عادات وتقاليد أم ازدواجية ونفاق؟
يتفق العراقيون على رفض الفساد ومحاربته، وتصدح حناجرهم ليلاً ونهارا بذلك، بل لاتكاد تخلو جلسة من مجالسهم، من الحديث والنقاش في هذا الموضوع، لكن الغريب في الأمر، إنهم ومن دون شعوب العالم الأخرى، يعدون الشعب الأكثر فساداً!
قد لايتقبل العراقي هذه الحقيقة، فيقوم بتأويلها ومن ثم تفكيكها، عن طريق حجج طائفية أو مذهبية أو عشائرية، ليبرر فعلته، مثلاً تجد العراقي بحديثه يبغض الموروثات العشائرية، لكنه يشارك في معارك طاحنة بين عشيرته وعشيرة أخرى، إذا ما حدثت أيّ مشكلة بينهما وهو يفتخر بذلك، ولا يرى أيّ تناقض فيما فعله هذا، ومناداته برفض الفساد والقتل، ويبرر ذلك فيرجعه لموروث قبلي!
من جانب آخر نرى من يدعي التدين والورع، وبعض من المنشدين الدينيين، يصعدون المنبر، فتفيض أفواههم بالمواعظ والحكم والدعوة إلى الباري عز وجل، فترى الناس من حولهم مبهورين بكلامهم، ويلومون أنفسهم، أين نحن من هذا الإنسان! لكن ما إن تحدث حادثة في البلدة أو العشيرة، حتى نرى بعض من هؤلاء الخطباء أو المنشدين، قد حملوا أسلحتهم على أكتافهم لقتال إخوتهم في الدين والوطن، ونسوا كل مواعظهم المبهرة، ونسوا ((إن أكرمكم عند الله أتقاكم))!
عندما تذكر أسم لسياسي عراقي، أو السياسة بصورة عامة، أمام المواطن العراقي، فتشعر إنك فتحت باب جهنم على نفسك، حيث تبدأ الشتائم تنهال على السياسية وسياسيوها، وعندما تسأل لماذا كل هذا التحامل على السياسيين؟ يأتي الجواب إنهم سبب كل هذا الخراب، الذي نعيشه فهم فاسدون ومفسدون، ولايجب أن تذكرهم إلا بسوء، فيتضح لك وللوهلة الأولى، أن هذا المجتمع ينبذ كل فاسد وسارق، وإنه قد وصل لمرحلة الصلاح؛ التي تؤسس لدولة متطورة ببنيانها وإنسانها.
يبغض المواطن العراقي، الفساد الإداري بكل مسمياته، لكن عندما يذهب لدائرة من دوائر الدولة، تجده يتلفت يمنة ويسرى بحثاً عن أحدٌ من معارفه؛ لينجز له معاملته من دون الوقوف في طوابير المراجعين، فهو بالأمس ينتقد هذا الفعل، لكن اليوم يعتبره تكريما له ولمنزلته، فهو يشكر الموظف الذي أنجز معاملته من دون الانتظار، كبقية المراجعين الآخرين.
عندما أعلن آية الله الشيخ بشير النجفي، موقفا محددا وواضحاً بشأن الانتخابات، ودعوته الناخبين لعدم انتخاب الفاسدين مجدداً؛ بسبب حجم الفشل والخراب الذي حل بالعراق، سرعان ما عاد المواطنون وانتخبوا الفاشلين من جديد، الغريب في القضية أن هؤلاء مدعو محاربة الفساد، شنوا الهجمات على الشيخ النجفي، وكأنه دعا لانتخاب الفاسد وليس العكس، منطقياً هذا الرجل الذي حارب الفساد وقال كلمته، يجب أن يدعم من كل عدو للفساد، فلماذا كل هذا التهجم عليه؟!
هذه الأمثلة توضح أحد أمرين، عن هذه النماذج من المجتمع العراقي، الأول: قد يرجع ذلك لازدواجية الفرد العراقي، والتي سببتها عوامل كثيرة، منها المزج بين البادية والمدينة، أو الحظر المفروض على الشعب منذ عقود؛ فهو لم يتعود الديمقراطية والحرية، الثاني: النفاق المجتمعي، والمصالح الشخصية، فكيف لمجتمع أن يطالب بالصالح وينتخب الفاسد؟