18 ديسمبر، 2024 3:39 م

مبدأ مساواة المرأة والرجل بالحق الأرثي

مبدأ مساواة المرأة والرجل بالحق الأرثي

لقد جاء الأسلام كمنظومة حياة سياسية وأقتصادية وأجتماعية , ووضع الأصول والفروع في العقائد والعبادات والمعاملات لتنظيم المجتمع الأسلامي الحنيف , وفقآ لمبدأ تحرير الأنسان من مثالب الجاهلية وليتمم مكارم الأخلاق ويضع الحقوق والواجبات على قاعدة المسلمين كأسنان المشط , بالمساواة في الحقوق والواجبات , وقد جعلت منظومة العدالة الأجتماعية الأسلامية الجميع يتحمل واجباته ويتمتع بحقوقه , ومنها أن المرأة المسلمة العاملة وغير العاملة , لها في المنظومة الأقتصادية الأسلامية دور ملكي يستند لقاعدة أنها مصونة أقتصاديآ وغير مسؤولة , وبالتالي يتحمل الرجل المسلم تبعات الجانب الأقتصادي للنفقات الشرعية للزوجة والوالدين والأبناء والأخوات غير المتزوجات والأقرباء المعسرين كلآ حسب درجته بالأرث الشرعي لمبدأ المثل , من مثل أن الزوج المسلم الموسر عليه نفقات المأكل والملبس والسكن وأجور التطبيب وأجور الحضانة والرضاعة , وهذا كله عند تمام تطبيق المنظومة الأسلامية في الدولة , والتي تحقق العدالة الأقتصادية والأجتماعية في المجتمع , ويكون هناك تطبيق حقيقي لجباية الأموال للزكاة والصدقات وجباية نسبة من أموال أهل الذمة لبيت المال وحسب النسبة الشرعية لمال المسلم والذمي , وفي ظل غياب موارد أقتصادية طبيعية للدولة الأسلامية من غير هذه المصادر , وتوزع الحقوق الشرعية على مستحقيها لتحقيق العدالة الجتماعية في النظام الأسلامي.
وعندما تطورت مفاهيم الدولة العصرية وأعتمدت النظم السياسية للدول الأسلامية على مباديء الدولة المدنية الحديثة والتي تعتمد على القوانين الوضعية , تغير الأمر في كثير من التطبيقات في الدول الأسلامية , حيث تغيرت منظومتها السياسية والأقتصادية والأجتماعية وبما يتناسب ومفاهيم الدولة المدنية , وأدخلت مباديء وقيم وأسس للحياة تقترب أو تبتعد بكثير من قواعدها عن مفهوم القواعد الشرعية بالمنظومة الأسلامية , وأصبح أجتزاء قواعد شرعية من منظومتها المتكاملة الأسلامية تمثل عبأ على الأسلام والمسلمين في الدول الأسلامية , وذلك أننا عندما نأخذ قاعدة شرعية لتطبيقها في الدولة المدنية الحديثة فأننا نظلم الأسلام ونحمله مسؤولية هو براء منها كما وأننا نثقل الدولة المدنية ونحملها مسؤولية بعدم المساوة بين مواطنيها , وبعبارة أخرى لو أننا طبقنا كل القواعد الشرعية في منظومة متكاملة وبشكل لا يجزأ هذه القواعد ويخرجها من مضمونها وغاياتها , كان للبعض محل للنقد والتجريح عليها , ولكن أن نأخذ بعض منها ونحاول وضعه في قالب لا ينتمي أليها ونبدأ بتجريحه والأنتقاص منه فهو عين الظلم للقاعدة ومشرعها , أو أن نأتي ببعض مباديء الدولة المدنية ونحاول تطبيقه في ظل نظام عشوائي ليس له وصف أو تعريف فهو خليط من الأفكار والمباديء والقواعد الشرعية , فأننا نظلم أساسات الدولة المدنية ونشوه قيمها التي تعتمد مباديء وقيم وضعية تهدف للعدالة الأجتماعية بمبدأ المواطنة .
وعندما نأتي الى القاعدة الشرعية في ظل المنظومة الأسلامية المتكاملة للعدالة الأجتماعية وتطبيق الحقوق والمساواة وفقآ لمبادئها , والمتعلقة بتوزيع الأرث بين الذكر والأنثى ونعطي الذكر ضعف ما تأخذه الأنثى , فأننا نستند الى التكامل الأمثل لتطبيق القواعد الشرعية والتي تهدف لتحقيق العدالة بين الجميع , وبالتالي لا مقام للنقد والتجريح عليها , ولكن أن نأتي بهذه القاعدة الشرعية ونقحمها في ظل نظام الدولة المدنية الحديثة والتي تستند الى المساواة في الحقوق والواجبات طبقآ لمبدآ المواطنة , فأننا نعرض ديننا وشرع الله الى التطاول والتفقيه عليه من المتفلسفين والمستشرقين وغيرهم , ونصبح سائرين بدوامة الدفاع عن القاعدة الشرعية المجتزأة من منظومتها المتكاملة , ولا نعطي حق للدولة المدنية الحديثة لترسيخ قواعدها والتي تهدف في النهاية والأرتقاء بمبادئها ونظامها الى تحقيق العدالة .
أذن عملية الأجتزاء لبعض القواعد الشرعية أصبحت ثقلآ على الأسلام والمسلمين في ظل غياب تطبيق متكامل لهذه القواعد الشرعية وسحبها من سلسلة العدالة التكاملية في المجتمع الأسلامي , مع غياب تام لبقية القواعد الشرعية لأنها أصبحت أختيارية وبما يتناسب وعقلية الحاكم في الدولة الأسلامية, وتمرير القاعدة الشرعية المجتزأة من حلقتها في دساتير وضعية بعيدة بمفاهيمها الحديثة عن الصورة المتكاملة للمنظومة الأسلامية .
وهذا أدى الى حرمان المرأة من حقها بالمساواة مع الرجل بالحقوق والواجبات في ظل الدولة المدنية والتي تخلط مفاهيمها الوضعية مع القواعد الشرعية المجتزأة , وأستمرينا بحرمان المرأة من حقها الأرثي بالمساواة مع الرجل داخل الدولة التي تدعي مدنيتها الوضعية , وتبتعد بكثير من مفاهيمها وقيمها عن القواعد الشرعية الأخرى , وما وصلنا أليه من تخندق بدفاعنا عن النوايا الطيبة لشارع هذه القاعدة الشرعية , لم يجعلنا نوضح ظلمنا لهذه القاعدة الشرعية عندما أخذناها من بيئتها ووضعناها في بيئة غريبة لا تتناسب مع نواياها وأهدافها الأقتصادية لو بقيت في بيئتها الطبيعية للمنظومة الأسلامية المتكاملة , وبالتالي ظلمنا المرأة وأستلبنا حقوقها .
الخلاصة- أن أعتمادنا على مفاهيم الدولة المدنية الحديثة وأيماننا بعدالتها السياسية والأقتصادية والأجتماعية , وأبتعادنا عن تطبيق المنظومة الأسلامية كمنظومة حياة , يجعلنا نطالب بحق المساواة بين المرأة والرجل في الحق الأرثي , ونعيد للمرأة حقوقها المستلبة من الأنظمة العشوائية والتي تخلط بين مفاهيم الدولة المدنية والقواعد الشرعية المجتزأة , ونطالب بالمساواة الأرثية في ظل غياب المنظومة الأسلامية المتكاملة .
* مدير المركز الوطني للعدالة
المملكة المتحدة – لندن