22 ديسمبر، 2024 10:41 م

متى يحكمنا الأحياء؟!!

متى يحكمنا الأحياء؟!!

الواقع العربي محكوم بالأموات , ولا يوجد أثر للأحياء فيه , ولهذا فهو يؤكد آليات الموت ويترجمها بحرفية واضحة.
فكأننا لا يوجد عندنا أحياء يفكرون ويجتهدون , وإنما أمواتنا هم المتحكمون بالحاضر والمستقبل , ويدل على ذلك ما يسود في الإعلام وخطب القادة والحكام , فجميعهم إلا فيما ندر يتكلمون بلسان الأموات ويعبرون عن رؤاهم وأفكارهم وتصوراتهم , التي عفى عليها الزمان وأغبرها المكان.
وهذه علة العلل ومعضلة المعاضل والعقبة الأشد التي تحول بين العرب والحياة.
الذين يمثلون الدين ينقلون عن الأموات , والإعلام تسود فيه إرادة الأموات , وما حولنا معفر ومدثر بما نطق به أموات الأزمان , الذين أضفينا عليهم ما ليس فيهم , فأصبحوا من المقدسين والمعصومين والمتخيليين وما هم إلا بشر كان يسعى فوق التراب كغيره من البشر , لكننا بقوة ما فينا من الأوهام حولناهم إلى موجودات خيالية لا تتصل بالأرض.
ومضت مخيلاتنا المريضة تدعي ما تدعية وتلصقه بهم , حتى صار كل ما يجري في الواقع المعاش لديهم فيه نظر , فإن حصل شيئ , إنهالت عليك الكتابات والتصريحات البهتانية , التي تؤكد بأن فلان الفلاني رحمه الله قد قال كذا وكذا بهذا الخصوص , بل أن البعض يأتيك بأعاجيب وخزعبلات تستحضر المستقبل , وما هي إلا هذيانات وخرافات ومحاولات تضليلية وتدميرية للواقع الذي يئن من الويلات.
ويبدو أنها نزعة موتية كامنة فينا تدفعنا نحو إستحضار الأموات والتفاعل معهم على أنهم أحياء ونحن الأموات , وأن الزمن قد توقف والمكان ما تغير , وأنهم ما تحولوا إلى رميم , ولن تجد في أجداثهم غير التراب الأبيد.
وقد يكون للحاضر الكسيح والذل القبيح دور في تأكيد الهروبية إلى الذين غابوا في التراب والتوهم بأنهم كانوا أعمدة وجودنا القوي , وعلينا أن نتمسك بهم كتعويض عما نعانيه من الخسران.
ويمكن التوسع بالتحليلات والتفسيرات كما إعتاد عليه المفكرون والكتاب , لكن ذلك لن يأتي بما هو نافع , وهدف المقال أن نؤمن بأننا أحياء ومن واجبنا أن نصنع مستقبلنا ونبني حياتنا , ونتفاعل مع زماننا ومكاننا وفقا لمعطيات عصرنا , وعلينا أن نفعل العقول ونفاعلها لكي تتمكن من لوي عنق التحديات وشق طرق الرقاء والنماء الحضاري.
فنحن أصحاب قدرات عليها أن تكون شاخصة ومؤثرة في المسيرة الإنسانية , فكلنا أحياء ولنحترم أمواتنا , وأن نقر بأنهم أموات , وقاموا بدورهم وما أنجزوه فات , وما فات مات , وما هو آت آت , فاعزموا وتوكلوا وتعقلوا وكونوا بإرادتكم العصماء , ولا تنظروا إلى الوراء , فالدنيا في سباق , ومن جد وجد!!
والقوة في العلم والعمل!!