16 فبراير، 2025 12:20 ص

متى يخرج الجامعيون من دوامة ( الدوام ) ؟!

متى يخرج الجامعيون من دوامة ( الدوام ) ؟!

في الأول من أيلول 2024 باشرت الوزارات والدوائر في بغداد العمل بأوقاتالدوام التي أصدرتها بتعليمات الأمانة العامة لمجلس الوزراء ، وبموجبها حدد الدوام الرسمي للجامعات والكليات الحكومية والأهلية كافة ليكون من العاشرة صباحا ، وكان المسوغ الأكبر لذلك هو توزيع الزخم المروري على ساعات النهار لتقليل الاختناقات ، وقد توقع الكثير بان يتم تقويم هذا القرار من حيث الجدوى والتأثير بعد ثلاثة شهور من النفاذ او من بداية 2025 ليصار إلى تعديله او الاستمرار ، فقد تزامن صدور القرار مع مباشرة الحكومة بتنفيذ مشاريع كبيرة ومهمة في تشييد الجسور والمجسرات والتحويلات والتي أنجز جانبا كبيرامنها نهاية 2024 ، وما فهم من التوقيت الذي تم تحديده للجامعات انه مؤقت ولدواع مرورية فلم يسبق العمل به من قبل في العراق كما تخلو التجاربالجامعية العالمية من وجود دوام وجوبي بعد الصباح ولحين الغروب ، لذلك لم تعرف تداعياته و نتائجه بشكل شامل وبالتفاصيل فبنائه تم على وفق تقدير المصلحة الجمعية للعموم رغم احتمالات إن تكتنف تطبيقه بعض الصعوبات ، وعول البعض على قدرة الجامعيين بقبول هذا التغيير لما يمتلكونه من قدرات ومرونة  في التكيف لمختلف المتغيرات ، ورغم التفاؤل الجزئي في تلكالتخمينات إلا انه وبعد مرور مدة قصيرة من التطبيق الذي تزامن مع بداية العام الدراسي الحالي للجامعات ظهرت مجموعة من المبررات التي تطالبالعدول عن هذه التوقيتات ، فالقضية لا تتعلق بالمنتسبين الجامعيين من التدريسيين والفنيين والإداريين وغيرهم وإنما بعناصر أساسية أخرى للتعليموهم الطلبة والعوائل والمؤسسات ، وما سنذكره لاحقا ليس من نتائج دراسة أعدت بهذا الخصوص ، وإنما من خلال متابعة ردود الأفعال رفضا وقبول وما نتج من تلك الأطراف من آراء .

وبخصوص الطلبة ، فقد وجدت هناك صعوبات تتعلق بتعويد طلبة الصفوف الأولى القادمين من التعليم الثانوي إلى التعليم الحكومي في التكيف مع ما اعتادوا عليه قبل 12 عام وواقع الدوام الطويل في الجامعات ، وبذلك أضيفتوظيفة تربوية وإرشادية جديدة للمعنيين تضاف إلى جانب التهيئة للانتقال من بيئة لأخرى ، والبعض في كل المراحل والمستويات الجامعية  يرى ضرورة تغيير مواعيد النوم والاستيقاظ بما يناسب الوضع الجديد ، والبعض ممن اخفق بذلكاضطروا للحضور في نفس الأوقات السابقة ، مما يشكل عبئا كبيرا فالوقت من 8 صباحا وحتى موعد المحاضرة الأولى سيقضيه الطالب في الساحات او النادي او خارج الكلية مما يجعله مستغرقا لما بدا به ( ربما من لهو ولا مبالاة )او في الطريق ، مما قد يجعله يستنفذ جزءا مهما من طاقاته وتركيزه ودافعيتهوحماسه خارج القاعة أي قبل أن تبدأ وتستمر الدروس ، ولا يخفى إن هناك الكثير من التطبيقات البحثية والتجارب العلمية أكدت على وجوب استثمارالساعات الأولى من اليوم لنوع من الأعمال التي تتطلب بذل مجهودات وحركات عالية التركيز لما فيها من أهمية او تنطوي على نوع من الأخطار ، ويسود الاعتقاد للبعض إن جعل الدوام يبدأ في ذلك الوقت يعطي الإذن والمشروعية ( الحجة ) لبعض الطلبة في السهر اعتقادا منهم او لتضليل أهلهم إن لديهم الوقت الكافي للنوم والتعويض حتى بدأية الدوام ، والسهر لأوقات متأخرة لايعطي الراحة الكاملة فربما يستيقظ الطالب متثاقلا ويبدأ يومه الجامعي بهذا المزاج ، وقد وجدت بالفعل احتمالية كبيرة في حدوث تضارب بين أوقات دوام الطالب وعائلته من الأب وإلام عندما يكونا يعملان وتلك المسالة قد تنشا اختلال يعطي نتائج سلبية من النواحي الاجتماعية والأمنية والسلوكية ف( الفراغ ) الذي يترك لتلك الاعمار ربما تكون له مردودات التي لا يمكن التنبؤ بها بشكل دقيق ، ويرى البعض إن التغير بالدوام احدث زيادة في تكاليف النقل حيث لم يستفيد الطالب من خدمات التوصيل التي كان يقدمها الأهل لكونهاانقطعت بسبب اختلاف أوقات الدوام بين الطرفين  ، كما إن بعض الطلبة أصبحوا أكثر إلحاحا في الحصول على سيارتهم الخاصة للتحكم بأوقاتالذهاب و الإياب ، ومن المؤكد إن خروج الطالب للدوام الذي يعبر النهار و يبدأبوقت متأخر يشعره بالجوع والحاجة للتزود بحاجات الطعام ومكملاته من المحلات المتاحة ، وذلك شكل عبئا ماليا على  العائلة وإنفاق جديد ، ناهيك عن ما يحدثه من التعود على مغادرة وجبات العائلة من حيث التوقيت والأنواع و( اللمة ) العائلية العراقية التي تعد ضابطا مهما للسلوك .

وبخصوص التدريسي ، فان واجباته لا تتعلق بالدوام فقط وإنما بمجموعة أخرى من الالتزامات أبرزها التحضير لدروس اليوم التالي وتوفير الوقت للمشاركة في اللجان والتدريب والندوات وفرق العمل وبرمجة الوقت اللازم للبحث العلمي  ( وهي جميعا من المتطلبات الواجبة التي وردت في قانون الخدمة الجامعية رقم 23 لسنة 2008 ) ، كما إن له التزامات أخرى كونه إنسانسواء كان زوج او أب او  قريب او صديق ، والدوام بصيغته الحالية وما يضاف له لغرض إكمال النصاب هنا او هناك ( في الصباحي والمسائي ) يتطلب منه إعادة برمجة فعالياته على مدار اليوم ولكنه يجد صعوبات كثيرة في ذلك ، فالوصول ليلا او مساءا للبيت بعد قضاء ساعات في الازدحامات يجعله في درجة عالية من التعب حتى وان كان من الشباب (  آخذين بنظر الاعتبار التباين في اعمار الجامعيين الذي يمتد ل65 عام ) ، وربما يشعره ذلك بالإعياء والحاجة للنوم وسيفقد الوقت الذي كان يجب أن يقضيه مع أسرته والوقت الذي يستغرقه في التحضير لليوم التالي او انجاز واجبات ذلك اليوم من حيث ترحيل الدرجات اليومية او تصحيح نتائج الامتحانات وغيرها من الالتزامات ، وإذاضاق عليه الوقت مساءا فمتى سيتأمل او ينغمس لإيجاد فكرة لا نجاز البحوث والمبادرات ؟ ، وان التباين بين أوقات الجامعات وغيرها من حقول العمل والتطبيق سيحجب جوانب مهمة من الأوقات التي يجب تخصيصها للتدريب والاستفادة من حقول العمل كما إن هذا التباين من الممكن أن ينعكس على التدريسي في إجراء التجارب والبحوث داخل الجامعة وخارجها ، ناهيك عن ما يسببه من ارتباك اجتماعي من ضعف توافق الأوقات مع دوام الزوجة والأولاد او ممن لديه التزامات معهم ، ومن الناحية العملية وجد إن غالبية الجامعيين يعودون إلى عوائلهم بعد انتهاء أوقات العمل لمعظم الأعمال ومنهم عمال البناء ! .

و استمرار العمل بهذا التوقيت ، فرض اعباءا إضافية على المؤسسات الجامعية بسبب اضطرارها للعمل بأوقات طويلة خلال اليوم حيث تبرز الحاجة لزيادة التشغيل للمولدة وتوفير الكهرباء و المياه والاحتياجات الإنسانية والعناية بالحدائق والساحات والممرات ، كما إنها تتطلب تشديد الحراسة لرصد المخالفات والتجاوزات والاعتناء بكل مفاصل الحياة بشكل مركز لأنها قد تضطر لتشغيل الإنارة قبل انتهاء الدوام ، و في الكليات والمعاهد التي فيها دراسات مسائية إلى جانب الصباحية ، تكون الساعة الرابعة مساءا موعدا لبداية الدروس وإذا كان الجدول يتضمن 6 ساعات يوميا فهل نصدق إن الدوام سيستمر بانسيابية وحضور لغاية العاشرة ليلا ؟ وأية عائلات تقبل لبناتها وأبنائها للبقاء بهذه الأوقات ؟ ومن يضمن عودة التدريسيين ومن يسندهم والطلاب لأهلهم يوميا بأمان ودون مخاطر ومشقات ؟ .

ومن المؤكد إن المشرع لهذه الأوقات قد اخذ الصالح العام كأولوية من حيث تخفيف الزخم المروري وتسهيل حركة البغداديين في الطرق ، ولكن هناك عوامل أخرى تتعلق بتغيير أوقات الدوام وقد تنخفض او تضعف نظرا لارتباط التعليم الجامعي بعوامل الرغبة ( Desire ) والتكيف ( Adaptation ) و الانتماء ( Institutional ) ، وهي عوامل وعناصر ( وتضاف لها معايير أخرى ) نخشى أن نفقدها كلا او جزءا وتؤثر في التعليم الجامعي الذي يمر في وقت يتم فيه التأكيد على التطوير ، والكثير ممن ذكروا أعلاه يرون ضرورة وأهمية العودة لأوقات الدوام ( السابقة ) ، وذلك لا ينبع من الحرص على تحقيق منافع فردية فحسب وإنما للتوفيق بين المصالح العليا مع مصلحة التعليم الجامعي ومن فيه ، آخذين بعين الاعتبار اكتمال العديد من مشاريع الطرق والجسور التي تبتها  الحكومة الحالية ( التي تستحق التقدير ) وحالة الشوارع والطرق الداخلية في بغداد التي لم تعالج وسوف لا تعالج أزماتها بتغيير ساعات دوام الجامعات ، والعودة للتوقيتات ليس مطلبا مجردا و إنما تتوافق فيه مصالح الجامعيون ومؤسساتهم التي لا تتعارض مع المصالح العليا ( لا سمح الله ) ، فحل المشكلات المرورية والاختناق والازدحام في بغداد له أبعاد وحلول أنجع من خلال العديد من المعالجات ، والأشهر الماضية للتطبيق ربما أثبتت للكثير إندوام الجامعات ليس هو المفتاح السحري او الوحيد لتلك المشكلات ، وما يخشاه البعض من باب الحرص لا غير أن يتحول دوام المعنيين طلبة وملاكات وجامعات إلى دوامة تشغل الجميع عن واجباتهم وأدوارهم التي يراد منها التفعيل ، خاصة وان جامعاتنا أخذت تدخل العالمية في العديد من التصنيف الدولي للجامعات .