31 ديسمبر، 2024 2:24 ص

الإستجداء، ليس رديفاً للفقر، ولايمكن أن نقيس المستوى المعيشي لأي شعب، على أساس نسبة الذين يمارسون الشحاذة في المجتمع، فهو إستعداد سلوكي لطلب الإحسان من الناس، من خلال ممارسة مهنة التأثير العاطفي لديهم، سواء بالهيئة، أو الكلمة، أو الإعاقة، حقيقة كانت أو مفتعلة، أو عرض مأساوي لأطفال مشردين، ربما هناك حاجات ملحة للبعض تضطرهم الى ” الكدية”، لكنهم إستثناء من قاعدة العموم، التي تمثل مؤسسة إحترافية، لها توزيعها المكاني، والزماني، والتنظيمي أيضاً، لذا جاء الشرع مادحاً للمتعففين الذين لايسألون الناس، في الوقت الذي ألزم المجتمع بكفالة المعوزين، ورتب عليه مسؤولية إيمانية لإعانتهم الى حد نفيه الإيمان على من بات شبعان وجاره جائع.
توسع مفهوم الفقر، ليتجاوز حدود الحرمان من لقمة العيش، الى كل ما يتعلق يالحاجات التي تتطلبها الحياة العصرية، الى جانب المستلزمات الأساسية من سكن، وخدمات صحية، وكهرباء، وماء، لذا فالمفهوم المتقدم، ممكن أن يكون عنوان الفقر عند زيد من الناس أنه لايملك وظيفة، أو سحب مولدة على الخط الذهبي، أوموبايلاً، أو حاسوباً، أو لعله يشعر بالقهر، إزاء مقارنات مع أقرانه، تخلق في داخله حالة من الحقد الطبقي المكبوت، والذي ربما يتحول الى صراع معلن.
من هنا، ينبغي أن نفك الإرتباط، بين ” الكدية”، والفقر، ونطالب الدولة، بمعناها المؤسسي، بملاحقة ” المتسولين”، ومعالجة الفقر، ولاسيما بعد إستشراء ظاهرة الشحاذة، في ظل غياب الرادع، الى حد ممارسة هذه ” المهنة” من العمالة الوافدة من الخارج، لذا لم يعد مستغرباً أن تسمع لهجات غير عراقية، أو لغات خليطة لطلب المساعدة، فيما نحتاج الى خطط كفيلة بتوفير فرص عمل للعاطلين، عبر تفعيل النشاط الإقتصادي للقطاع الخاص ووضع قوانين ضامنة للعاملين فيه، وعدم الإكتفاء بتقديم أرقام إحصائية لعدد الفقراء، أو نسب مئوية لمن هم دون مستوى خط الفقر.
صي من المتسربين من المدرسة، ويمارس” الكدية” في الباب المعظم ، سألني المساعدة، فأعطيته ألف دينار، فردها عليّ وقال لي : لاأقبل بأقل من 5 آلاف، سألته ولماذا تضع هذا الشرط ؟ .. فأجابني بكل صراحة، ومن دون خجل أو وجل : أريد أن أشتري موبايل آيفون !! .. وفاتني أن أسأله 6 أم 7 .