قبل أعوام وتحديدا في عام 2009 كتبت مقالا بعنوان ” شحاذون أم بصاصون؟! ” أشرت فيه الى ان التعامل مع المتسولين ، الشحاذين ، المكادي ، سمهم ماشئت بحسن النية بمثابة خطأ قاتل وثمنه باهظ جدا ، وأستشهدت بشخص يدعى ابو الريش اتخذ له – عشة – امام مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت ، وكان عناصر المكتب يحنون عليه ويمزحون معه طيلة سنوات عادينه مجنونا متسولا يستحق العطف والصدقة ، ولكن وبعيد اجتياح القوات الأسرائيلية للعاصمة بيروت عام 1981 اختفى ابو الريش فجأة ليظهر مرتديا بزة عسكرية برتبة نقيب في الجيش الأسرائيلي كانت مهمته التجسس على مكتب المنظمة ومن ثم تدميره بعد الأستيلاء على وثائقه وملفاته ومصادرة محتوياته ذات السرية العالية التي عجلت بطرد المنظمات الفلسطينية من لبنان وقد ضجت الصحف اللبنانية بأبي الريش لكونه أكبر جاسوس – مكد – في الشرق الأوسط آنذاك ، ولم يختلف الحال مع المكدي الخمسيني الذي يحمل رتبة عقيد في مدينة الموصل حين كان يعمل جاسوسا لصالح اسرائيل بالقرب من القاعدة الجوية والذي كشف سرا أذاعته المحطة الاسرائيلية مفاده ، أن ” العراقيين قد وضعوا طائرات خشبية تحت أشجار القاعدة للتمويه على إسرائيل” .وبما أنني مغرم بقصص الطفيليين او العظامة وبأخبار المتسولين وحيلهم – 75 % من المجادي كلاوجية تديرهم عصابات منظمة اشبه مايكون بالعصابة التي تطرق اليها عادل امام في فيلمه الشهير (المتسول) إضافة الى جهات أمنية للتجسس على الجامعات والمعاهد والمساجد والأسواق ولطالما ظهر متسولون من لامكان في مكان ما ليشهد بعد اسابيع اغتيال او اختطاف او إعتقال عدد من شيبه وشبابه فجأة من دون التنبه الى دور المتسولين في هذه العمليات …المكادي إلا من رحم ربك هم أس البلاء وقد استشهدت بما كتب عنهم وعن نوادرهم وأحابيلهم واشرت الى ان بغداد قبيل سقوطها سنة 656 هـ على بد المغول شهدت انتشارا غير مسبوق للمجادي ليتبين لاحقا ان معظمهم انما كانون جواسيس للمغول يزودونهم بمواقع الجند والحرس والعسس ويطلعونهم على مواضع الضعف والقوة في أسوار بغداد ..وفور نشري للمقال اصدرت محافظة البصرة قرارا يقضي بمحاسبة المتسولين والنظر اليهم بعين الشك والريبة وبالأخص في الأماكن التي تكثر فيها السرقات والأغتيالات والعبوات اللاصقة ، لأن المتسول وكما اشرت في مقالي الآنف هو شخص بعيد عن الشكوك فلو جلس احدهم قبالة محل لصياغة الذهب او مكتب للصيرفة ، لأيام عدة فأن احدا لن يشك به حتى بعد اختطاف صاحب المحل وقتله بعد سرقة محتويات مكتبه ولو كنت ضابطا في مكافحة الأجرام فأن اول عمل اقوم به هو اعتقال جميع المتسولين في المنطقة القريبة لأن احدهم لامحالة هو الواشي او السارق او المشترك في الجريمة والحديث يصدق على بقية الحوادث ..نقطة راس سطر .. بعضهم متورطون بأختطاف الأطفال وتخديرهم واعاقتهم قسرا بغية الأستجداء بهم وآخرون بتجارة المخدرات وبيع الأعضاء والتفجيرات الإجرامية .ولكي لانظلم احدا فإن من المتسولين من يمارس المهنة عادة وتطبعا وحرفة ولا شأن له بما ذكرت وان كان – كلاوجيا – ايضا واحيط الجميع علما بأن الصدقة لاتحل لهؤلاء وانما تحل للذين لايسألون الناس إلحافا ممن تحسبهم اغنياء من التعفف واليد العليا خير من السفلى …ابحثوا عن المتعففين عن المهجرين عن الأيتام والأرامل والثكالى والمعوزين والعاطلين والفقراء والمساكين وعن المرضى المحتاجين يرحمكم الله ودعوا المكادي وشأنهم فأن وارد احدهم لايقل عن 75 الف دينار يوميا ان لم يكن اكثر !!!.اليوم بدت للعيان ظاهرة جديدة حرية بالدراسة والنقد ألا وهي ظاهرة ” المثقفين المكادي ” ممن تنحسر مهمتهم في حضور الندوات والمؤتمرات والمحاضرات وورش العمل ليس لغرض الأفادة العلمية او المشاركة الفعلية وتبادل الرؤى والأفكار والمقترحات والتوصيات والبحوث واثراء الندوة بما هو نافع وانما لتناول طعام الغداء او العشاء فقط + كتاب مشاركة + حقيبة وسيت اقلام وهدايا عينية = إستجداء بثياب المثقفينا على وزن الواعظينا كما في رائعة ، احمد شوقي، عن الثعلب الواعظ والسياسي الناسك ومااكثرهما في العراق السم قراطي .واضيف وان كنت لا أحبذ المصطلح لكثرة استهلاكه عراقيا لأغراض سياسية ” اجتثاث الظاهرة ” لأنها اصبحت عبئا على الفكر والثقافة والعرف والأخلاق الحميدة قبل ان تكون عبئا على اصحابها وأول الغيث يكمن بإلغاء كل اشكال الإهداء وتوزيع الطعام والشراب خلال الندوات والإكتفاء بالماء فقط – ومن البراد ايضا – فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر … حينها سترون ان المؤتمر الذي يحضره 1000 شخص لا دور لهم في اغناء محاوره سوى في تناول الطعام بأسم الأيتام والأرامل والنازحين والمشردين والمهجرين والمعتقلين لن يحضره اكثر من 100 شخص ولكن من الفاعلين حقيقة وليس – كدية -كما يفعل المثقفون الجدد في ايامنا . اودعناكم اغاتي