18 ديسمبر، 2024 6:38 م

متلازمة الصداع النووي الأيراني ،وكأس السمّ !

متلازمة الصداع النووي الأيراني ،وكأس السمّ !

من حيث المبدأ فان الحوار بين الشيطان الاكبر وأيران قد ابتدأ ، وعرّاب هذا الحوار كما هو معروف ، هو الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ، الذي التقى بالرئيس الايراني حسن روحاني فور وصول الأخير الى نيويورك مساء يوم الاثنين 23 /9/2019 ، بعد ان كان قد التقى الرئيس الامريكي ترامب صباح اليوم نفسه ، وسيلتقي مجددا مع ترامب صباح يوم الثلاثاء 24/9 لينقل له ما دار بينه ، اي ماكرون ، وبين حسن روحاني .

قبل كل شيء علينا ان نضع في الاعتبار أن ايران عندما اطلقت مبادرة هرمز يوم الاحد 22/9/2019 ، فانها كانت قد بعثت برسالة مشفّرة الى الولايات المتحدة مفادها انها مستعدة للحوار معها بشأن اعادة النظر في بعض بنود خطة العمل الشاملة المشتركة أو ما يسمى بالاتفاق النووي الايراني . والسؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هو لماذا وافقت ايران على اعادة التفاوض على بعض بنود هذا الاتفاق بعد مرور ما يقارب السنة على انسحاب الولايات المتحدة منه ، والجواب هو أولا : سياسة الضغوط القصوى الامريكية ضد ايران ، واخرها شمول البنك المركزي بنظام العقوبات . وثانيا الهجوم الذي تعرضت اليه منشئات آرامكو النفطية في السعودية حيث تتوجه اصابع الاتهام نحو ايران . واذا ما تمّ التحقق من ذلك فانه سيؤكد اأتهامات الادارة الامريكية لأيران من انها تسعى بشكل متعمد لزعزعة استقرار المنطقة وأمنها، وعندها ستخسر ايران الدعم الاوربي والذي ما زال قائما منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق . واذا ما صحت الاخبار الواردة من نيويورك في 23/9/2019 والتي تشير الى أن زعماء بريطانيا والمانيا وفرنسا خلال لقائهم على هامش اجتماعات الجمعية العامة قد حمّلوا ايران المسؤولية في الهجوم على منشئات آرامكو في السعودية في 14/9/2019 ، فان هذا الامر سيشكل ضغطا كبيرا على ايران . لذا كان لزاما على ايران ان تلجأ الى الحوار مع الولايات المتحدة تحت غطاء مبادرة هرمز التي سيعلنها الرئيس روحاني رسميا في خطابه امام الجمعية العامة صباح يوم الاربعاء المصادف 25/9/2019 ، وبعكس ذلك سيكون موضوع بناء تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لأحتواء ايران وردعها أمرا مقبولا وحيويا لحماية المصالح الدولية في منطقة الخليج .

واذا اردنا ان نستبق الاحداث ، وبغض النظر عن شروط وزير الخارجية الامريكي بومبيو الاثنتي عشرة ، فان مجالات الحوار ستنحصر في ثلاث قضايا أساسية ، الاولى غلق الثقوب السوداء الموجودة في الاتفاق النووي والتي ترى ادارة ترامب انها تسمح لأيران في العودة الى برنامجها النووي الايراني ، لأن الادارة الامريكية ترى في الاتفاق النووي الحالي انّه يقيّد أنشطة ايران النووية لمدة محدودة ، وهي عشرة سنوات ، بمعنى ان ايران وبحلول عام 2026 ستكون في حل من التزاماتها بموجب هذا الاتفاق، وبعد هذا التاريخ من الذي سيضمن عدم استئناف ايران لبرنامجها النووي . والقضية الثانية ، برنامج الصواريخ البالستية ، والتي ترى فيه ادارة ترامب تهديدا لأسرائيل وأوربا والملاحة البحرية في المياه الاقليمية والدولية وبالشكل الذي يهدد الانسياب الآمن لأمدادات الطاقة . وفي هذا الصدد فان ادارة ترامب تريد ان ترى في التعديلات على الاتفاق ما يضمن محدودية مديات الصواريخ البالستية الايرانية من جهة وعدم قدرتها على حمل رؤوس نووية من جهة أخرى ، لأن الاتفاق الحالي لم يتضمن برنامج ايران للصواريخ البالستية . اما القضية الثالثة فهي تحجيم دور ايران في المنطقة لأن الادارة الامريكية والغرب يرى في تمدد ايران غير الطبيعي تهديدا لأمن المنطقة واستقرارها ، ولقد اتهم ترامب في خطابه امام الجمعية العامة صباح يوم الثلاثاء 24/9/2019 ايران بأنها تذكي الحروب في سوريا واليمن . ان ادارة ترامب ترى ان هناك علاقة مباشرة بين هذه القضية وبين أمن أسرائيل وضمان أمن الطاقة . فنموذج حزب الله في لبنان التي ترعاه ايران يهدد أمن اسرائيل ، ونموذج الحوثي الذي تدعمه ايران في اليمن يهدد ضمان استمرار تدفق النفط .

في القضيتين الاولى والثانية ، فان الدلائل تشير الى ان أيران ستوافق على اعادة النظر في الاتفاق النووي الايراني بما يستجيب لشواغل ادارة ترامب ، وخاصة على اثر التسريبات الصحفية القادمة من نيويورك والتي عبّر فيها الرئيس الفرنسي ماكرون عن أمله في حدوث تقدم في ملف العلاقات الغربية مع أيران خلال الساعات القادمة، وأعلان الرئيس الايراني روحاني عن استعداده لمناقشة تعديل الاتفاق النووي ، وتصريحات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في نيويورك يوم الاثنين 23/9/2019 بان الوقت قد حان لأبرام اتفاق جديد مع ايران.

أما القضية الثالثة فترى ايران أنها يمكن أن تعالج في أطار مبادرة هرمز ، تحالف السلام والآمل . بيد ان المشكلة في هذه المبادرة أنها بالشروط التي جاءت بها محكوم عليها بالفشل من دون ان تحظى بدعم دولي ودعم من دول الخليج العربية على وجه الخصوص، وما لم تكن أيضا مقترنة باجراءات فعليه مقنعة لأدارة ترامب والغرب ودول المنطقة ، ويأتي في مقدمة تلك الاجراءات نزع سلاح حزب الله في لبنان ونزع سلاح الحوثيين في اليمن. فهل تقدم ايران الثورة على ذلك !!

يبدو ان المرحلة الراهنة تضع ايران أمام خيارين ، الاول التعامل بايجابية مع شواغل ادارة ترامب والغرب، والبدء في عملية تغيير المسار نحو ايران الدولة وهذا ما تتمناه وترغب فيه دول المنطقة والمجتمع الدولي . أما الخيار الثاني فهو الاستمرار في نهج ايران الثورة ، وعندها ستكون في مواجه مع الولايات المتحدة وأوربا وحلفائهما في المنطقة ، وان تتحمل ضغط العقوبات وتتحمل عواقب تنامي النقمة الشعبية الايرانية فضلا عن عدم قدرتها على تمويل التشكيلات العسكرية التابعة لها. كلا الخيارين يحدّ من امكانيات ايران الثورة من الاستمرار في سياساتها في تصدير الثورة والتمدد في المنطقة . فهل يتجرع قائد ايران الثورة الثاني كأس السمّ كما تجرّعه قائد الثورة الأول رحمه الله اية الله الخميني !.

ملاحظات توضع في الحساب

هل السيد روحاني يتصرف بموافقة مرشد الثورة !، وماذا لو كان ذلك فخّا نصبه المرشد ليقع فيه الاصلاحيون !!. ولماذا لا تكون مناورة لأمتصاص الضغط العالي واللجوء الى منطقة الظّل الرمادية الى حين !!! .