18 ديسمبر، 2024 7:40 م

مثلكم لا يجتمع على دولة سواء

مثلكم لا يجتمع على دولة سواء

ينبغي دائما الخوض في معطيات الواقع عند مواجهة التحديات والتطلع الى تجاوبات ممكنة التطبيق بعيدا عن الامال والتمنيات التي أسر اهل العراق انفسهم بها وظلوا يتشدقون بهويات متنوعة ومتفرعة علّها تجمعهم في خارطة تأسست على أسس دينية وعشائرية وقومية وكانت سببا في اغراق شخصية الفرد العراقي بالتنظير والتأويل والادلجة والازدواجية فحولته الى ادوات يمكن الاستحواذ عليها بكل سهولة وجعلها وسيلة يتناوب عليها دعاة السلطة فيتم تحريكها شعبويا داخليا وخارجيا لادامة تلك السلطات والتغطية على الخراب البنيوي المجتمعي الذي تفعله بالتقليد والانقياد والاتباع والفشل التام في بناء اول لبنة لدولة غير عقائدية تحتوي وتستوعب الافراد بالحقوق والواجبات وضمن قوانين فاعلة صارمة قادرة على تأسيس نظام حكم لا مركزي تغادر به كل ذلك التأريخ السقيم وموروث موبوء عقيم كان على بلاد السواد والسخط اعظم البلاء.
لا الشعارات الزائفة ولا التحالفات الهشة ولا المؤتمرات المسيسة والمصالحة المجتمعية ولا المسيرات والاحتجاجات المليونية ولا الشعائر الدينية ولا الرموز المقدسة ولا الادلجة المستوردة ولا القيادات المبشره بالسلطة ولا المرجعيات الدينية قادرة على احداث انقلاب فكري سياسي في عملية تحريك النخب الفاعلة والراي العام باتجاة الاجتماع على منهج علمي وعملي على صراط مستقيم يتبعة عملية بناء وتأسيس كيان الدولة وتفعيل الياتها وادواتها من مؤسسات وقوانين ادارية تمكن الدولة من الخروج من كل التداعيات والتعبئة النمطية التي بنيت عليها الخارطة منذ التاسيس والى اليوم وما عاد بالامكان الاستدراك في العملية السياسية العقيمة التي اغرقت الجموع بافراط غير مسبوق في التحشيد الديني والسياسي والعشائري لتكون هذه المترادفات هي البديل عن سلطة الدولة؛ وقد كتب الدستور ليؤكد حقيقة المكونات المذهبية الشيعة والسنة والقومية العرب والاكراد والاقليات الاخرى وبالتالي اصبحت المعادلة مستحيلة بتوحيد تلك المكونات بأي نظام سياسي حتى لو كان ملائكيا ولا بأي مشروع يخرج من احزاب السلطة كالتسويات التاريخية والاغلبية والوطنية وما يتبعها من الفقاعات والهوامش ولذلك اخذ الجميع يدرك هوة الفشل والتخبط الذي تراتب على ديمقراطية خاوية من محتواها عبثية في تطبيقها فتحرك الخطاب باتجاه اخر من التداعي والنكوص ليشيع حالة من الرعب والخوف من مرحلة قادمة بعد عمليات التحرير اشد واخطر من المرحلة الراهنة وصفت بالنفق المظلم وتعويم الفوضى والاحتراب في شمولية سلطوية لا تملك اليوم اي خطط تنموية حقيقية ولا رؤى فكرية منهجية تمهد لتكوين قرارات استراتيجية تستوعب التفاعلات الاقليمية التي اصبح الخروج من عواقبها امرا مستحيلا بسبب التدخلات في المنظومات الامنية والاقتصادية والاعلامية والتي تمكنت من اختراق العراق من الوريد الى الوريد ناهيك عن تاسيسها اجندات وتبعيات تواليها عقائديا وسياسيا تظهر على المشهد السياسي بالخطابات التي تشغل الجمهور بمخططات خارجية تدار بادوات من داخل السلطة الحكومية ومن ثم تجيير معارك التحرير لحسابها لتكوين نواة لمشروع داخلي يديم التحشيد العسكري لمنظور غير محدود لئلا تظهر معارضة محورية مستقلة حتى وان كانت ضعيفة ومبعثرة وحتى يمكن تفتيت أي تيار يقف في الضد من توسعها بغض النظر عن مرجعيتة وقواعده الشعبية مدنية كانت ام اسلاموية وفي كل هذا المشهد المتازم تقف الحكومة واهنة في التفاعل مع الاحداث بالفعل وردة الفعل وبالضعف الخلاق فلا يمكن حل ازمة بشكل نهائي الا بافتعال ازمة اخرى ويبقى خط السكة يدور في هذه الحلقة بدون ان يحقق اي انجاز فعلي حتى وان كان على مستوى البناء السياسي .
منذ الاحتلال البريطاني والعراق لا يجري لمستقر له حتى وان كان ذلك نسبيا وقد كلفته المعارك التي خاضها خارج حدوده الشئ الكثير ليصبح في نهاية الامر بلدا مستضعفا غير قادرا على النهوض سياسيا واقتصاديا؛ مستكينا لا يقدر على النفوذ من تلك القوقعة ولا زال الحل غير منظور فلا يمكن جمع المكونات وهي على اساس طائفي تحت مشروع الفضاء الوطني ولا يمكن تسويق مشروع ديني بعد الفشل المدقع للاسلام السياسي وليس في المنظور البحث عن مخرج في الفضاء القومي خاصة بعد ما يسمى بالربيع العربي؛ ولا يمكن التعويل على التيارات المدنية والعلمانية فهي غير جاهزة ولا تملك ما يؤهلها الى ان تكون قوى فاعلة ومحورية في الوسط السياسي الا من خلال تحالفاتها مع الاسلام السياسي اما النخب التي تسمي نفسها بالنخب المثقفة الفاعله فهي غارقة في جدلياتها وامراض الانا والترفع عن الواقعية الاجتماعية؛ واحزاب السلطة قد اصبحت اقطاعيات تستنفذ الاقتصاد من خلال الهيئات التي ترتبط بها لادامة عروشها واكسسواراتها اضافة الى تبعياتها ومرجعياتها التي تشابهت علينا فاختلط الامر علينا بتبدل الوجوه والتجمعات التي تدعمها والشخصيات التي تمثلها؛ كما ان السلطة المرجعية مستمرة في الاستثمار في امبراطوريتها وتمددها لتشمل مشاريع خارج هالتها الدينية المقدسة وقد قررت الاعتزال عما كانت سببا في تاسيسه بعد ان بح صوتها وهذا تراجع واضح في الخطاب الذي اصبح يقتصر على النصح والانتقاد بعيدا عن المسميات وبالطبع هي لا تملك اي مشروع يمكن من خلالة النفوذ من اقطاب الصراعات المحورية التي جعلت الارض مرتعا وملعبا بدلا من ان تكون لاعبا مؤثرا في افق تلك المحاور . كل هذا الفراغ الفكري السياسي قد اتاح لمن يشاء ان يرسم الخرائط بما يرى من خلال نافذة يطل عليها لوحده بلا اليات واضحة وكأن الامر بيده ليفعل ما يشاء واخذت المسميات تنهال على القاموس السياسي بلا اي محددات فهناك من يقسم الشيعة الى شيعة العراق وشيعة ايران ويقسم السنة الى سنة العراق وسنة العرب ونحن نعلم ان المذهب الشيعي مذهب عالمي ولا يمكن احاطته بحدود اقليمية وكذلك المذهب السني فكلاهما يعبر الحدود ليرتبط بالعقيدة والمرجعية الدينية والسياسية على حد سواء وسوف يكون قيام كيانات تمثلها بمثابة حروب داخلية على السلطة يمكن الاستحواذ عليها بكل سهولة كمن يضع نفسة ملك يمين غيره .
المشكلة الرئيسية هي في الاصول وليس في الاحداث او الازمات التي ينجر اليها الكثير من الكتاب والمحللين والمتصدين للشأن السياسي وهذه بحد ذاتها ازمة عميقة تفقد اي عنصر للمبادرة وتبقى اسيرة الصراع على السلطة مرة بهذا الاتجاه ومرة بالاتجاه المعاكس؛ فليس المطلوب من الكاتب او الاخرين ان يجدوا حلا ستراتيجيا خارج نطاق الساحة السياسية وعليهم الاكتفاء بنقد الظواهر ولا سيما القواعد التي تأسست عليها الحكومات المتتابعة منذ 2003 والى اليوم وما تبعها من دمار وخراب على كافة المسارات؛ وحتى الولايات المتحدة تصرح اليوم بانها لم تاتي للعراق من اجل بناء الديمقراطية وانما من اجل الاطاحة بالنظام السابق وهذا يعني بانها تعرف تماما بان مشروع بناء العراق الجديد على يد الوافدين معها بمسميات المعارضة والجهاد من بلاد الغرب والشرق وهم لا يحملون معهم اي رؤية فكرية ومنهجية قد فشل؛ وانها كانت تتعامل مع شخصيات وليست مكونات ولم تسعى لتحويل الحكم الى الشيعة بقصد بل هي عملية تشاركية حسب النسب السكانية وقد اعترفت بذلك الفشل مرارا وتكرارا فالشخصيات الوافدة والتي ظهرت تباعا ليس لديها اي فكر قيادي لبناء الدولة العراقية وانما بناء الاقطاعيات والاموال ولم يتمكنوا من الاجتماع على مشروع عندما كانوا في لباس المعارضة فكيف يجتمعوا اليوم بما ملكوا من هذه السلطات؛ وهذا هو محور الازمة اليوم داخليا والتي ادخلت البلاد في ازمة اقليمية وهذا محور اخر وبالتالي لا يمكن التوصل الى اي خطة لمشروع ما لم يستقدم محور قوي من خارج ذلك المنظور ولعل التوجه اليوم قائم خلف الكواليس الدولية لهيكلة العملية السياسية برمتها والتهيوء لمشروع قادم يخفض مستوى النظام الديمقراطي بعد الاقتناع بعدم جدواه في بلدان الشرق الاوسط ولكنها لن تهادن هذه المرة السلطة الدينية لانها تعتقد انها تضعف من مستوى التخطيط الذي تريده وخاصة على المستوى الامني والعسكري؛ وبالتاكيد سيكون التعامل وفق المصالح الاستراتيجية للمحور الذي يلعب الدور العالمي في المنطقة وقد تكون هذه فرصة لمن يريد اغتنامها برؤية تكتيكية فيما لو تمكنت قوى فكرية نهضوية انقلابية من استقطاب ذلك المحور من اجل زحزحة عروش الاسياد والزعامات الذين لا يجتمعون الا على خراب العراق .