لارتفاع أزمة المديونية العالمية، التي توقع لها معهد التمويل الدولي أن تقفز إلى 255 تريليون دولار في نهاية العام 2019، بما يزيد على نسبة 3 أضعاف الناتج المحلي العالمي. وهذه المديونية تشمل مديونية الحكومات والشركات والأسر. لقد وقع العالم في شرك المديونية، دولاً وشركاتٍ وأفراداً.

لم يتوقّف الانكماش على أميركا أو أوروبا أو الدول الأقل نمواً، لكنه طال الصين أيضاً، التي واجهت مستوى منخفضاً من النمو مقارنة مع الصعود الهائل الذي شهدته خلال السنوات الماضية، ومع التوقعات باستقرار هذا المستوى عند حده الحالي للفترة القريبة المقبلة، قبل أن تنفجر أزمة فيروس كورونا وتخلط أوراق كل دول العالم,إن دخول أزمة فيروس كورونا على خطّ أزمات الاقتصاد العالمي زاد من حدتها ومخاطرها، وأدخل العالم في أجواءٍ قاتمة، لكنها لا تزال ناراً غير ملموسة الأثر بشكل حقيقي، بسبب وقوعها في ظل نارٍ أكبر وأكثر خطورة، وهي خطر الموت الذي يتهدد ملايين البشر جراء انتشار الوباء القاتل. إن خطر الأزمة الاقتصادية الهائلة المنتظرة مع انتهاء أزمة كورونا لا يزال مؤجلاً أمام هول الخطر الداهم والأهم والأكثر هجوميةً وشراسة وآنية، وهو خطر لم يجر التفكير فيه بشكل عميق لناحية حجمه الحقيقي وأثره المتوقع، لكن رأياً متعاظماً حول العالم ينتهي إلى توقع تغيّر صورة العالم اقتصادياً بعد انتهاء موجة هذا الفيروس وفي الأسبوع الأول من آذار/مارس، صدرت دراسة تحليلية عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، وجدت أنّ الصدمة التي تتسبّب بها كورونا ستؤدي إلى ركود في بعض الدول، وستخفض النمو السنوي العالمي هذا العام إلى أقل من 2.5%. وفي أسوأ السيناريوهات، قد نشهد عجزاً في الدخل العالمي بقيمة تريليوني دولار ودعت الدراسة إلى وضع سياسات منسّقة بين دول العالم لتجنّب انهيار الاقتصاد العالمي، مع توقع تكلفة بنحو تريليون دولار كنتيجة للتباطؤ الاقتصادي الذي ساهم فيروس كورونا في إثقاله وزيادة بطئه لكن توقعات أخرى من واحد من أكبر بنوك أميركا، وهو “غولدمان ساكس”، تحدثت عن انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي على مستوى العالم حوالى 1% في العام 2020، وهو ما يفوق معدل التراجع الاقتصادي الذي تسببت به الأزمة المالية العالمية في العام 2008.

وتوقّع البنك الكبير في منتصف آذار/مارس أن تضع سبل مواجهة أزمة كورونا قيوداً مادية على النشاط الاقتصادي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ ما بعد الحرب العالمية الثانية لقد تأثر الاقتصاد العالمي بحالة الإقفال شبه التام في الكثير من دول العالم، وتحديداً ما أظهرته بيانات تراجع النشاط الصناعي في الصين بأكبر وتيرة في نحو 3 عقود خلال أول شهرين من العام الحالي، بعد الشلل الذي سببه فيروس كورونا المستجد لثاني أكبر اقتصاد عالمياً.

وتتلاقى التوقعات السلبية لكل من “الأونكتاد” (أمم متحدة) و”غولدمان ساكس” (مصرف خاص) مع توقعات أكثر سوداوية لـ”فورين بوليسي”، المجلة العالمية الرصينة، التي تقول إن الاقتصاد العالمي دخل في حالة من الركود الشديد، وأن الانكماش سيكون مفاجئاً وحاداً بسبب تفشي كورونا، متوقعة أن تكون الآثار مؤثرة لعقود قادمة وتضيف إلى هذه التوقعات، أن لا يكون من السهل إعادة تشغيل اقتصاد عالمي حديث مترابط بعد انتهاء الأزمة، وأن تعافي الاقتصاد سيبدأ عندما يستطيع مسؤولو الصحة أن يؤكدوا للناس أنه تم احتواء الفيروس، وأن الحصانة من المرض الذي يسبّبه ازدادت، مؤكدة أن التعافي لن يكون فورياً، بل سيكون سريعاً.

اللافت في توقعات “فورين بوليسي” تحديداً كان حديثها عن تغيّر “تضاريس الاقتصاد العالمي” بعد أزمة كورونا، وأنها سوف “تسرّع عملية إزالة العولمة، وإلغاء التقارب، وإعادة تعريف الإنتاج والاستهلاك في جميع أنحاء العالم وتقود هذه التوقّعات إلى ترقّب تغيرات نظامية تدخل إلى منظومة الاقتصاد العالمي، وليس مجرد تغيرات سلّمية في مراتب القوى الكبرى في المنظومة القديمة نفسها نحن نتحدث في هذا المجال عن عالمٍ مختلف اقتصادياً، يعيد الاعتبار إلى الإنتاج الوطني في مقابل الأنماط الموحّدة عالمياً، بل يعيد الاعتبار للإنتاج نفسه على حساب التداول الرقمي المنفصل عن الإنتاج. ردّة إلى الاقتصاد الحقيقي، إذا جاز التعبير، واستكمال للنزعة الحمائية المستمرة في السنوات القليلة الماضية , أما من ناحية التأثيرات السياسية لهذا التغير البنيوي المتوقع، فإن دوراً أكبر منتظراً للدولة في الاقتصاد، وخصوصاً في القطاعات الحيوية، كالطبابة وأسواق المال إن واحداً من أكبر الدروس المستفادة من أزمة كورونا سيتعلّق بالأنظمة الصحية في دول العالم، مع ثبوت تفوّق الأنظمة الصحية التي تؤدي الدول فيها دوراً أساسياً في القطاع الصحي لناحية الملكية أو الإدارة، على الأنظمة التي سلّمت صحة مواطنيها للشركات الكبرى من القطاع الخاص، والتي خافت في ظل الأزمة الحالية على أرباحها، لتنهار النظم، ويُلقى الناس في ممرات المستشفيات.إنها عودة للدولة وعودة للاقتصاد ليخدم الناس الكثر، العوام، لا الأقليات الأوليغارشية. ربما هي استفاقة ليست صحية فحسب، بل أيضاً اقتصادية إلى الدرجة التي وصل إليها العالم من الافتراض والانفصال عن حقائق علم الاقتصاد الكلاسيكية ولقد شهدت الأزمة مقاربتين متناقضتين: مقاربة أميركية تعلي شأن الاقتصاد على الإنسان، ومقاربة صينية خرجت بها الصين من الأزمة، تعلي شأن الإنسان على الاقتصاد لقد كان معبراً ومؤثراً رد حاكم ولاية نيويورك، أندريو كوومو، على مواقف الرئيس الأميركي الداعية إلى استئناف العمل من أجل الاقتصاد، حين قال: “لا تجوز المفاضلة بين الاقتصاد والأرواح”