تصريحات أميركية بدت غير واثقة على إمتداد السنوات الماضية عن عدم قدرة الجيش العراقي في مواجهة مع التنظيمات المتشددة والمجموعات المسلحة التي تهدف الى تقويض الجهود السياسية ومنع العراقيين من المضي في التجربة الديمقراطية التي عملت واشنطن على تنضيجها دون جدوى خاصة مع صعود نجم الجماعات المسلحة الممثلة بالفصائل الشيعية التي تولت مهمة الرد على تنظيم القاعدة وقوت من شوكة المسلحين الشيعة على حساب حكومة بغداد وماسمي في حينه بالحرس الوطني الذي كان يوصف بالحرس الوثني من فصائل مسلحة عديدة ترى فيه إمتدادا للجيش الأمريكي المحتل وصنيعة له، وكان العديد من المنظمين للحرس الوطني يتعرضون للقتل أسوة بآخرين في القوى الأمنية كالشرطة التي فقدت العديد من عناصرها الذين قتلوا بدم بارد في السنوات الأولى من عمر التغيير.
كانت واشنطن تشعر بالخيبة من إنزياح بغداد نحو المعسكر الإيراني المنشد الى مواجهة غير مباشرة مع الدول العربية السنية التي رأت إن الخروج العراقي من دائرة النفوذ العربي سيمكن طهران من نشر مفاهيم سياسية والتحكم بمصالح إقتصادية، وتغيير نوعي في الثقافة الدينية والقومية السائدة في المنطقة برمتها، فكان الدفع بإتجاه صدام بين الفصائل المقاتلة على الساحة العراقية التي تمثل النموذجين المتصادمين بنحو أنذر بتفكك العراق وزواله من الخارطة وهو مايجري ربما الآن وبهدوء من خلال مطالبات سنية بإنشاء جيش آخر مواز وإقليم بعيد عن الإمتداد الشيعي، ويتماهى مع الرغبة الكردية في التخلص من سيطرة بغداد والذهاب الى إستفتاء تواصل حكومة الإقليم الحشد له بكل قوة برغم إعتراضات ومخاوف وخشية من مواجهة إقليمية، وكل تلك العوامل لم تترك مجالا لواشنطن لتلقي بثقلها الكامل خلف الجيش العراق وتطور من قدراته وإستمرت في عرقلة تسليحه حتى إنها لم تف بإلتزاماتها بتوريد طائرات حربية نفاثة إلا في الثلث الأخير من العام 2015 مادفع العراق لتوريد مقاتلات سوخوي الروسية وكذلك المروحيات المقاتلة من أوربا الشرقية وظلت واشنطن تورد ببطئ شديد مصحوب بمراقبة مكثفة وحثيثة فهي تخشى من شيئين، الأول، هو النشاط غير المسبوق للجماعات والفصائل الشيعية التي ترى إنها سيدة القرار، والثاني، نوع الوجود الإيراني المكثف، حتى إن الجنرال ديفد بترايوس وهو قائد سابق كان يرعى الحرب الأهلية، وساهم في وضع الحواجز الكونكريتية بين مناطق السنة والشيعة قال تعليقا على نوع المواجهة وطبيعة الدعم الذي تريد بغداد الحصول عليه، لن نكون قوة جوية للشيعة.
وخلال معارك صيف 2015 لتحرير مدينة تكريت من سيطرة تنظيم داعش حاولت واشنطن منع قوات الحشد الشعبي من المشاركة في المعركة، وكانت تماطل في دعم الجيش العراقي، وكانت ترغب في إشراكه بقوة في المعارك شريطة عدم تدخل الحشد الشعبي المرفوض أمريكيا وعربيا وسنيا على مستوى الداخل العراقي حيث شنت حملة إعلامية ضد تواجده المكثف في المناطق التي تدور فيها رحى الحرب مع التنظيم المتشدد، ولم تكن القيادة الأمريكية سعيدة بدخول تكريت، لكنها أشارت الى إضطرارها الى تقديم نوع من الدعم الجوي وساعدت في ضرب مجموعات من المتشددين هنا وهناك، وبدت الإتهامات متقابلة حيث أتهمت واشنطن بإلقاء مساعدات من الجو الى المتشددين وإنها قامت بنقل المحاصرين منهم وفتحت لهم منافذ الهروب.
في معارك الرمادي خلال الساعات الأخيرة من عام 2015 كانت القوات العراقية بمساعدة الأمريكيين تفتح منافذ أوسع، وكانت الفرق الهندسية العراقية المختصة بتفكيك الألغام تعمل على تنظيف وإزالة تلك الألغام التي يزرعها تنظيم داعش حول الرمادي وفي الأحياء السكنية، بينما كانت فرق أخرى تضع الجسور العائمة بديلا عن تلك التي دمرت وكانت القوات تمر عبرها الى المناطق المستهدفة حيث نجحت القوات العراقية بطرد التنظيم من وسط الرمادي وهي تعمل على تأمين بقية المناطق، وصارت القيادة العراقية تتحدث بثقة عن معارك مقبلة للوصول الى مدينة نينوى عاصمة الشمال العربي العراقي التي ماتزال ترزح تحت سيطرة التنظيم لتحريرها، وهذا ربما مادفع القائد العسكري الأمريكي ستيف وارن الى التصريح بالقول ، إن الجيش العراقي يمضي على الطريق الصحيح.
بالطبع فإن واشنطن لن تثق مطلقا بأي مجموعة شيعية مسلحة ترى أنها قريبة من إيران وهي تتماهى مع المخاوف العربية التي تركز عليها المملكة العربية السعودية، ولذلك تريد جيشا عراقيا منظما شريطة أن يكون بعيدا عن الميول الطائفية التي تصب في النهر الشيعي، وهو أمر غاية في الصعوبة خاصة عندما يسهل المرور الى هذا الجيش من مختلف التنظيمات والفصائل المسلحة الأخرى، كما لايمكن الوثوق بقياداته حاليا، غير إن البطئ الأمريكي في الدعم يفسر الطريقة المتبعة أمريكيا والمعتمدة على الدعم الهادئ والتركيز على نخب من القوات بالتنسيق مع حكومة بغداد، ومحاولة زج عناصر يمكن تدريبها على السلاح الأمريكي، وربط الجيش العراقي بمنظومة تسليح أمريكية والضغط أكثر لمعرفة مدى قدرة بغداد على عدم الإلتزام بالمعايير التي تضعها طهران لتأمين سيطرتها أكثر في البلاد، وهو أيضا مايفسر نوع الخطاب في العراق من بعض الفصائل السياسية والدينية التي تصرح غالبا إن العراق خاضع للهيمنة الإيرانية مايعني صعوبة التوفيق بين مكوناته المذهبية والعرقية وإحداث نوع من التوازن بين وجود تلك المكونات كشريكة في القرار.
تعمل واشنطن وبهدوء على تمكين بعض القطعات العسكرية من التحكم بشؤون العملية العسكرية الواسعة ضد داعش، وهي تأمل أن تجد قوات نظامية قادرة على مسك الملف السياسي والإنقلاب على السائد، وهذا كله يجري بالتوازي مع المشروع الأكبر المتمثل بتقسيم الدولة العراقية الى أقاليم والتخلص من العبء الثقيل. فهل سيكون التقسيم سابقا لقدرة الجيش على الإنقلاب، أم إن القدر الأعمى سيمضي بنا الى النهاية المؤلمة؟