بينما كنت أتابع نشرة للأخبار على احد القنوات العراقية مؤخراً، ورد خبر عن خروج مظاهرة في بغداد لاتباع احد تيارات الدين السياسي تندد بالمالكي. وصف المتضاهرون المالكي بأبشع الأوصاف ورفعوا له صورة تشبهه بصدام. باعتقادي هذه اكبر إهانة ممكن ان توجه لشخص ما ولانفهم لماذا صبوا جام غضبهم على المالكي في الوقت الحاضر. ومن خلال التغطية قام المراسل بمقابلة بعض المتضاهرون لاستطلاع ارائهم. ما لفت انتباهي ان احد المتضاهرين وصف راعي تياره بانه (خط احمر) لن يسمحوا لاحد ان يمسه وانهم على استعداد للتضحية بكل شيء من اجل صيانة كرامته.
ياللأسى على العراق الذي يذبح ولا يعتبره أبناءه خط احمر. لقد كثرت الخطوط الحمر في الامة العراقية وليس للعراق نصيب في احدها. ياللذل والهوان والانحطاط الذي وصل اليه البعض في بلد الدمعة والدم، بلد الحسرة والألم. ما أشبه اليوم بالبارحة. في البارحة كان أبناء هذا البلد المظلوم يخرجون عنوة ليقولوا ان صدام خط احمر ويصرخون (بالروح، بالدم نفديك يا صدام) واليوم يخرجون جهلا ليقولوا ان آلهتهم المصغرة والعجول السامرية الجديدة خطوط حمر. ياللخزي والعار!
من المفارقة بمكان انه في نفس النشرة يذاع خبر خروج مظاهرة في كراكاس يودع فيها الفنزوليون رئيسهم الذي سافر خارج البلد من اجل العلاج من مرض السرطان. خرج معظم الشعب الفنزولي ليقولوا لرئيسهم المحبوب ان قلوبنا معك وأننا نصلي من اجل عودتك لنا وللوطن الذي جعلته وجعلتنا اول أولوياتك سالما. خرجوا ودموعهم تعكس مدى تعلقهم بهذه الشخصية التي نقلت الغالبية العظمى من الشعب الفنزولي من حال الى حال. من حقهم ان يخرجوا ويبكوا وحتى (يلطمون ويطبروا الرؤس) ان شاؤا لان هذا رجل قدم لبلده ما يستحق. رجل في قمة الوطنية والتفاني.
ذكر الخبرين في نفس النشرة دفعني لان أقارن بين التضاهرتين والشخصيتين العراقية والفنزولية.
شافيز قاد انقلابا عسكريا اًفشل من قبل قوى عظمى كانت تدعم النظام الفنزولي انذاك. ادخل السجن لانه انتفض ضد نظام كرس الطبقية والاقطاعية في بلد غني بالنفط ويدار من قبل شركات النفط الامريكية و الذي كانت غالبية أهله من الفقراء. بعد خروج شافيز من السجناء أسس حزب اشتراكيا يعتمد على نظريته ( الاشتراكية البوليفارية) والتي استلهم فكرتها من الثورة البوليفارية فانتخب رئيساً لعدة مرات من خلال صناديق الانتخابات. هذا ان دل على شيء فانه يدل على رضاً ألشعب عما قدمهُ ولازال يقدمه لشعبه.
انطلقت ابحث عن إنجازات “الخط الأحمر” الذي انطلقت التظاهرة العراقية من اجله. رحت أتسائل هل قدم لشعبه او فئته او اتباعه اي إنجاز اقتصادي او أدبي او علمي يجعله بمكان كي يصفوه بهذا الصفة؟ هل قاد انقلابا او وقف يتحدى الدكتاتورية الصدامية؟ هل وقف او قال لا لأعداء العراق الذين يريدون و يسعون علانيتاً لتقطيع أوصال الوطن؟ هل الف كتابا الهم به الجماهير وحل معضلات حياتهم او جعلهم مفخرة بين أبناء البشر؟ هل نصب لنفسه خيمة في احد الاحياء الفقيرة وعاش معانات اهلها كما فعل غاندي او الام تريسا؟ بحثت وبحثت فلم اجد ما يستحق ان يجعل من هذا الرجل نقطة وليست خط.
بكل تأكيد سوف يقول البعض ان أباه او أخاه أوعمه او ابن عمه قتل او سجن على يد النظام الصدامي وانه سليل العوائل المجيدة. وهنا نقول ان كان هذا كل ما يجعل هذا الرجل خطا احمر فالعراق مليء بامثاله. ارمي بطرفك حيث شئت من العراق وسوف تجد المئات بل آلاف من الأمثلة. هل من عائلة في العراق من اللواتي لم تداهن الظالم لم تفقد ابنا او أخا او أبا او اُما على يد نظام صدام؟ هل دم اهل هذا الرجل أغلى من دماء أهلنا ان كانت سلالة دمه هي السبب في جعله خط احمر؟ قتل على يد نظام صدام من العراقيين الملايين بينهم العالم والمرجع والطبيب و المهندس و المعلم والفلاح والإنسان الشريف الذي منعه شرفه من ان يظلم انسان اخر، فهل دم اهل هذا الرجل أغلا من الذين اعدموا رميا بالرصاص، او دفنوا في المقابر الجماعية اوشنقاً، او قطعوا أربا ورميت اوصالهم في نهر دجلة او قتلوا بغاز الخردل، او تم رميهم في محرقة الحروب العبثية؟؟؟؟ هل من مجيب؟
الجميع يعرف ان صدام كان لايتهاون في التخلص من اي شخص كان يمثل خطرا عليه قريبا كان ام بعيد. فهل من “ابن حمولة” يخبرنا لماذا ترك صدام هذا “الخط الأحمر” و”الحسام البتار” وصاحب نظرية ” الگرگري” على قيد الحياة اذا كان فعلا بطلا ومغوار يستحق كل هذا التمجيد؟ هل لاحد ان يوضح لنا ماهي إنجازاته البطولية التي جعلت منه شخصية فريدة من نوعها تعطى ألاولوية على الوطن؟ للاسف لم ولن نجد من جواب شاف لان كل ما نراه هو جبل من جليد او بالتعبير العراقي “بوخة”. ان كل ما بحوزته هي أمجاد أناس من عائلته والتي ان قورنت مع مثيلاتها في العراق فإنها لن ترقى لمثيلاتها. الا اذا عد اتباعه توجيه بنادقه لصدور أبناء جلدته، وتقطيع رجلين اعزلين ومن أبناء العوائل العلمية المعروفة وبطريقة بشعة في ازقة النجف،او مداهنة أعداء العراق والمتأمرين عليه، ومصافحة الوهابية، او التملق لإمارة موزة او الاختباء في بلد الجوار (لما صارت الحديدة حارة). ان كانت تلك بطولاته، فنحن نقول اللهم اشهد ان الرجل فريد من نوعه ويستحق ان يكون (كيبل احمر مو بس خط احمر)!
متى يخرج أهل هذا البلد ليقولوا لا لمن يتآمر على بلد الرافدين ويبيعه في سوق النخاسة بارخص الأثمان؟ متى يلتف اهل هذا البلد حول بلدهم وحول من يحمي كرامته؟ متى يصبح مقياس شرف الرجل قدر إخلاصه للعراق وليس سمعة عائلته او عشيرته؟ متى يترك أبناء هذا البلد خلافاتهم جانباً حينما يكون البلد في خطر؟ متى يكون العراق خطنا الأحمر قبل كل خط اخر؟ متى نعطي لبلدنا من غير ان نسأل ما المقابل؟ أسئلة تجول في خاطر وضمير كل غيور على العراق الجريح ويا ليتنا نجد الجواب. يا ليتنا نجد في ضمائرنا سِيابٌ يصرُخ “واحسرتاه” على العراق.