لا يوجد مجتمع في الدنيا يفتخر بالثريد مثلنا , فالتفاخر لا يكون بالعلم والعلماء والبارزين في ميادين الإبداع والإبتكار والتصنيع , وغيرها من أركان التواصل مع العصر , وإنما لسان حالنا يقول “الثريد فخرنا” , و”الولائم عزنا” , وذلك يمثل نوازع قبلية قديمة لا تتوافق وعصرنا.
فالمجتمعات اليوم تتفاخر بعلمائها ومبدعيها لا بولائمها وثريدها , فالتفاخر ليس بالبطون وإنما بالعقول وما تقدمه من أصيل.
إن التفاخر بملئ البطون تعبير عن التأخر والتأكيد على أن المجتمع لا يعيش عصره , وينحشر في خنادق التقهقر والإندحار.
كانت الناس قبل عدة قرون تغير على بعضها وتقتل لتأكل وتسلب لتعيش , وكان الكرم المقرون بتقديم الطعام من المفاخر والسلوكيات التي يتباهون بها , وبرز في مجتمعاتنا حاتم الطائي وغيره , وهذه الظاهرة ليست مقصورة على العرب في سوالف الأزمان.
وبعد أن تحقق الإستقرار والإهتمام بإنتاج الطعام , وإمتلأت البطون , إنطلقت العقول في إبتكاراتها وإختراعاتها وتصوراتها , التي نقلت البشرية إلى ما هي عليه اليوم من التقدم والإزدهار.
وما عاد الكرم إفتخارا وموضوعا للتباهي والتعبير عن القيم , فهو قيمة ليست ذات شأن كبير في هذا الزمان , لأن القيمة الحقيقية والفعلية عقلية إبداعية إبتكارية إقتصادية , وعلى العشائر أن تتباهى بعقول أبنائها ومنجزاتهم العلمية والمعرفية , وما يقدمونه لمجتمعهم من إضافات نوعية حضارية تلهم الأجيال , وتعزز القدرة والكرامة والمنعة المجتمعية ضد الأخطار والمداهمات والتفاعلات السلبية القاضية بالخسران.
وبما أن القوى الطامعة في البلاد والعباد تريده مجتمعا عشائريا مقسما , ليسهل عليها إستعباده والإستئثار بخيراته وطاقاته , فأن من الوطنية أن يكون كل شيخ عشيرة قائد , وأن يُسمى قائد العشيرة وليس شيخها , ومن واجباته القيادية العمل الجاد على تطوير العشيرة علميا وإقتصاديا , وتشجيعها على الإكتفاء الذاتي , والإستثمار الإيجابي في طاقات أبنائها , وبهذا يكون الوطن بعشائره أقوى واقدر على المواجهة والتحدي والإنتصار على أي عدوان.
فهل لنا بقادة عشائر يعززون المجد الوطني والإنساني , وبهم نكون ونرتقي؟!!
د-صادق السامرائي