27 ديسمبر، 2024 8:56 م

مبادئ قرآنية سامية تنقضها التفاصيل 1/4

مبادئ قرآنية سامية تنقضها التفاصيل 1/4

هناك مجموعة مبادئ قرآنية سامية، وهي لا شك صحيحة، سواء بحكم العقل الفلسفي أو بحكم العقل الأخلاقي. منها ما يمثل قواعد عقلية، ومنها ما يُمثِّل مُثُلا إنسانية، ومنها ما يُعَدّ من مستلزمات الحكمة. ونجد إن هذه المبادئ الصحيحة التي يضعها القرآن، تُنقَض في التفاصيل، كمن يضع دستورا جيدا يُنقَض من قبل القوانين، أو كما لو كان لدينا مفهوم صحيح أو جميل، لا تكون مصاديقه صحيحة أو جميلة. فالإسلام على سبيل المثال نزّه الله في صفاته الذاتية، لكن لم يُنزّهه في صفاته الفعلية، فهو رحيم كصفة ذاتية، لكنه يعذب أناسا على ما لا يستحقون عليه العقاب، ناهيك عن العذاب، ناهيك عن أن يكون العذاب خالدا أبديا في النار، ناهيك عن أن يكون التعذيب بأقصى درجات الوجع، ومختلف ألوان العذاب، ما لا يُتصوَّر، ولا يُتحمَّل، ولا يُتعقَّل، وما لا اختيار للمُعذَبّين فيما يعذبون بسببه. أو إنه أي القرآن نزّهه سبحانه على مستوى المفهوم، لا على مستوى المصاديق، على مستوى النظرية، لا على مستوى التطبيق. وكأن واضع النص القرآني قد حمّل الله ازدواجية الإنسان، بتعبير آخر نجد إن صفات الله الفعلية التي نسبها الإسلام إلى الله، استحالت مِعوَلا هدّم البنيان الجميل لصفاته الذاتية، والتشريعات التفصيلية هدَّمت مبادئ الشريعة السامية، أو لنقل إن الشكل لم ينسجم مع الجوهر، بل نقضه. تُذكَر هنا بعض الأمثلة على ذلك:

«لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفسًا إِلّا وُسعَها»، أو «يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ العُسرَ»: من لوازم الحكمة، ومن لوازم الرحمة حتى في عالم الإنسان النسبي، ألّا يكلف المرء أحدا فوق طاقته، ومن يفعل خلاف ذلك، فهو مفتقد إما للحكمة، وإما للرحمة، بل حتى للعدل، وهكذا بالنسبة لاختيار اليسر وترجيحه على العسر. فإذا كان التكليف فوق الطاقة، واختيار العسر، في الوقت الذي يكون خيار اليسر في متناول اليد، يُعَدّ غير محمود، إذا ما مورس من قبل الإنسان، فيكون امتناع ذلك على الله من قبيل الأولى من ضرورات العقل. هذا المبدأ المثبَّت في هذين النصين إذن هو مبدأ صحيح، وحتى لو لم يخبر به القرآن، وحتى مع التسليم إنه كتاب الله، فإن العقل يأبى إلّا تثبيت هذه الحقيقة. ولكن أحكام الإسلام في كثير من تفاصيلها، هي تكليف فوق الطاقة، وفيها من العسر، ما لا ضرورة له، ولا فائدة منه، على سبيل المثال لا الحصر تزويج الصغيرة، فتتحول إلى زوجة، وإلى أم لأطفال، وربة منزل، قبل أن تستوفي استمتاعها بطفولتها. ومن الأمثلة على تحميل الإنسان فوق الطاقة فريضة الجهاد والقتال، لا من أجل تحرير الإنسان، ومن أجل العدل والرفاه، ودفاعا عن الحقوق المهضومة، إنما ليس إلا من أجل العقيدة، وتوسيع رقعة انتشارها. وهكذا هو الأمر مع المبالغة في عدد الصلوات اليومية الواجبة وعدد ركعاتها، وحتى لو لم يكن بعض مما ذكرت ليس مرهقا، فهو في كل الأحوال هدر للوقت ولطاقة الإنسان وإضرار بالحياة الاقتصادية، وكذلك المبالغة بعدد أيام الصيام، وطول مدته، بما في ذلك الامتناع عن شرب الماء، الذي ثبتت أضراره طبيا، وصيام الصغيرة، ووجوب استجابة الزوجة للرغبات الجنسية لزوجها في كل الأحوال، وغيرها كثير. [أن يعطي الإنسان من وقته، ومن راحته، ومن ماله، ومن الكثير من مصالحه، من أجل قضايا كبيرة في الحياة، من أجل خدمة الإنسانية، والمساعدة في الموارد الضرورية، وإنقاذ حَيَوات، وتحرير شعب، وغيرها، يعدّ بلا شك أمرا محمودا، ولكن التشريعات الدينية تسبب هدرا في الوقت والراحة والمال، من أجل أمور لا فائدة منها، علاوة إلى أنها تمثل في كثير من الأحيان اعتداءً على الطفولة، أو ظلما للمرأة، أو تخريفا للعقول، أو تعميقا للخلافات، وغيرها مما ضرره أكثر من نفعه، وإثمه أكبر من برّه.]