19 ديسمبر، 2024 12:05 ص

متى يحصلُ التَّوازن الدَّقيق بينَ مصالحِ الفرد ومصالحِ المجتمع في ظلِ الأنظمة الاجتماعية؟

متى يحصلُ التَّوازن الدَّقيق بينَ مصالحِ الفرد ومصالحِ المجتمع في ظلِ الأنظمة الاجتماعية؟

تعد كلُ مِنَ الرأسمالية والاشتراكية نظامينِ متعاكسينِ إلى حدٍ ما، ويتركز الجدال بين الاشتراكية والرأسمالية حول المساواة الاقتصادية ودور الحكومة، يعتقد الاشتراكيون أنَّ انعدام المساواة الاقتصادية أمر سيء بالنسبة للمجتمع وأنَّ الحكومة مسؤولة عن الحد من ذلك عن طريق البرامج التي تعود بالنفع على الفقراء، من ناحية أخرى، يعتقد الرأسماليون أنَّ الحكومة لا تستخدم الموارد الاقتصادية بكفاءة مثلما تفعل المؤسسات الخاصة، وبالتالي فإن حال المجتمع يكون أفضل مع السوق الحرة.
وتعتبر الولايات المتحدة معقل الرأسمالية، بينما تعد أجزاء كبيرة من الدول الإسكندنافية وأوروبا الغربية ديمقراطيات اشتراكية، ومع ذلك فأننا نجد أن هذينِ النظامينِ مهما تضادا ببعض الأمور ألَّا أنهما يبقيان من الأنظمة المادية، فمثلًا نجد أن الأثرياء هم المتحكمونَ بالسوق في النظام الرأسمالي، وتُحصر الثروة بيدهم ولا يعود على الفقراء إلا الفتات منهم، أما النظام الاشتراكي يحصر الموارد الاقتصادية بيد الدولة، متذرعينَ بفشل النظام الرأسمالي، بعد أن ألغت الملكية الخاصة الذي اعتبرها النظام الاشتراكي محور الفشل لذلك النظام، إلا أن النظامينِ بقيا على نفس الأفكار المادية ولكنها صُبتْ في قوالب جديدة، ولم يعالجوا المشكلة الإنسانية والاجتماعية التي هي الركيزة الأساسية لتلك المشاكل وعند اطلاعنا على بحث أحد مراجع الدِّين وهو السيد الصرخي الحسني الموسوم [ “فلسفتنا” بأسلوب وبيان واضح] أوضح ذلك قائلًا: “المبحث التاسع: نقص العلاج الشيوعي ونجاع العلاج الإسلامي
المطلب الأول: نقص العلاج الشيوعي للمشكلة الاجتماعية
أفتُرى أن المشكلة تُحل حلًا حاسمًا إذا رفضنا مبدأ الملكية الخاصة وأبقينا تلك المفاهيم المادية عن الحياة، کما حاول أولئك المفكرون الشيوعيون؟! وهل يمكن أن ينجو المجتمع من مأساة تلك المفاهيم بالقضاء على الملكية الخاصة فقط، ويحصل على ضمان لسعادته واستقراره؟! مع أن ضمان سعادته واستقراره يتوقف إلى حد بعيد على ضمان عدم انحراف المسؤولين عن مناهجهم وأهدافهم الإصلاحية في ميدان العمل والتنفيذ، والمفروض في هؤلاء المسؤولينَ أنهم يعتنقونَ نفس المفاهيم المادية الخالصة عن الحياة التي قامت عليها الرأسمالية، وإنما الفرق: أن هذه المفاهيم أفرغوها في قوالب فلسفية جديدة، ومن الفرض المعقول (الذي يتفق في كثير من الأحايين): أن تقف المصلحة الخاصة في وجه مصلحة المجموع، وأن يكون الفرد بين خسارة وألم يتحملها لحساب الآخرين وبين ربح ولذة يتمتع بها على حسابهم، فلماذا تقدر للأمة وحقوقها وللمذهب وأهدافه من ضمان في مثل هذه اللحظات الخطيرة التي تمر على الحاكمينَ؟!…
من الواضح أن الثروة التي تسيطر عليها الفئة الرأسمالية في ظل الاقتصاد المطلق والحريات الفردية، وتتصرف فيها بعقليتها المادية في النظام الرأسمالي فإنها تُسلَم (عند تأميم الدولة لجميع الثروات والغاء الملكية الخاصة) إلى نفس جهاز الدولة المكون من جماعة تسيطر عليهم نفس المفاهيم المادية عن الحياة، والتي تفرض عليهم تقديم المصالح الشخصية بحكم غريزة حب الذات، وهي تأبى; أن يتنازل الإنسان عن لذة ومصلحة بلا عوض!
وما دامتْ المصلحة المادية هي القوة المسيطرة بحكم مفاهيم الحياة المادية، فسوف تُستأنف من جديد ميادينَ للصراع والتنافس، وسوف يُعرَّض المجتمع الأشكال من الخطر والاستغلال! فالخطر على الإنسانية يكمن كله في تلك
المفاهيم المادية، فيما ينبثق عنها من مقاييس للأهداف والأعمال وتوحيد الثروات الرأسمالية -الصغيرة أو الكبيرة- في ثروة كبرى يسلم أمرها للدولة من دون تطوير جديد للذهنية الإنسانية، لا يدفع ذلك الخطر بل يجعل من الأمة جميعًا عمال شركة واحدة ويربط حياتهم وكرامتهم بأقطاب تلك الشركة وأصحابها”.
وأخيرًا تجد لا خلاص من تلك المشاكل إلا بالتنازل عن تلك المفاهيم المادية، والإقرار بفشلها الذريع، والإيمان بأن حياة الإنسان تسيطر عليه قوة جبارة عظيمة تُثيب وتُعاقب على كل ما يصدر ذلك الإنسان، وهذا أيضًا ما نُوِه عنهُ في نفس المصدر قائلًا ذلك المفكر البارع: “نعم، إن هذه الشركة الشيوعية تختلف عن الشركة الرأسمالية في أن أصحاب تلك الشركة الرأسمالية هم الذينَ يملكون أرباحها ويصرفونها في أهوائهم الخاصة، وأما أصحاب هذه الشركة فهم لا يملكونَ شيئًا من ذلك في مفروض النظام، غير أن ميادينَ المصلحة الشخصية لا تزال مفتوحة، والفهم المادي للحياة -الذي يجعل من تلك المصلحة هدفًا ومبررًا- لا يزال قائمًا، فنرجع إلى نفس المشكلة وهذا ما حدث فعلًا في النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي المتفكك وفي النظام الشيوعي الصيني الحالي، فلا خلاص إلا بالتنازل عن المفاهيم المادية والاعتراف ببطلانها وتطوير ما يصلح للتطوير على طبق الاعتقاد والإيمان بأن حياة الإنسان منبثقة عن مبدأ مطلق الكمال عالم حک***1740;م مسيطر قاهر يسنّ الشرائع والقوانين الروحية والأخلاقية يُثيب ويعاقب على أساسها، حيث يكون من المعقول والممكن في ظل هذا النظام الأنيق أن نتصور سلوك الأفراد في الإيثار والتضحية والتنازل عن المكتسبات واللذات لحساب الآخرين فيحصل فيه التوازن المحسوب الدقيق بين مصالح الفرد ومصالح المجتمع”.