23 ديسمبر، 2024 9:25 ص

مثـلي تشهق النايات والتجلي الحسي للأفكار

مثـلي تشهق النايات والتجلي الحسي للأفكار

ضمن مسارات تجربته الشعرية ، تتخمر في جرار نصوصه الكثير من الأنساق الحياتية المعتقة … إنه الشاعر العراقي شاكر مجيد سيفو . وبعد ففي كل عمل إبداعي نوافذ كثيرة يطل منها المتلقي ، إلى الأفق الرحب ؛ ليتمتع بلذة المشاهدة الإدهاشية وديوان     ( مثلي تشهق النايات )(1) هو أحد الأعمال الإبداعية لسيفو ، ولعل ثيمة التجلي الحسي للأفكار يقع ضمن نافذة إدهاشية من نوافذ الديوان ،  بدءاً من بنية عنوانه الذي يشي بالقيمة الصوتية للشهيق ، إذا ما سلمنا بالمقولة النقدية المعروفة بـــــ ( المغالـــطة    القصدية ) فالشهيق هو علامة الحياة للإنسان ، وأن استعمال الشاعر للآلة الصوتية المعروفة( الناي ) دلالة على الأنين والحزن علماً أن هذه الآلة من الآلات الحزينة الشجية الصوت ولكي يزيد الشاعر من قيمة الحزن عنده ، عمد إلى قلب التشبيه ، وجعل هذه الآلة جمعاً وهذه النايات تشبهه في الشهيق ( النشيج ) والغاية منه تمتين العلاقة بين المشبه ( النايات ) والمشبه به ( الشاعر ) .  اتسمت قصائد الديوان بالرشاقة والخفة والتكثيف ضمن وحدات نثرية قصيرة ، تفصلها عن بعض ثلاث نجمات شكلت هذه الوحدات أقانيم الديوان (( كل هذه السنين / بأضراسها وأسنانها / جمعت أوجاعها / وأودعتها تحت سن العقل )) ص 3  فمن الملاحظ أن الصورة التي تأسست في نص سيفو هي صورة عجائبية ، تقوم على المفارقة المتلبسة فكرياً بالمحسوس ، ضمن الأنساق المشاهدة والمعاشة في الواقع المحلي ، وقد تجلى الألم المعنوي واندماجه بالحسي ، ضمن تقنية التورية في عبارة ( سن العقل ) التي لها معنيان الأول : قريب وهو سن العقل الموجود في الفك المشهور بألمه عند الخروج ، والآخر بعيد وهو         الــــ ( السن ) بمعنى العمر الناضج للإنسان الذي يكون فيه الألم محسوساً أكثر، وتأتي بنية الاستفهام المجازي التعجبي ؛ لنستجلي منها استدارة النص وتكوره ، باستعمال الأداة ( من ) المستفهم بها عن العاقل ( الريح تكنس ألقابهم / إذن من يطرد الريح من   المملكة ) ص 6 فالريح لها الفعل الحسي ( تكنس ) الذي يقع على المفعول به الفكري   ( ألقابهم ) كما أن لها صفة الخلود إذا ما انتهت الألقاب ، لكن ويبقى سؤال الذات      بـ ( من ) مبهماً عن الأقوى من الريح ، فهي علامة على المطلق المتحرك ، الذي يدخلنا إلى الوظيفة التنفيذية للزمن ( الريح ) في الكينونات الأخرى ( حين ملأت كفي / بخرز زرقاء من مسبحة أمي/ رأيت السماء قريبة من راسي ) ص 11 إذ جاء ظرف الزمان ( حين ) لتمتين العلاقة الجدلية بين الأم والسماء ، عن طريق اللون الأزرق لحبات خرز المسبحة الذي يضارع السماء ، ويضعنا الشاعر في معادلة التداخل ببنية التجنيس ( دائماً كنت أطل بقوس قزح / شعري / يقاسمني وحشتي / ووحشيتي ودادائيتي / وسورياليتي وسوريانيتي ) ص 15 فالصورة التي حققت الاستجابة ، تندغم على وفق مرجعيات ثقافية واجتماعية للشاعر ، جاعلاً الشعر قسيماً لها ، من خلال نزوع النص إلى البنية التجنيسية غير التامة ، أتقنها الشاعر بامتياز – وحشتي / وحشيتي – و – سورياليتي / سوريانيتي – ولعل الضبابية التي تحتاج إلى إعمال الفكر والتأمل تلف أحياناً نصوص المجموعة ، ولاسيما عندما يقرر الشاعر إلباس نصه ثياب الإمبراطور التي لا ترى !!! ( تسور عينيها / بأم سبع عيون /  من عيون الحساد / هذا المساء / سيكون عشاؤنا / حروف العلة / خوفاً من الحسد !! ) ص 23 فالشاعر يخترق أنظمة التفرد من خلال حقن النص بجرعات متغلغلة من الخوف من الآخر / الحاسد ؛ بـــــ ( تحصين ) العيون بإيقونة متعارف عليها شعبياً ( أم سبع عيون ) لكنه لا يطمئن لهذه التعويذة ؛ فيركن إلى عشاء صوتي حميمي تحققه أصوات العلة الثلاثة المعروفة ، ويجنح الشاعر إلى الكناية الكبرى ، التي يستدل منها المتلقي على صنف دم حبيبته ( صنف دمك المبارك / لا يحتاج إلى فحص مختبري/ لأنه كريم جداً / فالأصناف كلها ضيوفه ) ص 28 فالتداعيات العفوية العاطفية جاءت ضمن مدار غزلي مبتكر موكول بصفة علمية وهي ( الواهب العام ) لفصيلة الدم (o) . شاكر مجيد سيفو في هذا الديوان يجعل نصوصه ترتدي ذلك المعطف المندى بالحب والجمال .
(1) مثلي تشهق النايات ، شعر شاكر مجيد سيفو , المجلس القومي الآشوري شيكاغو ، 2006م .