الحياة تصبح جميلة ، بالمشاعر النقية ، بالتواصل الإنساني ، بالفهم المشترك…تصبح جميلة بالبساطة والإلفة والمودة ، تصبح أكثر جمالاً حين تتسامى النفس عن الغايات النفعية والمصالح المادية ، حين يحب الإنسان أخاه الإنسان لذاته ، لشعوره به ، وبوجوده ، وبمشاعره ، وبأفكاره ، وعواطفه…نعم تبتهج الحياة ، بذلك التفاعل المشترك ، وتفاني الإنسان في قيَم ومباديء وقناعات ، متى ماوجدت كان اكثر تحرراً من تكبيل المادة ، و كان أقرب للصفاء ، والنقاء ، والسعادة.
الحياة تصبح جميلة ، حين تكون الماديات وسيلة لاغاية ، وسيلة لتقوية الأواصر، وتنمية العلاقات ، وإسعاد الآخرين ….حين يسود الإيثار والتضحية والتعاون ، حين يكون الانسان سنداً وعوناً لأخيهِ الانسان .
مؤكد أن الحياة تكون بهيجة ورائعة ، ونقية ، كلما كانت المشاعر الإنسانية اكثر حضوراً وتأثيرا .
والحياة تكون جميلة بمقدار مايتركه الانسان من أثر طيب في الاخرين ، بقدر ما يشيعه من قيم ومباديء تجعل الحياة اكثر رقياً ، بذلك التأثير الخلاق الذي يصحح المسارات ، ويوجه القناعات . بالأفكار الناضجة التي تنتشل العقول مما يصيبها من ضعف وقصور في إدراك معاني السعادة الحقيقية.
قمة العطاء ان يقدم الانسان كلمة او سطر او مجموعة عبارات تساهم في تنوير المجتمع الى مايصلح شأنه ويجلب سعادته. او ان يرسم لوحة تختزل التعبير عن جوانب مختلفة من الحياة …العطاء الأثمن في كل مايثري الحياة ويعطيها رونقاً وجمالاً ويجعلها ممتعة وسعيدة…الفن بكل مجالاته عطاء لايقدر بثمن…شعراً ، أدباً ، رسماً ، نحتاً …الخ …كم هي سعيدة تلك الاوقات التي اقضيها مع كتاب او رواية تنتقل بي الى عوالم ساحرة وخيالات جميلة…وكم هي ممتعة تلك اللحظات التي اقف فيها امام لوحة اجهد الفنان نفسه من اجل ان يقدم لنا هذا الابداع من العطاء…بل كم يبهج النفس منظر الورود والازاهير والخمائل التي كانت ثمرة جهود ذلك الفلاح الفنان…العطاء في حياتنا ليس له حدود مادام مرتبطاً بقيم الجمال والخير .مؤكد ان العطاء الاثمن يكمن في إضفاء المعاني السامية علي الحياة بما يعطي للانسان قيمته المتميزه على غيره من الموجودات . وتكون الحياة جميلة بالإرتقاء ، والإرتقاء هدف العقلاء ، وإرادة النبلاء ، وهمة الأصلاء ، وسيرة الأولياء ، وعمل الصلحاء ، بل رسالة الأنبياء ! .
ومع إمتداد الزمان ، وتجارب الإنسان ، كان البيان ، وكان العمران ، فكان الإرتقاء هو العنوان .
خلقنا لكي نتأمل ، ووجدنا لكي نعمل ، من أجل غدٍ أجمل ، وحياةٍ أفضل ، وعيشٍ أكمل بتفكيرٍ اشمل ، ومحاولاتٍ بلا ملل ، وتجاربٍ أطول …وبذلك ارتقى الانسان ووصل الى ماوصل .
وبإتساع المعرفة ، وإتقان الحرفة ، وبحوثه الكاشفة ، وتجاربه الهادفة ، كانت مسيرة الانسان المشرفة ، وراية تطوره المرفرفة .
وفي حياتنا !…ان اردنا الارتقاء ، علينا الإنتقاء ، ومراعاة النقاء ، واختيار الاصدقاء وطيب اللقاء .
الأرتقاء لابد ان يكون غاية في حياتنا ، وعنوان لنشاطنا لاركودنا وسباتنا ، وتحقيقاً لأحلامنا وامنياتنا ، وتعبيراً عن همتنا وارادتنا وتجسيداً لصحة اختياراتنا .
وحقيقة الارتقاء عندما يكون في الله وبالله ومن الله والى الله…لان الله خلقنا لغاية ، وأولانا العناية ، وللوصول اليها تلزمنا الدراية. ولاوصول إلا عندما نتقي وبذلك نرتقي .
وتكون الحياة اجمل واجمل وأنقى وأزكى بالقرب من الله تعالى .
يقول اهل العرفان بما معناه :
كلما تخلت النفس وتجردت عن رغباتها ونزواتها ومطامعها وعن تعلقها بالماديات من حولها ، كانت أكثر قرباً من الله تعالى .
المنهج العرفاني يتجاوز العلاقة الشكلية المقتصرة على العبادة ،الى معنى اكثر عمقاً وقوةً وارتباطاً ، بل ان العبادة الحقيقية هي التي تؤدي الى ذات النتيجة ، اذ إن العبد متى ماكان متوجهاً غاية التوجه ، مخلصاً في نداءه ، صادقاً في مناجاته كان أكثر قرباً واتصالاً بالله تعالى …لان العوالم المحيطة بنا تجرنا في واقع الحال الى الانشغال والغفلة واللهو ومضيعة الوقت بما هو زائل، وكلما امعن الانسان النظر في علاقته مع الله وفكر بحكمةٍ وروية تجلى له الأمر ، وانجلت عن عينيه الغشاوة ، وانكشفت له الحقائق ، حسب درجة سلوكه العرفاني .في حياتنا كثير من العوالم والعلاقات بحاجة الى إعادة نظر وتقييم لكيلا تشغلنا عن ماهو اهم ، والحياة في واقع الامر اولويات ، وتلك الاولويات ان لم تأخذ الحيز المطلوب ضمن اهتمامات الانسان انعكس ذلك على صفو عيشه ونقاء مزاجه…وفي مقدمة تلك الاولويات ماتفرضه العلاقة مع الله تعالى وماتستوجبه من تروكات واعمال