بات في حكم المؤكد ان مجالس المحافظات باجمعها لم تكن موفقة في الإتيان بالجديد إلى المحافظات ، بل ان ما حدث هو العكس ، حيث جرت هذه المجالس المحافظات إلى الوراء وأتت حتى على ما كان يمت للتطور بصلة ، وبهذا كانت عامل أعاقة لا عامل تقدم ، والأسباب يمكن إدراجها على النحو التالي .
1…لقد كانت هذه المجالس تمثل بأعلى أشكال التمثيل الكتل السياسية الحاكمة ، والتي كانت سببا واضحا في تعطيل الحكومة الاتحادية ، وهي ذات الكتل التي عطلت دور مجالس المحافظات .
2…نتيجة لما ورد في اولا ، فإن هذه المجالس طيلة الدورات الثلاثة الماضية وطيلة فترة التمديد ، كانت منابر للمناكفة والمعاكسة والمشاكسة بين ممثلي الكتل المختلفة ، مما تسبب في أبعادها عن دورها الاداري المطلوب وحولها إلى إدارات سياسية لا تنتج غير التراجع عن الأدوار المرجوة لها.
3…لم يوفق الناخب ونتيجة لتأثير الكتل السياسية في انتخاب من هو أهل للإدارة او من هو أهل للقيادة ، إذ لم يأخذ الناخب بعين الاعتبار مسألة المؤهل والكفاءة المطلوبتان في اي عضو من الأعضاء المنتخبين لهذه المجالس.
4…اضافة إلى ما تقدم في ثالثا ، فإن الولاء العشائري والعائلي والشخصي كان لكل منها تأثير مباشر في الاختيار ، وبذلك تحول الصراع من صراع برامج وسياسات الى صراع عشائر وارادات .
5…لم تكن الكتل السياسية او الاحزاب العاملة على الساحة مدارس لتخريج الإداريين والفنيين ، بل كانت ولا زالت أحزاب تمسك بالسلطة وتقف عندها مسلوبة القدرة على الإنتاج ، بل وتقف تدير رأسها ذارة ذات اليمين وتارة ذات الشمال حائرة بين نزوعها الهاوي للسلطة وبين قدرتها على ادارة هذه السلطة ، والحال انعكس هذا على الاداء الحكومي لمجالس المحافظات.
6…لم تتفق المجالس على اختلاف محافظاتها على منهج واضح وعلى ادارة واضحة وكانت تختلف في كل شئ حتى في اختيار اامحافظين ، فتارة تنتخب هذا المحافظ وتستبدله تارة أخرى ، وتارة يكون للمحافظة محافظين ، مما اثقل كاهل الدولة وابعدها عن اداء ادوارها الخدمية والانتاتجية.
7…كان نتيجة لاختلاف الاهداف ان اختلفت الوسائل وأصبحت الاختلافات مولدة للحروب الصامتة او العلنية ، فتارة تنشأ الحروب للاستيلاء على عقارات الدولة او الاراضي الاميرية او الاختلاف الشديد على المناصب الو المكاسب ، وكلها عوامل ابعدت المجالس عن جوهر عملها الاداري الحكومي البحت والذي مؤداه تقديم المنفعة والخدمة للمواطن في المحافظة .
8…كان لانتشار الفساد بشقيه الإداري والمالي ،في عموم دوائر الدولة أن انسحب بكل اوزاره الى ثنايا المجالس وحول الاختلاف فيها إلى صراع مصالح ونزوع نحو التكاتف للحصول على أعلى المكاسب المادية متجاوزين القوانين وأنظمة الصرف الحكومية ، وصار التكتل في احيان كثيرة يقوم على وحدة المصالح لا وحدة الاحزاب والكتل ، بل وقد كان الفساد عامل لحركة زئبقية للكثير من الاعضاء وبات الانتقال من حزب الى آخر ظاهرة أضرت بالعمل الرسمي الحكومي .
ان هدف المشرع كان لتنفيذ ما ورد في الفقرة الثانية من المادة 122 من الدستور ، والتي مفادها ، منح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة بما يمكنها من ادارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الادارية وينظم ذلك بقانون. ولم يشر المشرع إلى أي واجب سياسي ، اي ان عمل مجالس المحافظات عمل اداري يقوم على تقديم الخدمات الصحية والتعليمية وأمور البلدية وهندسة العمران وبناء المدن واعمار الا قضية والنواحي ومنح القرى فرص التقدم والعمل على توسعة الأراضي الزراعية وتطويع الصحاري ومعالجة أمور الا نهر والبحيرات والترع وتسهيل عمل دوائر الدولة الاخرى في المحافظة ، ولم يشر المشرع لا قريب ولا من بعيد إلى اي نشاط سياسي لمجلس المحافظة ، غير ان ما حصل طيلة عمر هذه المجالس انها كانت مجالس لاهية بالسياسة ، ومغالية في سؤ استخدام المناصب ، وتحول الأعضاء إلى حكام دول لا مسؤولي محافظات ، وصاروا يسيرون في مواكب تحيطهم الحمايات والحبابيب ، وبالغوا في الظهور الاعلامي واغرتهم الأضواء وضاعوا وأضاعوا معهم المحافظات ، تقدموا هم في المظاهر وتأخرت المحافظات في المضامين ، وصار عضو المجلس عالة على العالمين….