تساؤلات ، لا بد وانها خامرت كل من سكن وادي الرافدين ،الذين في طريقهما الى الجفاف والانقراض ، حتى صارت حفرة من حفر (الِسْ في بلاد العجائب) ، تساؤلات عن سر مصائبنا وتناحرنا ، عن سبب تسلط الطغاة علينا ، عن بيئتنا المحتضرة ، والحر والغبار ، وابتلائنا بساسة (ديموقراطيين جدا) وكسالى (ان احسنت الظن بهم) ،لا هم لهم سوى سرقتنا !.
المغامرة وتسلق الصعاب ليست من شيمنا ، بل الأنكفاء والتقوقع والتسليم بالأمر الواقع ،والرضا بالضيم ،وكأنه نهج نبحث عنه! ،أما المغامرة فهي مفتاح البحث وامتلاك ناصية العلم ، ولا بحث دون مخاطر ، هل هو التنظير السلبي للدين ؟ لا على العكس ، ولكن يظهر لك من يقول ( ولا ترموا بأيديكم الى التهلكة) .
اذا حاق بك ظلم ما (وما اكثره في وادي الرافدين) ، اذا ضاع حقك بين دكتاتورية العهد القديم والجديد ، اذا سرقك لصوص السلطة ، اذا صادر الازلام حريتك ، تجد من يواسيك قائلا (أصبر، الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) ، ويا له من سلاح طالما شهره بوجهك وعاظ السلاطين الذين لا هم لهم سوى رضوخك ، ولكن الله وعد المحسنين (فلنحيينه حياة طيبة) .
غاب عن نظرهم ان (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف) ، و(أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).
انظر الى الغرب ، وسحناتهم التي تنبض بالحياة ، الى بيئتهم الخضراء ، وسمائهم الزرقاء ، انظر الى حضاراتهم الحديثة ، التي لا تمتد الى ألاف السنين كحضاراتنا برموزها وآثارها الهائلة التي قامت على القهر والسخرة والعبودية ، انظر الى تعاونهم واحترامهم للانسان ووضعوا حتى للحيوان حقوقا ، وحقوق انساننا ، تـُخرقْ بمجرد (جرة قلم ) بيد طغاتنا ، انظر الى اعتزازهم ووطنيتهم فعلا لا قولا فقط مثلنا ، والسر ان الشخص المناسب لديهم في المكان المناسب لديهم ، وتجد من يقول انهم كفار فاسدين! ، وستجد من يبرر (ونمدهم في ظغيانهم يعمهون) .
فمن الكافر فعلا ؟ ، احد (المؤمنين من سود الجباه) بحزامه الناسف ، او سليل الكلاب (كالكلباني والعريفي) ، ام (كافر) يتسلق جبلا ليعيد فرخ نسر سقط من عشه ؟ ، هل ان المسميات هي شغلنا الشاغل دون المحتوى الفعلي ؟
انظر الى سحناتنا ، لا اعتقد انها سوء التغذية (وان كانت متوفرة) ، فمنا (سود الجباه) ، او انه مجرد (مكياج) دائمي نضعه حتى بدون سجدة واحدة ! ، لانها صارت صكا في هذا الزمن الاغبر .
من اذاق الامام علي (ع) ، المر ، وملأ قلبه الهائل قيحا سوى (سود الجباه) ، وكانت نهايته على ايديهم !.
لا نكل عن الدعاء (ربنا لا تسلط علينا من لا يرحمنا ) ، وكل من تسلط علينا لا يرحمنا ، يقتلنا ويسرقنا بلا كلل ، والسر ( كيفما تكونوا يولّ عليكم ) ، فالسلطان الجائر هو الجزء المظلم الكالح فينا .
الدين عند الغرب هو الضمير ، هو النزاهة ، واحترام الانسان ، وحب العمل ، والدين لدينا ايات وسنن نلهج بها على السنتنا دون ادمغتنا ، والا كيف نستبيح الدماء باسم الدين ، كيف لم تصقلنا اخلاق اهل البيت (ع) اعظم المصلحين على طول التاريخ ، الذين نذوب بهم حبا عاطفيا ولكن لا عقلانيا .
انسانهم تحدى الفيضانات ، وروض الزلازل ، يحترم البيئة ، ركب على متن الريح ، ونحن تركنا الصحراء تسعى حثيثا لابتلاعنا ، وها نحن نتهيأ لاستقبالها ، فقد تركنا أخلاق الحضارات وتحلينا بأخلاق الصحراء ، وأن الاوان ان نعود اليها !.