في مفهوم النظم السياسية الحديثة، إن الدول الديمقراطية، إنبثقت عن
نظريات العقد الإجتماعي، تبعا” لرؤية المفكرين السياسين جون لوك، وهوبز
وروسو وأخرين، والتي يكون فيها الشعب مصدر السلطة، ومع الإختلاف في طريقة
تفويض السلطة لهؤلاء المفكرين، إلا إن الواضح في إستقامة السلطة المفوضة
للحكومة، يتأتى من عملية ترسيخ الثقة بين الحكام والمحكومين، بل إن تفويض
الشعب مشروط وليس مطلق، كما يتضح من خلال تفسير جون لوك، بمدى إحترام
رجال الدولة لماهية الدستور، كونه الضامن لمسار العملية السياسية، حيث
ومن خلال مواده المتفق عليها عبر التصويت الشعبي، يكون تشريع القوانين
وطريقة إدارة مؤسسات الدولة( العامة منها والخاصة) وفق القواعد
الدستورية.
وهنا لو عدنا للعملية السياسية في العراق،نجد إن الطبقة السياسية في
العراق، بدأت تنقض مباديء الدستور صاحب العلوية وهذا ما بينته المادة
الدستورية13 في سن أي تشريع أو قانون، يجب أن لا يخالف القواعد الدستورية
، والضابط الدستوري يحتم على صاحب السلطة المفوضة التشريعية والتنفيذية،
إحترام بنود العقد الإجتماعي( الدستور)، فالعقد شريعة المتعاقدين، فمثلا
وليس الحصر، الباب الثاني من الدستورالعراقي( الحقوق والحريات) فإنه لا
محل لها من الإعراب على أرض الواقع، وتسبب ذلك في صنع تباين طبقي كبير
بين ساسة العراق والشعب، فلا تكافيء في الفرص ولا مساواة في المعيشة،
وبالتالي سوف نشهد تمايز مجتمعي، قد يخلق حالة من الفوضى السياسية، وذلك
تحول خطير في العملية السياسية، حينما تقوض الطبقة السياسية المفاهيم
الديمقراطية على أرض الواقع.
الأخطر في هذا الأمر، عندما تكون الكتل السياسية قد علت وتعالت على مفهوم
الدولة، فقد تجاهلت حقوق الشعب، عبر تشريعات وقوانين تتقاطع ومواد
الدستور العراقي، المصوت عليه من قبل الشعب العراقي عبر إستفتاء رسمي،
فإمتيازات تفوق الخيال، ورواتب إنفجارية وإستغلال للسلطة في مجالات عدة،
وصلت إلى حد إنشاء شركات لها الحظ الأفر، في نيل العقود الحكومية
والمناقصات في كثير من مؤسسات الدولة، لكن تبقى الإنعطافة الأكبر ما حصل
في هذه الدورة الإنتخابية، عندما قفزت الكتل السياسية على المادة
الدستورية 76، والتي تحدد المسار الدستوري والقانوني، لتشكيل الحكومة
التنفيذية، وهذه المادة تلزم وجود كتلة برلمانية أكبر، والذي حصل عكس
ذلك، فتشكيل الحكومة جاء عبر طرفي اللعبة السياسية، تحالفي الإصلاح
والبناء، لنتحول بهذه الخطوة الخطيرة، من المسار الدستوري إلى هوى وأمزجة
الكتل السياسية.
هذه الإنعطافة أضعفت رئيس مجلس الوزراء أمام الكتل السياسية، المتحكمة
بأدوات العملية السياسية، وبدل أن يكون الدستور هو الحاكم لسير العملية
السياسية وفق المفاهيم الديمقراطية، أصبحنا تحت سطوة ومراد الكتل
السياسية، لنكون أمام مفهوم دكترة الديمقراطية وتجيرها لمصلحة الأحزاب،
مع تسطيح حقيقي لمصالح البلد وعلى كافة المستويات للداخل والخارج، مع
الصمت المطبق للمحكمة الإتحادية، دون ان يكون لها رد على هذه الخروقات
الدستورية، ولتعلم الطبقة السياسية، إن الديقراطية لا تعني الفوضى
السياسية، والإنتخابات هي وقانونها أس الفوضى وسبب إستئثار الساسة
بمقاليد الحكم في العراق، لا تعني الحصانة المطلقة لهم في إتخاذ القرارات
التي تحقق مرادهم في ترسيخ السلطة لأحزابهم، لأن ذلك يعني عودتنا
للدكتاتورية، ولكن بنمط جديد هو( دكترة الأحزاب المتعددة) وهو نظام سياسي
شاذ، قد يكون ظهوره في مفاهيم الأنظمة السياسية لأول مرة.
أخيرا”.. قد يكون رفع الكتل الكونكريتية من شوارع بغداد، حالة مفرحة تعني
عودة مدينة السلام لرونقها وجمالها، الذي سلب منها قرابة عقد ونيف،
وإشارة على إستتباب الأمن وإضمحلال الإرهاب في عموم العراق، لا سيما
بغداد على وجه الخصوص، ولكن متى ترفع الكتل السياسية، ومتى يكون الدستور
أعلى من الكتل السياسية، بل ومتى نشهد سيادة القانون ليكون الجميع سواسية
أمامه، لا فرق بين عراقي وعراقي الا بمدى إنتمائه لوطنه ووطنيته وإخلاصه
من أجل تحجيم الفساد والمفسدين، إن غد” لناظره قريب.