كان صائما وكلف بكتابة مقالة عن الأوضاع التي تجري في بلاده، تناول الحاسوب واخذ ينقر بهدوء، سب الشيعة وسفه معتقداتهم في ادارة الدولة، تناول تجربتهم بالحكم، ولاحظ انها قصيرة لا تتحمل الكثير من الكلام، فاكتفى انهم لا يملكون الحزم، وليس باستطاعتهم ان يبسطوا الامن نتيجة الفساد المستشري بين صفوفهم، وعدم امتلاكهم لبرنامج واضح يعنى بالأمن والاقتصاد، وحتى الدين، لان المؤمن لديهم لا يتورع عن السرقة حتى في شهر رمضان، وعقب اعني السياسيين، حاول ان يستحضر أدبياتهم في قضية الغفران وصكوكها، وكذلك المفاتيح التي تفتح أبواب الجنة، وأدبيات أخرى لها مساس بالعقيدة، ولكنه أشفق على نفسه من الخوض في هذا التيار الجارف وبالتالي فان المقالة لا تستوعب جميع الأفكار التي تتضارب في رأسه، وهو بعد ذلك قد اشتاق إلى النوم ليقضي النهار ويصحو على صوت الأذان، عرج سريعا على السنة وسبهم وسفه عقائدهم، فحكامهم دائما جبابرة منذ معاوية إلى صدام، يتشابهون في تقريب أقاربهم، واستدرك وحتى قبل معاوية، دائما يتصورون البلد الذي يحكمونه يصبح ملكا لهم فيوزعون ثرواته والمناصب فيه على أقاربهم، وعزى نجاحهم في الحكم لقسوة القلب التي يتميزون بها ومنطق الفتك بالآخر المعارض.لم يكن الحجاج مثالهم الأخير فهناك الكثير الكثير من الجبابرة، حكموا الناس بالحديد والنار على مر التاريخ، حتى سبي النساء كانت بدعة كبيرة من ضمن ما ابتدعوه، فالله لم يقل ان تمتلك الآلاف من النساء، البطش والتسلط يتوفر حتى لدى اعدل حكامهم، ثم عرج على المسيح، وعقب صحيح أن أدبياتهم تدعو إلى التسامح ونبيهم رائع كنسمة تمر على الآخرين، لكنهم في النهاية يقفون على رأس العالم ومن الممكن أن تكون مشاكله من تحت رؤوسهم، وهم في هذه البلدان أقليات وبالتالي لا يمكن أن نحكم بأنهم مسالمون، ربما يكونوا خائفين، وربما لو كانوا أكثرية لفعلوا ما يريدون، اندفع باتجاه الأقليات الأخرى وسفهها تماما، وسخر من عقائدها غير المعقولة، فاقلية تعبد الشيطان، وما أدراني أنهم يعبدون الشيطان، فهم يتكتمون على عقيدتهم، وان يكن، اعبدوا ما تشاؤون، حاول ان يخوض في عقيدة الإيزيديين، لكنه لا يمتلك الكثير لان هؤلاء الذين ينتمون الى هذه الأديان يتكتمون على عقائدهم، الشبك والصابئة، واديان وطوائف أخرى، كالعلوية والنصيرية وأخرى قد اندثرت بفعل الاضطهاد الذي مورس عليها.
رأى نفسه قد اندفع بعيدا وهو لا يستطيع أن يمسك رأس الخيط ليواصل الكتابة، تاه تماما وضيع الكثير مما كان يضطرب في رأسه، أحس انه قد سلك طريقا آخر وتوغل كثيرا، وابتعد عن الهدف الرئيس، تناول الجميع بالنقد والتجريح، وانه من الممكن أن يكون قد اخطأ بحق البعض منهم، نعم لقد أخطأت، عليّ أن اقرأ عن الجميع لأتكلم عنهم بثقة، لكنه عاد مستغربا من كثرة الطوائف وكيف تسنى لها أن تكون بهذا الكم الهائل أمام حياة محدودة لأنبياء قد جاؤوا ورحلوا سريعا، منهم من امتلك كتابا وآخرين اكتفوا بالصحائف، وكأنهم كتاب قصة قصيرة لا يتحملون الخوض في رواية متشعبة ولا يمتلكون الصبر على الشخوص التي يخلقونها في العمل الروائي، أبدى استغرابه لكثرة المؤلفات على حياة قصيرة كحياة الأنبياء، مؤلفات بالأطنان، هل من الممكن أن يكون هذا منطقيا، آلاف الوصايا والأحاديث والكتب، في حين أن اكبر روائي لا يستطيع أن يؤلف أكثر من خمس أو ست روايات، بل قل عشرة، ولا تستطيع أن تجد من بين هذه العشرة شيئا مختلفا كثيرا، ربما رواية واحدة أو ربما اثنتين، أما الباقي فاغلب ظني انه سيكون معادا مكررا ، عرج مباشرة على السياسيين السنة وسبهم، ومن ثم تناول السياسيين الشيعة وسبهم، وثلث بالكرد ثم بالمسيح، نظر نظرة خاطفة إلى مفاتيح الحاسوب، شاهد مفتاح المسح ” delete” تأمله بروية بادىء الأمر ثم سرعان ما ضغطه ليمسح كل شيء، ذهب الى رئيس التحرير، اعتذر له عن كتابة المقالة، غادر مبنى الصحيفة إلى الشارع، سحب سيكارة وضعها بين شفتيه وجاهر بالإفطار.