23 ديسمبر، 2024 3:08 ص

متى تكون التحية بـ(أحسن منها)؟

متى تكون التحية بـ(أحسن منها)؟

دعيت لحضور جلسة تجمع صفوة الشخصيات البارزة والنخب التي تتصدر المشهد الاجتماعي والسياسي. دخلت المجلس المزدحم والقيت التحية على الحضور.
يقول الله سبحانه وتعالى “وإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا” النساء 86.
رد التحية بحسب هذه الآية الكريمة تكون بشقين. أوله أن ترد التحية بـ(أحسن منها)، والشق الثاني هو ينحصر بـ(ردها) فحسب. وعملا بهذه الآية وبالطبع وكالعادة فإن حرارة رد السلام من الجالسين يتناسب طردياً مع المنصب الذي يشغله من يلقي التحية.
فإذا كان الشخص بموقع مرموق وذائع الصيت، كان رد السلام وقوفاً والإستقبال بحفاوة كبيرة. أي يكون رد التحية على المسؤولين بـ(أحسن منها). أمّا إذا كان من ألقى السّلام شخصاً بعمل بسيط، عندها يكتفي الحاضرون برفع اليد فقط وعن ظهر قلب أي يكون عملاً بـ(ردوها). فليس رد السلام على المعلم أو المتقاعد أو العامل أو البقال بمثل الرد على مدير الشرطة أو النائب أو المحافظ مثلاً وهكذا دواليك.
حضر في هذا المجلس شخص من الذين ينوون الترشيح للإنتخابات البرلمانية المزمع إجرائها في تشرين الأول من هذا العام. المرشح يلبس القاط والرباط ويمشي مرحاً وكأنه يبلغ الجبال طولاً. يلقي السلام بكل ثقل وثقة، ففي المستقبل القريب قد تكون أبواب السماء قد فتحت له وأنبتت له الأرض من كل زوج بهيج. فقد يكون هو النائب الذي إليه ترجع الامور.
ليس هذا موضوع حديثي، بل عجب العجاب في تعامل الجالسين معه. حيث الإستقبال الحار الممزوج بكلمات الترحيب المختارة بعناية والمطعمة بالإبتسامات المزيفة. فمنهم من ينهض من محله ويتقدم خطوات للترحيب بالمرشح. ومنهم من يحييه منحنياً، ومنهم من يتدافع للجلوس بالقرب منه بعد تعظيم سلام. ومنهم من يبتدئ الحديث معه ليوضح لبقية الحاضرين بأنه على صلة مسبقة وأنه أكثر معرفة به وله علاقات حميمة وصداقة ومودة مسبقة.
الحقيقة ما حدث أمامي من مشاهد مسرحية تنافي كل المشاهد وتغاير كل الأعراف المعمول بها في العالم. ففي كل بقعة من المعمورة يجهد المرشح إلى التقرب من الناس بصفتهم ناخبين ويتملق أمامهم بغية الاستحواذ على أصواتهم. المرشح هو من يتلون ويتمايل أمام جمهرة الناس فهم أصحاب القرار وبيدهم أمر إيصاله إلى قمة كل تلك الامتيازات. من المفروض أن يقف هذا المرشح ويحيي جموع الحاضرين وأن يبتسم على الدوام عسى أن يكسب قلوبهم وينحني لهم. المرشح هو من يبتدئ السلام وهو من يسعى لكسب الود والغرام، فالناس هم مصدر الخير وفيهم البركة. لكن ومع الاسف الشديد فإن كل هذا يدخل في باب المفروض والإفتراض، وما يحدث على أرض الواقع مختلف تماماً. لابد أن هناك سوء فهم يا أخوة.
ونوماً هانئاً للجميع.