المجتمعات تنضح بما فيها , ويمكن ترويضها ومصادرة إرادتها , وتسخيرها لكي تقضي على وجودها , ولهذه الإقترابات آليات معروفة منذ الأزل وقد تطورت وتعقدت مع تواصل إبداعات البشر.
وبعض المجتمعات تستجمع إرادتها وتتوحد حول رايتها ومنطلقاتها وتدرك مصالحها المشتركة , وتتمسك بثوابت وطنية وسلوكية لا يُسمح بتجاوزها والقفز عليها , وهناك مجتمعات تستلطف التبعية والخنوع وتقبع في كينونات إتلافية تدميرية تأخذها إليها وتحشرها فيها ضلالات وتصورات بهتانية فتاكة.
والمجتمعات الخانعة القابعة لا يمكنها أن تنطق كلمة ” أريد” , لأنها بلا إرادة , وعليها أن تتبع وحسب , ويتم رهنها بما يوجب الخنوع ويؤكد التبعية , كالمذهبية والطائفية , والإيمان المطلق بالفتاوى والرؤى التدميرية , التي يأخذها إليها ذوي العاهات النفسية والتفاعلات الشريرة العدوانية المحقونة بالكراهيات والسموم البغضاوية.
ومن الواضح أنها مجتمعات تأتمر بمن يسمون أنفسهم كما يحلو لهم من التوصيفات , التي تضفي عليهم القداسة والرفعة والهيبة , وتدفع بالناس إلى التبرك بهم والإستجابة لدعواتهم أيا كانت خطورتها ومناهجها , والإصابة بالفشل العقلي والنفسي والفكري , فلا يجرؤون على السؤال عن هل ينطبق ما يأتون به هؤلاء عليهم أيضا.
فالواقع المأساوي يشير إلى أن الآمرين يريدون من الناس المساكين العمل وفقا لما يقولونه لهم , ولا يعملون مثلما يعملون , لأنهم المنزهون الأصفياء الأكارم الذين لهم الحياة بوجهيها.
وهذا سلوك خداعي لتسويق الأضاليل وإستعباد الناس وتدمير وجودهم , والأخذ بهم إلى ميادين سقر وهم لا يشعرون , وعندما تتحقق حالة مجتمعية كهذه , فأن الناس ستعيش في منظومة قهرية حرمانية , لكنها تستلطفها ولا تثور عليها , لأنها ستجد نفسها محكومة بفتاوى ودعوات تسمى دينية أو طائفية أو مذهبية , وغيرها من المصطلحات القابضة على مصيرهم.
ولهذا عندما يتساءل البعض عن غياب الثورة والقدرة على تغيير الواقع المهين في هذه المجتمعات , يغفلون أن الناس صارت عبيدا وممتلكات للذين صادروا مصيرهم وتحكموا بوجودهم بالفتاوى , وما أدراك ماهي.
فالمجتمعات المحكومة بالفتاوى لا خير يرتجى منها , ولا مستقبل عندها سوى التلهي باللطم وذرف دموع التماسيح على وجنات أيامها السوداء!!
فهل ستستفيق وتؤمن بالتغيير وتنجزه مثل غيرها من شعوب الدنيا الغيورة على أوطانها وحياتها؟!!