16 سبتمبر، 2024 9:49 م
Search
Close this search box.

مبررات القلق الاميركي والسعودي حول العراق

مبررات القلق الاميركي والسعودي حول العراق

في منتصف شهر  تشرين الثاني-نوفمبر الماضي زار رئيس هيئة الاركان الاميركية الجنرال مارتن ديمبسي العراق, في وقت كانت صورة الصراع في الميدان مع تنظيم داعش غامضة ومشوشة الى حد كبير,  وجاء الجنرال بعد مايقارب الاربعة شهور مرة اخرى الى العراق, بيد ان الصورة لم تعد غامضة ومشوشة مثلما كانت عليه في السابق, واذا بدا ديمبسي في المرة حائرا, فإنه في المرة الثانية لم يستطع اخفاء قلقه لا بشأن وجود تنظيم داعش وخطره وتهديده, وانما بخصوص الانتصارات الاخيرة التي حققها الجيش العراقي والحشد الشعبي وابناء العشائر.

  واستنادا الى وقائع ومعطيات الشهور التسعة الماضية، فأن الولايات المتحدة الاميركية، وضعت خطوطا حمراء على الحشد الشعبي، وطرحت سقوفا زمنية طويلة لانهاء تنظيم داعش في العراق، وقدمت بشكل او باخر دعما واسنادا لداعش، ولم تسمح لبعض الاطراف الاقليمية والدولية بالاضطلاع بأدوار اكثر فاعلية وتأثيرا في مساعدة العراق في حربه ضد الارهاب التكفيري الداعشي. ومنطلقاتها كانت ومازالت تتمثل في منع المكون الشيعي-الحشد الشعبي-من ان يكون رقما صعبا ومهما في معادلة الصراع القائم حاليا، لانها تعد أي تأثير وحضور فاعلين لهذا المكون وكأنه تمدد واتساع للنفوذ الايراني في العراق. وتتمثل تلك المنطلقات كذلك في عدم حسم الصراع وابقاء الامور تدور في حلقة مفرغة، وانتهاج سياسة التضييق على تنظيم داعش وليس انهائه، مع درأ خطره عن الاكراد وبعض مناطق ومدن المكون السني.

   ومايعزز ذلك، هو ان اجتماعا لقيادات عسكرية من الخط الثاني لاعضاء حلف الناتو عقد قبل اسابيع قلائل اكدوا فيه ان هدف التحالف الدولي ينبغي ان يقتصر على تحجيم تنظيم داعش ومحاصرته وليس القضاء عليه نهائيا.

   ومعلوم ان الاطراف الاكثر تأثيرا ونفوذا في حلف الناتو على الصعيد الدولي هي الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وفرنسا، واقليميا تركيا.

  بعبارة اخرى يمكن القول ان انطباعا ترسخ خلال المرحلة الراهنة لدى نخبا وفاعليات سياسة وفئات اجتماعية مختلفة، بأن الولايات المتحدة تريد استخدام داعش كفزّاعة وعامل تأزيم، حتى يتاح لها تمرير اجنداتها الخاصة ومخططاتها.

  ومن المعقول جدا ان يترسخ مثل ذلك الانطباع في الاذهان، لاسيما حين يتضح ان واشنطن ليست قلقة من داعش، وانما قلقة من الدور الايراني في العراق، والحضور المؤثر للمكون الشيعي، التي ترى هي وعدد من حلفائها انه يشكل خطر عليهم وتهديد لمصالحهم. ولعل وسائل الاعلام الاميركية المرتبطة والتابعة في مجملها لمراكز صنع القرار في واشنطن، لم تخف خلال الشهور القلائل الماضية تلك المخاوف والهواجس، واكثر من ذلك فأن الساسة الاميركان وفي عواصم عربية ودولية عبروا عن ذات المخاوف والهواجس.

   فوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عبر قبل بضعة ايام في لقاء جمعه مع نظيره الاميركي جون كيري عن قلق بلاده من تنامي النفوذ الايراني في العراق والمنطقة، واطلق تحذيرات للولايات المتحدة لما اسماه بتبعات الاحتلال الايراني للعراق، بينما لم يتحدث لا الفيصل ولا أي مسؤول سعودي اخر عن حقيقة وابعاد الخطر الداعشي بصورة مفصلة وجادة.

   وعاد الفيصل ليقول حين وجه اليه سؤال من احدى وسائل الاعلام عن تقييمه للعمليات العسكرية الجارية لتحرير محافظة صلاح الدين العراقية من عصابات داعش، ان ايران باتت تتحكم بالعراق!. وقبلها بوقت قصير اعتبر ان التمدد الشيعي خطر على المنطقة، اذ اكد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ان التحالف الغربي لن يسمح بتمدد الشيعة في المنطقة. وقال الفيصل في اجتماع لمجلس الشؤون السياسية والأمنية الذي عقد في الديوان الملكي مؤخرا بحضور الأمير محمد بن نايف نائب ولي العهد والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية، وأعضاء المجلس, “ان وجود القادة الشيعة في الخطوط الامامية للمعارك ضد تنظيم “داعش ” يمثل رسالة واضحة بأن المعادلة تغيرت وتحولت بشكل كبير لجانبهم وهي تدق ناقوس الخطر بالنسبة لنا”.

   وكلام الفيصل هذا جاء تعليقا على الصور التي تداولتها وسائل الاعلام  ومواقع التواصل الاجتماعي التي اظهرت رئيس المجلس الاعلى الاسلامي العراق معانقا بحرارة الامين العام لمنظمة بدر هادي العامري في مقر قيادة عمليات تحرير صلاح الدين.

   ويضيف الفيصل في الاجتماع المذكور، قائلا “رغم اختلافنا مع افكار تنظيم “الدولة الاسلامية ” المتطرفة الا اننا لم نكن نتصور في يوم من الايام ان يتعانق قادة الشيعة وهم يضحكون على اشلاء المقاتلين السنة في مسقط راس صدام حسين، حيث ان كارثة ستضرب المنطقة اذا استمر هذا الوضع”.

   المواقف السعودية السلبية هذه، تزامنت مع مخاوف اسرائيلية عبر عنها بوضوح رئيس وزراء الكيان الصهيوني في خطابه الاخير امام الكونجرس الاميركي الاسبوع الماضي، بقوله ان ايران باتت تسيطر وتهيمن على اربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، معتبرا انها تمثل الخطر الاكبر في المنطقة، وبدون شك فأن تل ابيب تعتبر المكون الشيعي في العراق امتدادا لايران، لذلك لاينبغي السماح له بالتمدد والهيمنة على حساب المكونات الاخرى، وهذه الرؤية هي ذاتها التي تتبناها الرياض، وكذلك تتبناها انقرة والدوحة وعواصم اخرى، وان بدرجات متفاوتة.

   ووفقا لمطلعين على مجريات النقاشات خلف الكواليس بين رئيس هيئة الاركان الاميركية وكبار المسؤولين العراقيين، فأن الجنرال ديمبسي كان منزعجا الى حد كبير مما قاله وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي في المؤتمر الصحفي المشترك لهما يوم الاثنين الماضي، بشأن المواقف الايجابية الايرانية واستجابة طهران لطلب المساعدة والدعم في مواجهة الارهاب في حين تنصلت وتجاهلت اطراف عربية اقليمية ودولية مثل تلك المطاليب.

   ورغم ان التحالف الدولي كان غائبا بالكامل عن الانتصارات الاخيرة على تنظيم داعش، الا ان ديمبسي حاول في اجوبته على اسئلة الصحافيين ان يظهر ان هناك دورا لواشنطن ولعموم قوى التحالف، وان هناك حرصا على امن واستقرار العراق، وسعيا جادا لمحاربة داعش والقضاء عليه، الا ان واقع الحال يؤشر الى خلاف ذلك تماما، ويؤكد بما لايقبل الشك ان اولويات واشنطن-ومعها الرياض وتل ابيب وعواصم اخرى-تختلف بالكامل عن اولويات بغداد.

   والمهم في الامر ان الانتصارات الاخيرة على داعش سحبت البساط من تحت اقدام الولايات المتحدة ومن يدورون في فلكها، فقد بات مطلب حل الحشد الشعبي جزءا من الماضي، والحديث عن ان القضاء على داعش يحتاج الى عدة اعوام لاقيمة له، وانشاء قواعد عسكرية اميركية هنا وهناك في العراق بحجة محاربة الارهاب بعيد كل البعد عن الحقائق على الارض، والتخويف من النفوذ الايراني في العراق على المكون السني لاصدى له، في وقت راح الكثير من الزعامات السياسية والعشائرية السنية تدعو الى بالاستعانة بطهران للتخلص من داعش بعدما يأست من الوعود والخيارات الاميركية العقيمة.

أحدث المقالات