شاب كان عمره “عشر سنوات” في 2003، لكن بعد مرور “اربعة عشر عاماً” يكون في قمة الشباب، يتمنى عودة حزب البعث الفاشي للسلطة، مع إنه لم يدرك جيداً ماهية ذلك الحزب، لأنه لم يسمع او يشاهد جرائمه بحق الشعب، لم يأكل اعلاف الحيوانات والدواجن في التسعينات! لم يعي هذا لإنه كان يرضع الماء الممزوج بقليل من السكر، او ماء الرز المغلي لتتخذه امه بديلاً له عن الحليب، فكان ينام على انغام صوت (الرحى) وهي الة بدائية صنعت من الحجر لطحن الحبوب، لم يسمع أنين والدته منتصف الليل، التي تمزقت اكتافها من دوران تلك (الرحى)، لأنها كانت تقضي اغلب وقتها في طحن القليل من الذرة الصفراء، او الشعير او شيء من اعلاف الحيوانات، التي جلبها زوجها قبال اجرة يوم كامل من العمل، لتصنع منها الخبز لتطعم به اخوته الآخرين.
هكذا كان يعيش اغلب الشعب العراقي، في ظل نظام مجرم همه الحرب وإستنزاف دماء ابناء شعبه، فكثيراً من شباب اليوم لم يشعر بما كان يعانيه الناس، حيث كانوا لا يستطيعون ان يتطرقوا لإسم المجرم (صدام)، لأنهم كانوا يرددون عبارة “الجدران لها آذان” اي تسمع كل ما يقال، فيخشون ان تنقل الجدران الكلام لأزلام البعث, او لشرطة الأمن، حينها سيكون مصيرهم في المقابر الجماعية, او طعام لإسود ابنه (عدي), او يثرم ليكون طعاماً للأسماك، وأضعف الإيمان يعدم ويأخذ تكاليف الإطلاقات من ذويه، وبهذه الحالة ينزل البلاء على عائلته واخوته وابنائهم فسيطرد ذويه من الوظيفة اذا كان موظف, وستقطع الحصة التموينية عنه, يحرم من الجامعة اذا كان طالباً, ناهيك عن المراقبات والإستدعاآت المستمرة لدائرة الامن، وغيرها من الأساليب الرخيصة المجحفة بحق ذويه، لا يشعر بما نتحدث به الا ما عاش تلك الآلام والمحن.
حاول اذناب البعث الترويج المستمر لعبارة “الواه على ايام صدام” او “لو يرجع لنا صدام” من خلال السيطرة على عقول هؤلاء الشباب، الذين لم يسمعوا ولم يشاهدوا جرائمهم، وما فعله ذلك النظام بالشعب العراقي، حروب مستمرة مع دول الجوار، غزو الكويت الذي تسبب بإبادة للجيش العراقي، الذي بدأ يرعب المنطقة، ليخلف حصار على مدى (ثلاثة عشر) سنة، اذابت الشحم وأكلت اللحم ودقت العظم، مُلِئت المقابر المحلية بالأطفال، بفقدان الغذاء والدواء، باعت الناس حديد سقوف البيوت والشبابيك والأبواب، والتلفاز ومبردة الهواء ومروحة السقف، ليس لإستبدالها بأحدث منها، وإنما لأجل كيس من الطحين او من اجل دواء لمريض ملقى على اسرة المستشفيات، كل هذه الحقائق المغيبة يتحملها الإعلام الحالي، لأنه إنشغل بالتسقيط السياسي للخصوم، وتناسى تلك الفترة المظلمة السوداء، في صفحة من صفحات التاريخ العراقي.
البعث الذي عاد وتغلغل في كل مفاصل الدولة، لازال يبذل اقصى جهوده لتبيض تلك الصفحة السوداء لنظام البعث المجرم، من خلال استغلال ظروف الحكومة الحالية، من فشل وفساد وتدهور للوضع الأمني الحالي، وهذا ليس فقط لأن الحكومة الحالية فاشلة في إدارة البلاد، ولكن هناك الكثير من الظروف المحيطة بها، والتي يقر بها الكثير من الشارع العراقي، منها: حل الجيش العراقي من قبل سلطة الإحتلال، دعم الدول العربية للإرهاب، الذي لازال ينهش في الشعب العراقي، خوفاً من نظام شيعي بجوارهم.
السعودية كانت تدفع لصدام (خمسين الف دينار) لكل جندي عراقي يقتل في الحرب مع إيران، ليس حباً بالعراق! وإنما إبادة للشيعة من كلا الطرفين، فاثقلت كاهل العراق بالديون، التي أُبتليت بها الحكومة الحالية، اما اليوم فهي تدفع اضعاف هذا المبلغ بمئات المرات، للإرهابيين الوافدين للعراق، ناهيك عن السلاح والغذاء والإعلام، لا يستطيع احداً نكران هذا الشيء، ولم تكن (السعودية) في منأى عن الدول العربية الأخرى، فالكل مشارك في هدم العراق وذبحه وجعله ساحة حرب لا هواد لها.
كل ما تم ذكره عن اجرام (صدام) وحزبه الفاشي، هو غيض من فيض! اي لا يساوي قطرة في بحر، مما عاناه الشعب العراقي من البعث، (خمسة وثلاثين) سنة من القتل الجماعي، والإعدام الفردي، تهجير, تغيير ديمغرافي, جوع, إذلال وإهانة للشعب, تكميم للأفواه، وإغتصاب النساء في السجون في مرأى ومسمع من أهليهن، والكثير من الجرائم يعجز التاريخ عن تدوينها، ليأتي اليوم ايتام البعث وأبنائهم، وبعض المنتفعين من حكمهم ومتسلطين على رقاب الناس، ليروجوا لتاريخهم الأسود، ولتجميل صورتهم القاتمة، والأنكى من هذا يصدقهم بعض الجهلاء والأغبياء، معتقدين إن العراقيين في زمنهم كانت لياليهم وردية، مفعمة بالحياة الجميلة، ورفاه العيش والإنفتاح على العالم، لو كانت هناك حكومة عادلة لقطعت لسان كل من يذكر البعث بخير او يجمل صورته، ناهيك عن البعثية انفسهم.