الفساد، هذه المفردة المقززة، لطخة مشينة، ووصمة عار تُثير الاشمئزاز.. وتزري بحاملها.. لا تفارقه حتى وهو مقبور.. إلى يوم الدين!، تناولتها الكتب السماوية بالذم والاستهجان، وربطتها العدالة الربانية بالسقوط والرذيلة وجردت حاملها من كل ما يمت إلى الإنسانية بصلة، فارضة على مرتكبيها عقاباً دنيوياً وآخروياً تردد بين النفي، والقتل، وتقطيع الأيدي والأرجل، هذا في الدنيا. ويوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من آتى الله بقلب سليم. فالله وحده العالم بفضيحة المفسد.
أما في الأعراف العشائرية.. فتبدأ الفضيحة بالتشهير، ثم نبذه و”كسر عصاه” وترحيله! وحتى في حالة قبول “الفصل وطمطمة القضية” يبقى “الفاسد” محتقراً ولا تقبل له شهادة وتنفر منه الناس. وأما في الدول الأوروبية: فأول إجراء يُقدم عليه الموظف الفاسد هو تقديم إستقالتة. بعدها “تشتغل” المحاكم حتى تصبح فضيحتهُ بجلاجل، وأما إذا تورط بها الياباني “فهاي إللي كتبها الله عليه” لا ينقذهُ منها غير الإنتحار حسب طريقة الساموراي “ويفضها”!.
واستشراء الفساد في بلدنا المنكوب.. المنكود هذه الأيام.. وبهذه الصورة المرعبة المخيفة ليس من قبيل الصدفة، ولا هو بالظاهرة الطارئة، .. إنه حصاد بذور الشر والخبث والخراب التي غرسها المفسدون.. ورعوها طيلة السنين الأربعين السود.. وتقبلتها بعض النفوس الضعيفة مرغمة.. ونشأت عليها أخرى بغير وعي.. وورثها جيلٌ محبط شوهته الحروب! وحرفه العوز والحصار المفروض المتفق عليه!. ثم جرفه طوفان رذائلهم المقصودة المتعمدة فقد عزَّ على تلك الطغمة الفاسدة المفسدة أن تبقى عائلة عراقية شريفة غير ملوثة تذكرهم بمخازيهم التي غرقوا بمستنقعها وحاولوا بكل ما يملكون من خُبث إغراق العراقيين بأجمعهم ليضيع “الأبتر بين البتران” وليقضوا على كل ما أسمه فضيلة وقيم، ومثل، وأخلاق. لعلمهم إن الفساد يضعف المجتمعات ويحيل أفرادها إلى أشباح خاوية. وإرادات رخوة.. ونفوس لا أبالية، وهياكل هشة معصوبة العيون، مشلولة التفكير بحيث تستطيع أي عصابة منظمة قيادتها وتسييرها وفق أهوائها وإنحرافاتها.
وهذا ما حصل فعلاً.. فقد تمكن هُبل ورفاقه من تكبيل الجماهير المغلوبة على أمرها.. وسلب إرادتها.. وإخراجها من حرب لإحراق المتبقي في حرب أخرى، وجرهم من مستنقع لدفنهم في آخر أعمق !.
وجاءت مرحلة التغيير فكانت ساعة الفرج وكانت المتنفس! وكل تنفس بطريقته الخاصة متنفس وجدت فيه بعض الفئران غياباً للقط !. ووجد فيه بعض العبيد غياباً للسوط ! .