النفط مصدر الطاقة الأهم والذي يتحكم باقتصاديات معظم دول العالم سواء كانت منتجة أم مستهلكة والذي جعل كثيراً من الدول التي حباها الله بهذه النعمة في بحبوحة من العيش وجعل شعوبها تعيش برفاهية عالية, والتساؤل المنطقي هو هل ستستمر هذه النعمة أبد الدهر أم سيأتي يوم وينضب النفط ؟
جواب هذا السؤال تعاملت معه الدول المتقدمة بحكمة وذكاء ومكر بنفس الوقت وكرّست الدراسات العلمية والأبحاث المتخصصة لتصل الى حقيقة دامغة وهي ان العمر الافتراضي للنفط في العالم هو ستون عاماً في حالة استمراره كمصدر رئيسي للطاقة في العالم, أما في حالة ايجاد بدائل أخرى للطاقة فان هذه الفترة الزمنية ستطول أكثر ولكن كم ستطول عشرون أم ثلاثون أم أربعون عاماً على أبعد تقدير,وتعاملت هذه الدول المتقدمة بذكاء مع هذه الحقيقة العلمية بأن كرّست جميع الجهود العلمية وبدأت بالانفاق العالي على الأبحاث والدراسات العلمية لايجاد بدائل جديدة وأمينة للنفط وهي كثيرة مثل (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة البحر والطاقة النووية وطاقة النفايات الحيوية) وغيرها وتم التركيز على قاعدة مهمة في البحث عن البدائل وهي أن تكون (أقل تكلفة وأكثر أمناً وأن تكون صديقة للبيئة ) وذلك لأن النظام الرأسمالي الحديث الذي يعتمده الاقتصاد العالمي قد تم بنائه على أساس توفير واستخدام الطاقة الرخيصة سواء كانت نفطية أم أخرى بديلة,ناهيك عن التغيرات الكبيرة في المناخ والتي تشهده الكرة الأرضية حيث أن ناقوس الخطر بدأ يدق منذ سنوات وبدأت المنظمات العلمية المختصة تحذر من كوارث بيئية نتيجة التغيرات الكبيرة في المناخ وتحذر من الاستخدام الخاطيء للنفط الأحفوري والتأثيرات الخطيرة والمدمرة على سكان العالم خاصة من الغازات المنبعثة, وتم عقد المؤتمرات الدولية وتم عقد الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص وانخرطت معظم دول العالم في هذه الاتفاقيات وتم اصدار قرارات ملزمة لجميع دول العالم تطلب اتخاذ اجراءات عديدة لتقليل الخطر المحدق بشعوب العالم وضرورة التوجه للطاقة البديلة لتقليل الخطر على حياة الانسان والحيوان والنبات وحماية البيئة,لذا فكل التصورات والتحليلات تؤشر بأن مستقبل النفط في خطر وان الاعتماد عليه كمصدر رئيسي للطاقة بدأ بالتنازل تدريجياً وهذه ارادة عالمية ومنطقية لحماية الأرض وشعوب الأرض من تاثيراته السلبية,لذا ومن المنطق أن تفكر الدول النفطية بالتخطيط السليم لاستثمار عائداتها الضخمة من النفط خلال السنوات القادمة بتطوير بلدانها وتطوير قطاعاتها الاقتصادية والخروج من عبائة الاعتماد الكلي على النفط في رفد اقتصاداتها, وهنا نرى مدى ذكاء وفطنة الدول المتقدمة في التخطيط السليم والبعيد المدى لمصلحة دولها وشعوبها وفي الجانب المقابل تؤكد لنا الحقائق في هذه القضية المهمة مدى غباء وقصر نظر حكام العرب في الدول المنتجة للنفط الذين لم يعيروا أي اهمية لهذه الحقيقة الواضحة للعيان (الا بعض الاستثنائات القليلة في بعض الدول) فأنهم يعيشون يومهم ولا يفكرون بمصائر دولهم وشعوبهم , فهم ينفقون أموال النفط دون التخطيط للمستقبل ودون بناء اقتصاد متين وصناعة حقيقية ودون التفكير بالتنمية المستدامة التي تستند على تخطيط علمي سليم يضع اللبنات الأساسية لاقتصاد قوي ينهض بالبلاد بدون الاعتماد على النفط بشكل رئيسي في تمويل موازنات بلدانهم, فنجد أن معظم البلدان العربية النفطية تستورد كل شي من الدول الاخرى وذلك لضعف القطاعات الاقتصادية والصناعية والزراعية والسياحية وغيرها ضاربين عرض الحائط كل المخاطر المستقبلية التي تهدد بلدانهم واقتصاداتها , فمتى سيستيقظ حكامنا من غفلتهم؟ ومتى يدركون حجم الخطر الكبير الذي يحدق ببلدانهم وشعوبهم عندما ينضب النفط أو يصبح استخراجه غير مجدي من الناحية الاقتصادية ؟ ومتى سيحذون حذو الدول المتقدمة في فهم الحقيقة والتعامل معها بشكل علمي سليم؟
الحقائق كلها تؤكد بأن المستقبل القريب سيكون مظلماً على الدول العربية المنتجة للنفط وسيعود شعوبها الى الجوع والفقر والتخلف وسيدفعون ثمن غباء وجهل حكامهم الذين بددوا الثروات الهائلة ولم يحسنوا استغلال هذه النعمة الإلهية التي أنعم الله بها عليهم ولم يخططوا لمستقبل شعوبهم ولم يؤمنوا لهم القاعدة السليمة للعيش الهانيء, فلن يرحمهم التاريخ وسيدخلون فيه من أسوا أبوابه وسينالون اللعنة على مرّ العصور.