حقوق مسلوبة وحكومة مرعوبة, وشعبُ يقف على جرفٍ هار، اختلط عَلَيه الليل بالنهار, واصبح لا يميز البياض من الصفار, فلَم يستشعر متظاهروه ما يحيط بوطنهم من اخطار, غيوم وغبار غطت سمائهم فحجبت شمسهم عن الأنظار, وكلاً غدا واضع كفه على حاجبيه يبصر طريقه الذي لا يفصح لهم عن قرار, اتحدث عن العراق الذي اختلط فيه الحابل بالنابل, واضحى شعبه لا يميز الثور من الحمار.
حكومة سراق على مدى اربعة عشر عام, همها كان ولا يزال، السلطة والتسلط والكرسي العقيم, اضاعت من خلاله احلام الشعب الوردية, احلام لا تتعدى الماء والكهرباء والشارع الحَسِن، تعليم يحفظ مستقبل أطفاله، من الضياع في زحمة العولمة، خدمات صحية تحفظ للمريض حياته، من ان تهدر على يد طبيب او ممرض فاشل، حصل على شهادته من تعليم فاسد، بعدما اشترى الأسئلة الامتحانية من مدير تربية، باع ضميره قبل بيعها لأبن المسؤول اللص، الذي ما زال يسرق قوت الفقراء، لينعم بليالي وردية، في احضان عاهرات الملاهي والمراقص الليلية.
شعب يحلم بأبسط خدمات البلدية، التي تسلط عليها مهندس سارق، مكّنه حزب فاسد، يدعي ما ليس فيه من الصلاح, شعب يبحث عن مصدر للعيش ليس الرغيد، وإنما للعيش البسيط لكفاف اليوم.
هل هي ثورة جياع ام ثورة مجوعين؟ لم تختلط الأوراق على جميع المتابعين، فهناك من يراها بوضوح, ويقرأها بتأني ليعرف ماذا تخفي السطور بين طياتها، ليست اتهامات مفترات، وإنما مفردات واضحات، كوضوح البدر في ليلة تمامه، يتوسط كبد السماءٍ الصافية.
المظاهرات حق لشعبٍ سلبت منه ابسط سبل الحياة، من لدن حاكمٍ فاشل تعلق بكل ما أوتي من قوةٍ، كي لا يعطيها لغيره، كان قد ورثها من سلفه السابق صاحب القمقم، ليسلبها منه سلفه اللاحق صاحب اليد الفخارية، المطلية بماء الحديد، الذي ما انفك من الضحك على عقول البسطاء، لأربع سنواتٍ عجاف تقشفت بها وجوه الفقراء، اللذين يواصلون الليل بالنهار، من اجل ملأ بُطُون عيالهم بالفتات، سنواتٍ انتفخت وأُدبِلت فيها بُطُون المسؤولين الفاسدين.
متظاهرون يطالبون بحقوقهم المسلوبة، من حكومة فاسدة ومرعوبة، استغلتهم اصحاب المشاريع المكتوبة، فطنين الشعارات السابقة التي استخدمها دعاة الاصلاح، عادة لتطن في آذاننا مرةً اخرى، لتحجب عن مسامعنا الشعارات الوطنية الصادقة، ذكرتنا بمظاهرات استعراض العضلات، للحصول على اكبر قدر من الامتيازات، واستعطاف الجمهور الباحث عن الحياة، في ظل التيه والشتات.
غلق المنافذ الحدودية لجنوب العراق، لا ينبئ عن النوايا السليمة، لأن رائحة الاطارات المحترقة غيبت الرائحة الحقيقية لتلك الأفعال، إغلاق ومحاصرة وحرق بعض مواقع ومقار الشركات النفطية الأجنبية العاملة في العراق، لا تعني الضغط على حكومة تصريف الاعمال، وإنما ضرب لاقتصاد البلد, وهدر للثروة الأساسية التي تعتمدها الدولة، بالإضافة الى تحميل البلد ديون وخسائر فادحة لا يعلم بحجمها المتظاهر البسيط، الذي يبحث عن حياة كريمة له ولعائلته، فالشعارات والهتافات التي تقول ما فائدتنا من النفط الذي تقع وارداته في جيوب المسؤولين الفاسدين، هي لتجهيل المتلقي والسيطرة على عقله البسيط من خلال استغلال مطالباته بحقوقه المشروعة، من قبل المتباكين على زمن أبناء الرفيقات.
ان المحرك للتظاهرات خلف الكواليس، هو ذاته الذي هدد بحرب أهلية، في حال عدم حصوله على المقاعد المخطط لها سلفاً، وغيره الذي وعد بانفلات الشارع وعدم السيطرة عليه، في حال تغيرت بعض نتائج الانتخابات، والذين يريدون استعادة ايام الزمن السحيق، الذي أضاع مستقبل اجيال بلد كامل، دليل واضح على ضلوعها في حرق مكاتب احزاب سياسية دون اخرى، كما بدى واضحاً هجومها على المطار الذي لا علاقة له إطلاقاً بالخدمات الضائعة.
وصلت الرسالة واتضح المعنى، وعلت الموجة لراكبيها، وبانت معالم سياسة القوة، وفرض الامر الواقع، واصبح العراق على حافة الهاوية، فما ان تُزل قدمه حتى يذهب الى قعر الوادي المظلم، فما زال كثيراً من المتظاهرين لا يَرَوْن الحقيقة, ولا يسمعون صوت المتباكين على الزمن السحيق.
جعلوا من الحقوق المشروعة جريمة، ودفعوا بالأخوة الى ضرب بعضهم البعض الآخر، فكما كانوا يسمون القوات الامنية اذناب المحتل سابقاً، يسمونهم اليوم عبيد الدولة، لا لسببٍ ما، وإنما لإباحة دمائهم والاعتداء عليهم، فضياع الدولة يعني ضياع الجميع، فلا يسمح بمن كان وما يزال دمه يهدر لأنه يحكم، ان يترك دفت الحكم لذباحيه، كي يعودوا تحت مسميات جديدة بأفكار الماضي.