18 ديسمبر، 2024 9:02 م

مبدعون من بلادي .. حوار الصراحة مع الباحث الموسوعي ومٌلاحق المستجدات الدكتور طه الزيدي

مبدعون من بلادي .. حوار الصراحة مع الباحث الموسوعي ومٌلاحق المستجدات الدكتور طه الزيدي

أن تدور باحثا في مسائل أشبعت بحثا ونقدا ودراسة وتأليفا وتصنيفا وتمحيصا بمتون وحواش وهوامش وذيول وشروح على الشروح شيء ،وأن تلاحق المستجدات والحادثات في عالمك وكل ما يحيط من حولك بما لم يتم بحثه من ذي قبل نزولا عند إلحاح الجمهور وللاجابة على تساؤلاته الحائرة شيء آخر تماما ،أن تؤلف كتابا أو كتابين بمجال أو تخصص معين شيء ، وأن تدلي بدلوك لتؤلف في مجالات عدة مشبعا نهم القراء ومجيبا عن إستفساراتهم المؤرقة شيء ثان ، ولعل هذا ما إنبرى له باحث عراقي مثابر عرف بملاحقته للمستجدات لبيان أحكامها وتفصيل مجملها وتوضيح مشكلها وتخصيص عامها وتقييد مطلقها إنطلاقا من وجهة نظر شرعية مقاصدية وعلمية تتميز بالواقعية وتتصف بالعقلانية وتتشح بالوسطية بعيدا عن الافراط والتفريط ،باحث له في كل جديد كلمة وفي كل مستجد بصمة كان آخرها وليس أخيرها ورقة بحثية بعنوان “الإفتاء عبر الاعلام الرقمي وسبل تعزيز الوعي بالمعرفة الفقهية لدى الجمهور” ومحاضرة بعنوان :” صناعة القدوة العلمية في ضوء نظريات التأثير الجماهيري” ألقيت ضمن فعاليات ” المؤتمر الاعلامي الدولي الأول للاعلام الرقمي وصناعة الوعي الجماهيري” الذي نظمته “منصة اريد ” بالتعاون مع “جمعية البصيرة للبحوث والتنمية الاعلامية” بثلاث نسخ ماليزية وعراقية وجزائرية وكلها عبر الانترنت والتواصل عن بعد ، انه الباحث الدكتور طه أحمد الزيدي، الذي أتحفنا بكتاب جديد في زمن الكورونا (كوفيد – 19 ) يضاف الى سلسلة مؤلفاته القيمة السابقة بعنوان (التوطئة في أحكام الأوبئة – في ضوء الفقه التكاملي) إلتقيته ليحدثنا عن ما يسمى بفقه ” المستجدات” كبديل يرجح بعضهم إستخدامه والكتابة والتأليف والتصنيف فيه بدلا من مصطلح شاع في فترة قريبة ماضية الا وهو” فقه النوازل ” اذ أن هناك من يتحفظ على المصطلح الأخير ذاك أن النوازل تعني المصائب وليس كل حادث ومستجد في عالمنا المعاصر هو مصيبة وإن كان بعضها كذلك ،فمن المستجدات ما فيه خير البلاد والعباد إن أحسن إستثماره وتوجيهه على النحو الأمثل ليرتقي بالمجتمع الى أفق أرحب، وبدأنا بسؤاله عن سبب تأليفه في المستجدات وما أبرز مؤلفاته في هذا المجال المهم فضلا عن الجوانب الأخرى غير المطروقة سابقا فأجابنا مشكورا :
– الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد : فحياكم الله اخي الكريم الاستاذ أحمد ، وجميع الاخوة القراء والمتابعين ، من المعلوم أن لكل فن من فنون البحث والتأليف رجاله، يحسنون التصنيف فيه ، بناء على مخزونهم المعرفي، وتخصصهم العلمي وتنوعه لديهم ورغبتهم وهمتهم وادراكهم لأهمية هذا الحقل من المعرفة لأهل العلم أو للمجتمع، ولولا هذا التنوع لخرجت المعرفة شوهاء قصيرة في جانب وطويلة في جانب آخر، قوية في مجال هزيلة في غيره، وسبب اندفاعي نحو التأليف والبحث في الفقه والقضايا المعاصرة دون تحقيق التراث، لأن الباحث أمير والمحقق أسير، وفي كل خير، كما أن التصدر للإفتاء والتعرض لتحرير المسائل المستجدة بحكم عملي في القسم العلمي ثم قسم الفتوى في المجمع الفقهي العراقي وبحكم مشاركاتي في المؤتمرات الفقهية والاعلامية الدولية كل ذلك عزز لدي الرغبة في معالجة القضايا المستجدة، وبحث المشاكل المعاصرة التي تتطلب حلولا شرعية واقعية تتجاوز المعالجة التقليدية، والتصدي للمسائل المعاصرة ذات الشأن العام كقضايا السياسة الشرعية والاعلام الاسلامي، ولما لها من تأثير في المجتمع.

س2 – وما هي أهم مؤلفاتكم في المستجدات والقضايا المعاصرة؟

ج: في الفقه كتاب أحكام جرائم المعلومات في الفقه الاسلامي والقانون، وقضايا معاصرة في الفقه والسياسة، وترشيد الخلاف الفقهي في وسائل الاعلام، وسلسلة قضايا فقهية معاصرة وتضم ست رسائل علمية (قروض السكن دراسة مقاصدية فقهية – حكم الطلاق عبر أجهزة الاتصال الحديثة – التسويق الشبكي في ضوء فقه المآلات -الضوابط الشرعية لاستخدام مواقع التواصل والالعاب الالكترونية – أحكام التعاملات المالية الالكترونية المعاصرة – التوطئة في أحكام الاوبئة في ضوء الفقه التكاملي).

وأما في السياسة الشرعية: فلنا كتاب المرجعية في ضوء السياسة الشرعية، ونظريات السلطة في السياسة الشرعية، والتأصيل والتحرير في السياسة الشرعية والاعلام والفضاء،

وأما في الإعلام الإسلامي: فلنا كتاب الإعجاز الإعلامي في القرآن الكريم – تأصيل وتفعيل، والمدخل إلى التفسير الإعلامي، والمرجعية الاعلامية في الاسلام، والمسؤولية الاخلاقية للإعلام الاسلامي، والتربية الاعلامية، وإعلام حقوق الانسان، وفقه المصطلحات دراسة تأصيلية وتطبيقية في السياسات الاعلامية.

س3: على الرغم من الحظر الوقائي الذي أجلس 4.4 مليار إنسان حول العالم في منازلهم بعد أن حصد الوباء أرواح عشرات الالوف وأصاب اكثر من ثلاثة ملايين إنسان في أرجاء المعمورة ، صدر لكم كتاب (أحكام التعاملات المالية الإلكترونية المعاصرة ) ضمن اصدارات المجمع الفقهي العراقي، يعالج خمسة تعاملات مالية كبرى تجري عبر التواصل الالكتروني برؤية فقهية مقاصدية معاصرة ،حدثنا قليلا عن خلاصة هذه التعاملات الخمسة التي تناولتها في كتابك لاسيما وأن جميع التعاملات ونتيجة الحجر الصحي وحظر التجوال قد أصبحت الكترونية من خلال الكي كارد والماستر كارد ونحوها بما فيها رواتب المتقاعدين والموظفين .

ج: العلم لا يعرف حظرا زمانيا ولا مكانيا، ولذلك نجد كثيرا من علمائنا ألفوا رسائل وكتبا مطولة في اثناء العزلة والسجن، كالإمام السرخسي صاحب المبسوط وشيخ الاسلام ابن تيمية صاحب الفتاوى والراغب الاصفهاني صاحب حلّ متشابهات القرآن، والسيوطي صاحب اللألئ المصنوعة في الاخبار الموضوعة، ومن المعاصرين سيد قطب صاحب في ظلال القرآن، كما نجد كثيرا من الناشطين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني كتبوا رسائلهم الجامعية في السجن، فالعزلة للمؤلف نعمة يغتنمها للتأليف والكتابة، يقول عليه الصلاة والسلام: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ، وقد منّ الله علينا في اغتنام الحظر الصحي في تأليف كتاب التوطئة في أحكام الأوبئة والذي هو الان تحت الطبع، وما زلت مستمرا في تأليف كتاب معجم ألفاظ الإعلام في القرآن الكريم لأتمم به موسوعة الإعلام في القرآن الكريم، كما أنعم الله عليّ في هذه المدة بمراجعة وتدقيق كتابنا التفسير الاعلامي للقرآن الكريم بأجزائه الثلاثة.

وأما كتاب أحكام المعاملات المالية الالكترونية المعاصرة فقد فرغت منه قبل الحظر وتمت طباعته مع بداية الحظر، ويعالج الكتاب ابرز المستجدات التي تواجه المجتمعات الاسلامية المتعلقة بالتعاملات المالية الالكترونية ، إذ يشهد العالم تقدما كبيرا وواسعا في مجال تقنيات التواصل عبر شبكات الانترنت، فظهرت التجارة الالكترونية لتعطي تصورا جديدا لمسألة اتحاد المجلس، ومعها قامت شركات كبرى تمارس نشاطات تجارية ومالية وتسويقية متنوعة، يقابله ظهور شركات وهمية تستغل اندفاع كثير من المستخدمين للأنترنت نحو تحقيق مكاسب مالية، لترمي بشباك النصب والاحتيال عبر برمجيات لا وجود لها الا في الفضاء الافتراضي، ولأجل ضبط بوصلة التعاملات المالية من غير تساهل يؤدي الى أكل الربا أو اموال الناس بالباطل، أو تشديد لا يراعي الواقع ويوقع الناس في الحرج، ولاسيما أن هذه التعاملات أصبحت معلما للحياة المعاصرة لا يمكن تجاهلها أو اهمالها، وايمانا منا بأن الفقه الاسلامي فقه حيوي ومتجدد يجمع بين الثوابت والمتغيرات، يواكب المستجدات ويعالج النوازل والحوادث ضمن اطار اجتهادي يقوم على فهم النصوص ومراعاة مقاصد التشريع واسراره في جلب المصالح ودرء المفاسد ، وفهم الواقع والواجب فيه، واعتبار المآل والتنبه للذرائع ، وهذه وظيفة أهل الذكر الذين ملكوا ادوات النظر والاستنباط ، الذين يحرصون على بيان الاحكام الفقهية في القضايا المعاصرة المتعلقة بمختلف جوانب الحياة، وتقديم الحلول الشرعية للمشكلات والازمات التي تواجهها المجتمعات الاسلامية والاقليات، لذلك جاء هذا الكتاب ليعالج الأحكام الشرعية لخمسة تعاملات مالية تجري عبر الانترنت، وهي: التجارة في موقعي امازون وايباي، والتعامل مع شركات الفوركس بشقيها العام والاسلامي، والاشتراك في شركات الوساطة للاستثمار والتسويق الالكتروني، والتعامل مع العملات الالكترونية الافتراضية المشفرة المعماة، وتوصلت الدراسة الى أن بعضها جائز كالتجارة في موقع امازون وايباي مع مراعاة بعض الضوابط الشرعية للتعامل التجاري فيها، وبعضها لا يجوز لما فيه من الربا وأكل اموال الناس بالباطل والغرر والاحتيال، كشركات الفوركس والوساطة في الاستثمار الالكتروني، وبعضها بحاجة الى اتخاذ خطوات تتولاها الجهات الحكومية ليتم اعتمادها شرعيا كالعملات الافتراضية المعماة، ولله الحمد والمنة فقد استجاب عدد كبير من الشباب للأحكام التي توصلت اليها الدراسة وتركوا العمل بالمحظور منها شرعا، وبعد صدور كتابنا صدر عن دائرة التفتيش والرقابة في هيئة الاوراق المالية العراقية كتاب رسمي يحذر من التعامل مع شركات الوساطة الالكترونية للاستثمار في اسهم الشركات الدولية لغلبة صفة الوهمية عليها.

س4: أنت القائل ضمن سلسلة بشائر بـ ” ثبات أجر الجمعة والجماعة لمن تركها لسبب قاهر ” كيف ذاك ؟

ج: من روائع ديننا الاسلامي مراعاته للجانب النفسي في تشريع الاحكام، تحقيقا للسكينة ولاسيما في باب العبادات، وعند انتشار وباء كورونا كوفيد – 19 وما تتطلب من اجراءات وقائية تحقيقا للمصلحة العامة والخاصة ومنها ايقاف صلاة الجمعة والجماعات في المسجد، مما أثر على نفسية شريحة واسعة ممن قلوبهم معلقة بالمساجد، فكان لا بد من بيان إحدى مبشرات ديننا الحنيف متعلقة بهذه الجزئية ، ومفادها أن من واظب على صلاة الجمعة والجماعة في المسجد، فحبسه عذر أو منع عنها لأمر خارج عن إرادته وقدرته، فنبشره أن الأجر والثواب يكتب له كاملا، لأنّ قواعد الشريعة: أن من أراد عملا صالحا وبذل أسبابه ومنع منه بمانع خارج عن قدرته وإرادته فإنه حينئذ يكتب له الأجر كاملا، في الصحيح قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «إِذَا مَرِضَ العَبْدُ، أَوْ سَافَرَ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» ، وأخرج البخاري أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حينما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة، فقال: «إنّ بالمدينة أقواما، ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم» ، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟ قال: «وهم بالمدينة، حبسهم العذر»، ومعلوم أن السكينة والطمأنينة تقوي الجانب المناعي لدى الانسان وهو ما يحتاجه في مواجهة الامراض الوبائية، فكانت هذه المبشرات لتحقيق هذا المقصد العظيم.

س5- في مقالك الأخير بمجلة الاعجاز العلمي تحدثت عن ” الاكتشافات العلمية النظرية والتطبيقية للعلماء المسلمين الأوائل” وقد نال المقال استحسانا كبيرا ، حبذا لو تعطينا نبذة عن أشهر هذه الاكتشافات بشقيها النظري والتطبيقي .

ج: من المعلوم أن الإسلام حث على العلم وعلى تدبر آيات الله في خلق النفس البشرية، وسننه في الآفاق، ورفع منزلة العلماء، مبينا أن من مقاصد الشريعة في تحصيل العلوم ونشرها ثلاثة: – ترسيخ العبودية لله تعالى، وتعظيم توحيده، وزيادة الخشية منه، وتوظيف مخرجات العلم المتجددة في تحقيق ذلك، (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)، وتكريم الانسان وخدمته، وتسخير مخرجات العلم ليقوم بوظيفة الاستخلاف في الارض، ولحفظ ضرورياته التي لا تستقيم الحياة الانسانية الكريمة الا من خلالها، وبناء المجتمعات وعمارة الارض، وتعزيز التعارف بين المكونات الانسانية والتعايش الحضاري السلمي، قال تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا )، ووضع الاسلام ضابطين للعلم المحمود : عدم مخالفة الشريعة، والنفع وانتفاء الضرر.

وبذلك فتح الاسلام الافاق أمام علماء الشريعة للتأمل في الحقائق العلمية الكونية، ووسع دائرة توظيف العلوم التطبيقية لخدمة الانسان والارتقاء بالمجتمع، ولذلك جاءت هذه الدراسة لتعالج جهود علماء الشريعة في التعامل مع الحقائق العلمية ومنها: حقيقة كروية الارض واثبات الجاذبية، قال الإمام ابن حزم (ت 456هـ): إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم (رضي الله عنهم) لم يُنكروا تكوير الأرض، ولا يُحفظ لأحد منهم في دفعِه كلمة، بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها، وقال الإمام فخر الدين الرازي(ت606هـ): ” ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها، وقال المقدسي (ت381هـ) رحمه الله: ” أما الأرض فإنها كالكرة، والأرض جاذبة لما في أيديهم من الثقل؛ لأن الأرض بمنزلة الحجر [المغناطيس] الذي يجذب الحديد.

وأما انجازات علماء المسلمين في العلوم التطبيقية، فيأتي في مقدمتها إتقانهم بناء المراصد الفلكية وصنع آلاتها، وصنع الاسطرلاب، ومنها صناعة الساعات بأنواعها، وقد وصف مؤرخ قصر شارلمان (اليارد) وكذلك بعض المصادر العربية ساعة الرشيد فيقولون: “إنها ساعة ضخمة بارتفاع حائط الغرفة ، تتحرك بواسطة قوة مائية ، وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد معين من الكرات المعدنية بعضها اثر بعض ، بعدد الساعات فوق قاعدة نحاسية ضخمة ، فيسمع لها رنين موسيقي ، يسمع دويه في أنحاء القصر ، وفي نفس الوقت يُفتح باب من الأبواب الاثني عشر المؤدية إلى داخل الساعة ، ويخرج منها فارس يدور حول الساعة ، ثم يعود إلى حيث خرج ، فإذا حانت الساعة الثانية عشر يخرج من الأبواب اثنا عشر فارسا مرة واحدة ، ويدورون دورة كاملة ثم يعودون فيدخلون من الأبواب فتغلق خلفهم”.

وأما قمة الانجاز العلمي فكان على يد عالم الميكانيك بديع الزمان أبي العز اسماعيل بن الرزاز الجزري البغدادي ، من علماء القرن السادس الهجري ، إذ يعدّ أول من ادخل (الرجل الآلي) إلى الخدمة المنزلية، فقد صنع لأحد الخلفاء آلة على هيئة غلام منتصب القامة ، وفي يده ابريق ماء وفي اليد الأخرى منشفة ، وعلى عمامته يقف عصفور ، فإذا حان وقت الصلاة يصفر الطائر ، ثم يتقدم الخادم نحو سيده ، ويصب الماء من الإبريق بمقدار معين ، فإذا انتهى من وضوئه يقدم له المنشفة ، ثم يعود إلى مكانه والعصفور يغرد ، حتى كان اعجوبة زمانه ، كما انه أول من صنع مكاتب تعمل بالرقم السري ، لحفظ نفائس الكتب ومنها كتابه الجامع بين العلم والعمل النافع.

ولعل من مقاصد هذه الدراسة دعوة علماء المسلمين وحث شبابنا الجامعي الى بدء نهضة علمية لنجمع بين الإيمان والعلم وبهما نقود العالم، ونقدم من جديد حضارة تنقذ البشرية وان تقدمت علميا من الخواء الروحي لنجنبها ويلات التوظيف الدموي للمكتشفات العلمية كما حصل في الحربين العالميتين ويحصل اليوم من تدمير الشعوب بالأسلحة التقنية والجرثومية والمناخية.

س6- مع كثرة الوفيات بسبب وباء كورونا وحيرة الناس ،بل قل تخوفهم من دفن الموتى الذين قضوا بالوباء حتى ان الكثير من ذوي المتوفين قد أحجموا كليا عن دفنهم فضلا عن تغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم ، وكان لكم رأي فقهي محترم في كل ذلك ، حبذا لو أوجزت لنا رأيكم في المسألة مناط البحث هاهنا للفائدة العامة .

ج: أذكر قبل ثلاث سنوات توجه الى المجمع أحد طلبة الدراسات العليا بأسئلة تتعلق بقضايا معاصرة طالبا رأي المجمع الفقهي العراقي فيها وكان من بينها سؤال عن كيفية غسل ودفن الموتى الملوثين اشعاعيا، وحينها كلفت بتحرير هذه المسألة، وعندما بدأ الحديث عن وباء فايروس كورونا المستجد ، واطلاعنا على بعض التقارير العلمية الدولية بشأن التعامل مع جثة ضحايا هذا الوباء، عدنا الى تحرير المسألة السابقة وتنزيلها على حالة موتى وباء كورونا، وملخصها: إن اكرام الميت واجب شرعا، ولكن إن تعسرت بعض واجباته لحصول مفسدة تصيب الحي أو وقوع حرج فالواجبات الشرعية مقيدة بالاستطاعة، وتسقط بالعجز أو الحرج الشديد، فيؤتى منها المستطاع، بحسب ما يراه أهل الاختصاص فيما يتعلق بآثار انتشار الوباء.

فإن لم يكن التغسيل ممكنا فييمم، بمسح الوجه والكفين، فإن لم يتمكن من التيمم مباشرة؛ لتجنب التقرب، والملامسة، أو لمنع فتح الكيس الذي غلفت به الجثة، فلا بأس أن يدفن بغير غسل ولا تيمم كحال فاقد الطهورين، ويكفن بلفافة فإن تعذر إخراج الجثة من الكيس الخاص بها، فيعد الكيس كفنا له بمثابة اللفافة ويكتفى به، وإن أمكن لفه فوق الكيس بلفافة فعل.

ويصلى عليه صلاة الجنازة, من قبل من يباشره، ولو عن بعد، وإن لم يتمكنوا من الصلاة على الجنازة فيصلى على قبره ولو عن بعد، مع مراعاة المدة أو المسافة التي يحددها أهل الاختصاص لتجنب انتقال العدوى أو التلوث الوبائي، فإن لم يفعل ذلك، فتصلى عليه صلاة الغائب، وليس في ذلك امتهان للميت، وإنما تغلب المصلحة العامة للأحياء على المصلحة الخاصة بإكرام الميت.

وأما ما يتعلق بدفنه فالأصل أن يحفر له ويدفن لحدا، فإن خيف من تلوث التراب أو نبشه من قبل الدواب ما يؤدي إلى انتشار الوباء، أو عند عجز من يتولى دفنه فعل ذلك لخشية التلوث أو لكثرة الموتى، فيدفن بما تراه اللجنة الطبية المختصة أسلم لمن يتولى ذلك أو للمجتمع, فإن اقتضت المصلحة العامة دفنه بتابوته وعلى عمق معين ووضع مادة تمنع انتشار التلوث من اسمنت وغيره، أو اختيار مقبرة خاصة لدفن موتى الوباء، فلا حرج في ذلك؛ لأن حرمة الحي وحفظ نفسه أولى من حفظ جثة الميت، والله سبحانه وتعالى أمرنا بالاحتكام إلى أصحاب الخبرة في أمور الدين والدنيا التي لا يوجد فيها نص صريح، أو تعذر إعمال النص.

س7- (الإعلام والأمن المجتمعي رؤية واقعية واستشرافية) هذا هو عنوان المؤتمر العلمي الدولي السادس للإعلام الذي نظمه مركز البصيرة بالتعاون مع منصة اريد ، بمشاركة (38) بحثا علميا، لباحثين من داخل العراق وخارجه ، وقد ترأست جنابك الكريم المؤتمر المذكور والقيت كلمته الافتتاحية ، ترى ما هو الدافع الأساس لإقامة هذا المؤتمر العلمي وما هي رؤيته ورسالته واهدافه ؟

ج: في البدء نحن بفضل الله تعالى نحمل شهادتي دكتوراه الاولى في فسلفة الاعلام تخصص اعلام اسلامي، والثانية دكتوراه في العلوم الاسلامية تخصص فقه مقارن، واستحقاقات كل تخصص مطلوب القيام بها، ومن هنا يأتي اهتمامنا بمعالجة القضايا الاعلامية، ادراكا منا أولا: لأهمية الاعلام ، فليس هنالك خلاف في اهميته ودوره المؤثر في الاسرة والمجتمع فقد أصبحت وسائل الإعلام مصدراً مهماً من مصادر المعلومات، وموجّهاً قوياً لسلوك كثير من أفراد الجمهور، وتنامي دورها في التأثير وفي تشكيل الرأي العام والقدرة على الإقناع والتغيير، ومع تقدم المجتمعات وتحضرها، يزداد تعقدها واندماج وسائل الإعلام فيها، حتى أصبحت وسائل الإعلام جزءاً لا يتجزأ من المجتمع، ولاسيما في الأزمات والأحداث الساخنة، وثانيا: ضرورة ضبط العمل الاعلامي ليشكل عنصر استقرار في المجتمع ولا يعد معول هدم ، واخيرا أن علاقة الإعلام بالأمن المجتمعي يرتبط ارتباطا مفصليا مع مستوى الوعي الذي تمتلكه المجتمعات في التعامل مع المحتويات والمضامين التي يبثها الإعلام بمختلف وسائله من حيث مهارة الاختيار من جهة ومهارة صناعة المحتوى المضاد من جهة أخرى ، فالأمن الفكري للمجتمعات مرتبط بالتربية الإعلامية والرقمية التي يتلقاها أفراد المجتمع والتي عن طريقها فقط يمكن أن يحصن نفسه ويكون في مأمن من تداعياتها الخطيرة ، وهو أمر بحاجة للبحث والتقصي العلمي المستمر لكي تواكب المجتمعات كل مراحل التطور السريعة التي يشهدها الإعلام ولاسيما الإعلام الجديد ، ومن هنا اصبحت الحاجة ملحة لعقد مؤتمر اعلامي يعالج هذه القضايا ، فارتأت الهيئة الادارية لجمعية البصيرة للبحوث والتنمية الاعلامية عقد مؤتمرها العلمي الدولي السادس بعنوان (الإعلام والأمن المجتمعي رؤية واقعية واستشرافية) محددة أهدافه : بتشخيص الأزمات المتعلقة بالأمن المجتمعي نتيجة استخدام الإعلام الرقمي، والتأكيد على دور الإعلام الهادف في تعزيز الأمن المجتمعي ومواجهة الفكر المتطرف، وتحديد مسؤولية المؤسسات كافة في توظيف الإعلام لتحقيق السلم المجتمعي، وتحديد وسائل وقاية المجتمعات من جرائم الإعلام الرقمي ، ومن ثم التعرف على التحديات الفكرية المتطرفة لمخرجات الإعلام الرقمي، واخيرا وضع مشروع برنامج (تربوي –إعلامي) لتعزيز الأمن المجتمعي.

س8 – لكم سلسلة نشرت تباعا بعنوان ” تأملات دعوية ” لصناعة الداعية ، وإدارة الدعاة ، ودور الداعية ، ترى ما المقصود هنا بالداعية تحديدا هل هو الفقيه ، المحدث ، المفسر ، الامام ، الخطيب ، الباحث في اصول الفقه ، أم ان مفردة ” داعية ” تتسع لتشمل ” الكتاب والاعلاميين والمفكرين والباحثين والأدباء والشعراء ” ايضا اذا ما نذروا اقلامهم للدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة ومن غير افراط وتفريط ؟

ج: كل من يدعو الناس الى الله تعالى والى الاسلام ، فهو داعية مع مراعاة ثلاثة شروط لاستكمال مقوماته، وهي: الدعوة على بصيرة ، ومقصدها الاصلاح ، وسورها الاخلاص والتجرد، فالدعوة مظلة أوسع من جميع المفردات التي ذكرتها وكلها تندرج تحتها، بل قد نجد داعية من تخصصات علمية غير الدراسات الشرعية، يحسن العمل الدعوي وجاء بنتائج مذهلة تفوق بعض الدعاة المتخصصين، وفي كل خير، إن الدافع وراء كتابة هذه التأملات الدعوية التي جاءت بدعوة من منتدى دعاة العراق هو ايماني بأن الدعوة وظيفة ربانية تكاملية تراكمية واقعية متجددة منضبطة مؤسساتية، وهذه الصفات تقتضي وضع برنامج أو مشروع تطويري تحت مسمى (صناعة الدعاة ) أو (ادارة الدعاة)، وما دام هنالك صناعة أو ادارة فلا بد من تخطيط مدروس ضمن دائرة الامكانات المتاحة يقدم برامجا لتطوير الدعاة في العراق مع الاهتمام بالمتابعة وتقويم مراحل الانجاز، ولا بد أيضا من توظيف التقنيات المعاصرة ونظريات التأثير الجماهيري في عملنا الدعوي، فالله تعالى يؤكد حقيقة الانتماء البيئي للداعية (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)، ولذا يذهب علماء الاتصال الى أن مفهوم اللسان لا يقيد باللغة فقط، بل بمنظومة انماط الثقافة المتوارثة ، وأدوات التواصل ووسائطه واساليبه وانماطه، ولذا لسان القوم الدعوي يتطور سواء في المحتوى والأساليب أو القوالب، فلكل عصر ادواته وأساليبه ولغته ، ومع سنة الله تعالى في تطور المجتمعات وحركة التغيير فيها والتجديد فان هذه الادوات والأساليب تخضع بلا شك لسنة التطور ، ويذهب بعض علماء الاتصال الى أن تطور المجتمعات ومرورها بعصور مختلفة يصنف بناء على نوع وسائل الاتصال في ذلك العصر وهي (الاشارة والشفوية والمكتوبة والمسموعة والمرئية)، ولعل من اسباب ولوجي ميدان الاعلام هو إدراكي أن الاعلام يعد في عصرنا من اعظم المنابر الدعوية وأكثرها تأثيرا واوسعها ميدانا، وأقولها بصراحة ان عصر القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي فرصة للدعاة ان يعززوا البعد العالمي للدعوة الاسلامية بشرط حسن التوظيف في المحتوى والشكل.

س9 – لكم كتاب يتحدث عن فقه المصطلحات: دراسة تأصيلية وتطبيقية في السياسات الاعلامية.. عن اية مصطلحات يتحدث الكتاب وما جدوى الحديث عنها حاليا ؟

ج: أصل هذا الكتاب محاضرة القيتها في المحفل العلمي الدولي وقد عقد في ماليزيا، والفلسفة التي يستند اليها هذا الكتاب أنه إذا كانت اللغة تمثل جسر التواصل مع الآخرين ، فإن المصطلحات والمفردات تمثل مادة هذا الجسر ودعائمه، والبشرية لا غنى لها عن هذه المادة ، ولا تقوم على غير هذه الدعائم منذ أن خلق الله تعالى آدم عليه السلام والى يومنا هذا، ومن يملك ناصية صناعة المصطلحات ، فإنه يملك أداة التفوق والريادة، والمقصود بالمصطلحات في هذه الدراسة هي الوافدة التي يستند اليها التواصل العلمي والحضاري، وتفوق الغرب في ميدان الانتاج العلمي جعله يتفوق في تصدير متطلبات ذلك من صناعة مصطلحات فرضت التبعية على عالمنا العربي والاسلامي والانقياد اليها، وتكمن خطورة هذه التبعية ليس في هذه المصطلحات العلمية الجديدة بقدر ما في المفاهيم التي تعبر عنها، فهذه المصطلحات ليست كلها تقنية، فنسبة كبيرة منها تروج لمفاهيم يختلط فيها السياسي والفكري والعلمي وتحيل إلى دلالات لها أبعاد ثقافية ترتبط بالهوية العربية والإسلامية التي تعكسها اللغة العربية، وهي في نظر كثير من المفكرين” تشكل أحسن أداة لنقل المبادئ” ، بل أخطر أداة إن لم تتم معالجتها عند التعريب، لأنها نبتت ونشأت في بيئة غربية لها تصورات مغايرة للبيئة العربية والإسلامية التي نعمل على نقل المصطلح اليها، وتشتد خطورة المصطلحات حينما تكون جزءا من حرب نفسية، ترمي من خلالها القوى المتصارعة النيل من معنويات عدوها وخصومها، فمن شروط استقلالية الدول استقلاليتها في منظومتها الاصطلاحية، وليس هذا يعني الانعزالية الحضارية او المعرفية ، فالمصطلحات على نوعين: فهنالك مصطلحات مشتركة تمثل حقا مشاعا لجميع الشعوب، وقاسما مشتركا بين الحضارات واستعمالها حق لجميع أبنائها، فمثلما العلم رحم بين أهله، فمصطلحاته رحم بين لغات الشعوب، ولكن هنالك لكل أمة مصطلحات خاصة تعبر عن معتقدها ورسالتها وريادتها، وهي من مقومات هويتها، ومن هنا كانت الدعوة لتأسيس وتأصيل فقه المصطلحات ليتم من خلالها السعي لانتاج مصطلحات عربية اصيلة تعزز الوجود الحضاري للغتنا ، كما يعمل على توظيف الوافد منها بما يجنب مجتمعاتنا مفاسدها ويجلب منافعها، وهذا الفقه يقوم على أصول لعل من ابرزها: حق المصطلح محفوظ ، وعليه لا ينبغي التلاعب في استخدام دلالة المصطلح في غير موضعه، والمصطلحات الهوية الحضارية للأمة، والمصطلح ابن بيئته، فالذي ينقل المصطلح الوافد او يترجمه عليه ان يكون ملماً ببيئتين: البيئة التي ولد فيها المصطلح، مطلع على أعراف أهلها ومعتقداتهم ومدلولات عباراتهم، والبيئة التي ينقل إليها المصطلح ودلالاته، مراعيا معتقداتها وقيمها، الاهتمام بالترشيد الاصطلاحي ، بمراعاة مقصدية المصطلح ومآل دلالاته، ومراعاة التطور الاصطلاحي والتجديد الدلالي، لقد ادركت بعض الدول العربية تداعيات المصطلحات وضرورة احتوائها بما يحفظ هويتها وقيمها فقامت بانشاء مجامع للغة العربية من بين وظائفها تعريب المصطلحات الوافدة، وهذه خطوة مهمة في ايجاد المعادل اللغوي العربي لهذه المصطلحات.

وأخيرا تتجلى جدوى دراسة المصطلحات لما لها من أثر في تشكيل شخصية المسلم المعاصر، ولما لها من تداعيات على حركة المجتمعات ومحاولة التحرر من سيطرة القوى الغربية وكشف سياساتها توظيف المصطلحات لخداع الشعوب واخضاعها والتحكم بها، وهذا يمثلا تحديا كبيرا يحتاج الى جهود كبيرة لمواجهته .

س10 : انت مهتم كثيرا بالمسؤولية الاخلاقية للتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي ولك محاضرات فاعلة في ذلك ، ترى ماهي رؤيتك لهذا النوع من التعامل الاخلاقي مع المواقع التي اصبحت الشغل الشاغل لمعظم ابنائنا وبناتنا .

ج: لعل من أبرز الدوافع للعناية بهذا الامر ايماننا بأن الأخلاق الفاضلة تشكل الدعامة الأولى لصيانة الانسان وحفظ الأمم والشعوب والمجتمعات، وبفضلها ينهض العمل الصالح النافع من أجل خير الأمة والمجتمع، وما من حضارة أو أمة حادت عن مبادئ الأخلاق الفاضلة وانحرفت نحو الترف والإسراف والفساد والانحلال الخلقي إلا دمرها الله بترف أبنائها وإسرافهم وفسادهم، فخطر الانحلال الخلقي على الأمة والمجتمع أعظم بكثير من الخطر المادي المحسوس، ومن جانب آخر تعد مواقع التواصل الاجتماعي من الوسائل الحديثة التي أصبحت جزءا من الحاجيات الأساسية في حياة الأفراد ولمختلف الفئات العمرية، ونظرا لما تتميز به هذه الوسائل من خصائص تتجلى بسهولة استخدامها وتوفرها في الأجهزة الحديثة وقلة تكلفتها وسرعة تداول المعلومات فيها وتنوعها من الكتابة إلى الصورة وحتى الفيديو، ونظرا للحرية التي تعطيها هذه الوسائل لمستخدمها والفضاء المفتوح أمامه ، ولضعف دور رقابة الدولة وكذلك الأسرة مما يجعلنا نعول بشكل أساس على الوازع الديني الذاتي للمستخدم فهو خير رقيب لمن يختلي بجواله الذي يعد نافذة واسعة لعالم مفتوح فيه معلومات عن كل شيء، ولذلك جاءت هذه الدراسة لتعزز المسؤولية الاخلاقية الشخصية لدى مستخدمي هذه المواقع، وتأتي في مقدمتها : استشعار مراقبة الله تعالى ، لأنه في حالة الضعف التي يمر بها الإنسان وفي ظل غياب رقابة الأسرة ، فلا يعول الا على استشار الرقابة الإلهية لتصرفات الإنسان وسلوكياته ، وقد أكدت النصوص الشرعية على ذلك ، يقول الله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)، ثم الالتزام بالتوجيهات الشرعية، فمعيار التصفح لهذه المواقع هو جلب المنافع ودرء المفاسد وكل ما يؤدي إليهما، فمثلا الحرص على تصفح المواقع التي تضم الفوائد الشرعية أو العلوم النافعة التي تخدمك في تخصصك العلمي أو عملك ، يقابله تجنب الدخول إلى المواقع التي تنشر الرذيلة وتعرض الفواحش صورا وأفلاما أو التي تسيء للإسلام ولرموزه أو تدعو إلى الإلحاد والكفر والضلالات، ومنها احترام نعمة الوقت ؛ لأن الأصل في صناعة هذه الأجهزة وتصميم هذه المواقع لاختزال الوقت والجهد ، وتجعلك تصل إلى المعلومة التي تريد بأقل وقت وأدنى جهد ، وأن تتواصل مع من تريد من غير تكلفة ولا تضييع وقت، ولكننا للأسف نجد أكثر الذين يتعاملون مع هذه الوسائل يصرفون أوقاتهم ويضيعون هذه النعمة بالانكباب عليها الساعات الطوال، ومن التوجيهات للتعامل مع هذه المواقع الحرص على أداء الطاعات، فمن خلال الملاحظة والدراسة يتبين أن كثيرا من المولعين بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي والمدمنين على مخرجات برامجه على جوالاتهم ينشغلون عن أداء العبادات من الصلاة على وقتها أو صلاة الجماعة أو قراءة القرآن والأوراد والأذكار، ومنها التثبت من المعلومة قبل إعادة نشرها ، فمواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالمعلومات والأخبار التي لا يعرف مصدرها، ولذا على المسلم المتصفح أن يكون حريصاً على عدم إعادة نشر المعلومة التي تصله قبل أن يتثبت من صحتها، ويتوثق من مصدرها ومظانها، ولاسيما التحقق من دقة الآيات القرآنية، ومقبولية الأحاديث النبوية سندا ومتنا، والتوثق من العبارات المنسوبة للعلماء، وأخيرا الفائدة المرجوة من نشرها ، كل ذلك قبل أن يسارع بإعادة ارسالها.

كما أكدنا على ضرورة مراعاة الضوابط المتعلقة بالتواصل بين الجنسين وأولها وجود المسوغ الشرعي للتواصل، وتجنب استخدام الصور الشخصية وتبادلهما، والاكتفاء بالمحادثة الكتابية، وتجنب المحادثات بالصوت والصورة مع الأجانب والأجنبيات، وعند الحاجة يجب الالتزام بأدب الحديث المباشر بترك التميع والخضوع بالقول والالتزام بالملبس المحتشم وعدم التعمق في الاحاديث العامة، إن هذه الضوابط تهدف اولا لإنقاذ المسلم والمسلمة من فتنة هذه المواقع، ومن ثم حفظ المجتمعات من فوضى الاعلام الرقمي ومفاسده.

إن أهمية هذا الموضوع جعلنا نصدر (3) كتب بهذا الشأن وهي المسؤولية الاخلاقية للإعلام الاسلامي والتربية الاعلامية والضوابط الشرعية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي وهذا الاخير كان محط اهتمام كبير فبعض وسائل الاعلام الملتزمة استأذنت منا في بثت حلقات من برامجها مستوحاة منه وكذلك اخبرني أكثر من خطيب مسجد بأنه أفاد من الكتاب في سلسلة خطب بهذا الشأن وهذا من فضل الله تعالى أن يسخر ألسنة بعض الدعاة ومنابر اعلامية لتنقل افكارك الاصلاحية وتنشرها بين الناس.

س11: نود من جنابك الكريم ان تحدثنا عن “مركز البصيرة ” وأهم نشاطاته خلال الفترة القليلة الماضية .

بعد عام 2003 عملنا مع نخبة من الاعلاميين على تأسيس الرابطة الاسلامية للإعلام والتي عقدت مؤتمرها في مطلع شهر نيسان من عام 2004 بحضور عشرات الشخصيات والمؤسسات الاعلامية الهادفة، وتحت مظلة هذه الرابطة تم تأسيس مركز البصيرة للبحوث والتطوير الاعلامي في عام 2006، ليتولى الجانب العلمي والتدريبي للرابطة، ثم ارتأت الهيئة الادارية تسجيله كجمعية علمية مجازة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي سنة 2011، فالبصيرة صرح علمي ذو اهتمام وتخصص في مجال البحث العلمي المتعلق بالدراسات الإعلامية التأصيلية والنظرية والتطبيقية، وبحوث استطلاعات الرأي العام ، وفي مجال التدريب والتطوير الإعلامي للعاملين في وسائل الإعلام يضم في عضويته نحو 150 استاذا جامعيا وباحثا واعلاميا، وأما اهم انجازات مركز البصيرة فهو عقد سبعة مؤتمرات علمية دولية متخصصة في الاعلام، واصدار أكثر من 46 مؤلفا مطبوعا بالتعاون مع دور نشر عربية ومحلية، واقامة نحو 68 دورة اعلامية داخل العراق وخارجه شارك فيها 800 متدرب، وعقد عشرات الندوات العلمية والاعلامية، وسجل حضورا عالميا من خلال عضويته في رابطة الاعلام المرئي الهادف الدولية ورابطة الصحافة الاسلامية الدولية ، وعقد اتفاقيات تعاون مع مؤسسات علمية ومراكز بحثية وتطويرية داخل العراق وخارجه، كما أعد نحو 76 دراسة متخصصة لمؤسسات دولية، ونحو 195 مقالة علمية وتقرير عن الشأن العراقي.

وسجل المركز حضورا علميا واعلاميا في كثير من الجامعات العراقية وهو عضو مؤسس في المجلس الاعلى للجمعيات العلمية في العراق، ونظرا لنشاطاته المتميزة منح المركز لقب افضل جمعية علمية في العراق من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

س12: وماذا عن أنشطة وفعاليات ” منصة اريد ” العلمية؟

ج: منصة اريد وعاء علمي عالمي تواصلي يدعم الباحثين الناطقين باللغة العربية لتوثيق مسيرتهم العلمية والبحثية وتسهيل البحث والأرشفة للجميع ويوجد في المنصة مجموعة من الخيارات تتيح لأساتذة الجامعات والباحثين الناطقين باللغة العربية عرض سيرتهم المهنية والأكاديمية بطريقة مدروسة، وتنظم عملية البحث عن أسمائهم في جميع محركات البحث عبر رقم تعريف يحصل عليه فور تسجيله في الموقع، وتهدف المنصة الى النهوض بواقع العلماء والخبراء الباحثين من الناطقين بالعربية عبر تقديم خدمات حقيقية واقعية تعذر تقديمها من قبل وفق صيغ عمل مؤسسي مبرمج خاضع لمناهج متقدمة لتحقيق هذا الهدف، وتسعى الى فتح آفاق التعاون العلمي المستمر ومشاركة الطاقات والأفكار والقدرات والعلاقات بغية تحقيق إنتاج علمي أعلى جودة وأكثر إتقانا ونفعا للإنسانية، وتعمل على مد جسور واقعية فعالة لتلاقي وتعارف الثقافات العالمية المتنوعة لأثراء البحث العلمي، وتميزت باقامة محافل علمية دولية تضم مجموعة من المؤتمرات الدولية في التخصصات العلمية الفاعلة، وقامت باصدار موسوعة للشخصيات العلمية التواصلية، تضم في عضويتها نحو 39 ألف باحث من شتى الدول العربية والاسلامية، ولنا شرف السبق في التعاون مع مؤسسها الدكتور سيف السويدي منذ مراحل التأسيس، ومن ثم نيل عضوية الهيئة الاستشارية العليا فيها، ونحمل نحو سبعة اوسمة من اوسمتها العلمية واخيرا اكرمنا الله تعالى بفوز مدونتنا العلمية فيها بالمرتبة الاولى ضمن مدونة “عالم” التي شارك فيها مئات الباحثين، كما قام مركز البصيرة بفعاليات علمية مشتركة مع هذه المنصة الرائدة.

س13 : لنختم حديثنا وبصفتك عضو فاعل في ” المجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والافتاء ” عن أهم اصدارات وفتاوى المجمع الفقهي في ظل الحجر الصحي وحظر التجوال بإيجاز .

ج: المجمع الفقهي العراقي مرجعية شرعية لأهل السنة في العراق، يضم نخبة من كبار علماء العراق داخله ومن جميع التيارات الفكرية والمذهبية، يعتمد الاجتهاد الجماعي والشورى في اصدار قراراته وفتاواه، واستطاع المجمع خلال مدة قصيرة بناء شبكة علاقات علمية ومجتمعية واسعة مع شخصيات ومؤسسات رسمية وغير رسمية من داخل العراق وخارجه، وللمجمع نشاطات علمية تتمثل باقامة المؤتمرات والدورات العلمية المتنوعة ، ويتولى رعاية طلاب العلم الشرعي ضمن برنامج كرسي العلماء، واسهم بترشيد الفتاوى وتبني الخطاب الاسلامي الوسطي، واصدر المجمع نحو 72 اصدارا مطبوعا يمثل مؤلفات علمية ورسائل جامعية وكتب دعوية، كما قام المجمع بحملات دعوية ابرزها حملة “غير نفسك في رمضان” بخمس نسخ ، وحملة “محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا ” بخمس نسخ ،وحملة “عراق بلا تطرف”، كما اطلق حملات اغاثية لتقديم المعونات الى اهلنا النازحين والمهجرين والعوائل المتعففة، كل هذه النشاطات جعلت له حضورا جماهيريا في الساحة العراقية.

واما عن نشاط المجمع خلال الحظر، فقد اصدر المجمع فتاوى عدة تتعلق بأحكام اقامة صلاة الجمعة والجماعات في المساجد في اثناء الحظر، وكذلك ما يتعلق بغسل ودفن ضحايا وباء كورونا، وأكد المجمع أن الحجر الصحي واجب شرعا، وعلى المصاب ومن يشتبه به، الالتزام به كإجراء وقائي، وعدّ كل من يتعمد نشر الوباء مرتكبا لجريمة يستحق عليه عقوبة رادعة.

كما اصدر فتوى بشان وجوب صيام رمضان، ويحرم على المسلم الإفطار في رمضان بحجة أنّ الصوم يضعف المناعة أو الحاجة إلى شرب الماء باستمرار كإجراء وقائي ضد الوباء، فقد تأكد المجمع الفقهي العراقي من مصادر علمية طبية عليا موثوقة: أنّ من لم يكن مصابا بوباء كورونا؛ يستطيع الصيام، ولا علاقة لصومه بضعف المناعة، أو بأي إجراء وقائي منه، وبذلك انتفى أن يكون عذرا لإسقاط وجوب الصيام، وعدّ الاصابة بالوباء مرض يجوز للمصاب الافطار في رمضان بعد استشارة طبيب مختص، كما دعا المجمع الى دفع الزكاة للعوائل المتعففة التي تضررت بسبب حظر التجوال وتعطلت اعمالها ولاسيما اصحاب الاجور اليومية ، مؤكدا ،ان ” القربات تدفع الابتلاءات” ، كما قام القسم الانساني بحملة توزيع آلاف من السلات الغذائية بين العوائل المتعففة في نحو 8 محافظات عراقية في فترة الحظر الصحي قبل شهر رمضان وخلال ايامه المباركة بالتعاون مع ائمة وخطباء المساجد وبعض الجمعيات الاغاثية

واستطاع القسم الاعلامي في المجمع تسجيل أكثر من 60 حلقة تتضمن محاضرات وعظية تم تسويقها لأكثر من (5) قنوات فضائية لبثها خلال شهر رمضان المبارك، كما تم التنسيق مع “قناة ديوان ” لبث برنامج افتائي يومي بعنوان “والله اعلم ” يستضيف فيه فضيلة الشيخ العلامة أحمد حسن الطه حفظه الله ، كبير علماء المجمع للإجابة عن اسئلة المشاهدين.

وفي الختام نود التذكير بأن للدكتور طه الزيدي مؤلفات أخرى لعل من أبرزها:

كتاب ” المسجد الأقصى رحلة تاريخية ومنهجية ، وكتاب ” بشارات وصفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أنجيل برنابا 2001″ ، والمرشد المساعد في دورات تحفيظ القرآن الكريم في المساجد بالاشتراك2002″ و” الجامع لأخلاق المرأة المسلمة” ط1- 2000 وط2- 2004 وط3 – 2005 “، وكتاب ” قواعد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” 2004.، وكتاب ” نفحات رمضان 2005 ” وكتاب ” المنهج في العمرة والحج ط1/ 2005 وط2/ 2009، وط3/2014 وط4/2018 ،وكتاب ” الإعلام الإسلامي الواقع والطموح” بالاشتراك2007 ، ” وكتاب ” الصحافة الإسلامية في العراق ” ط1/2005، وط2/ 2007 ” و” دليل الإعلام الإسلامي ” 2008 و” المرجعية الإعلامية في الإسلام ” ط1/ 2009، ط2/ 2014 ، اضافة الى ” معجم مصطلحات الدعوة والإعلام الإسلامي” ط1/ 2009، الطبعة الثانية تحت الطبع ، و” الخطاب الإسلامي في عصر الإعلام والمعلوماتية بالاشتراك 2010 ” والتربية الإعلامية والمسؤولية الاجتماعية للإعلام الإسلامي بالاشتراك2012 ، و” المسؤولية الأخلاقية للإعلام الإسلامي 2012 ، و” القنوات الفضائية وتأثيرها على المجتمع وفئاته بالاشتراك 2012 و ” تدريس الحديث النبوي وعلومه … الأصالة والمعاصرة، ط1/ 2011، ط2/ 2016 و ” المرجعية في ضوء السياسة الشرعية، ط1/ 2013، ط 2/ 2016م، والثالثة تحت الطبع ، ومقومات التجديد والوسطية في الخطاب الإسلامي- 2015 ، وقضايا معاصرة في الفقه والسياسة الشرعية ، وترشيد المعرفة الدينية في وسائل الإعلام (برامج الإفتاء أنموذجا) ، وأحكام جرائم المعلومات في الفقه الإسلامي والقانون ، التأصيل والتحرير لمسائل في السياسة والإعلام ، إعلام حقوق الإنسان في العراق ، ترشيد الخلاف الفقهي في وسائل الإعلام ، المقابلة في تحقيق المخطوطات.

تأبطت أوراقي شاكرا لفضيلة الدكتور طه الزيدي ،الذي يمثل علما من أعلام العراق ورمزا شامخا للشخصية العلمية الاعلامية التواصلية ، وخير سفير لعلماء العراق في العالمين العربي والاسلامي سواء بشخصه الكريم أوبمؤلفاته وأفكاره التي تجاوزت المحلية الى العالمية.إنتهي.