رغم ان الراي الذي يقول ان جماعة سياسية محلية “بعينها” هي التي تسببت بتهجيرنا هو رأي خاطئ وموجه من جهتين ولسببين : الاول من الحكومات الطائفية الفاشلة التي دبرت مؤامرة اطلاق الارهابيين من السجون وادخالهم الفلوجة كمنطلق اول ثم ختمت بالموصل ، فروجت ومازال مطبلوها يروجون لذلك دون فهم – والغرض هو التملص من الذنب وإلصاقه بناس ابرياء مسالمين خرجوا يتظاهرون دستوريا ومطالبين بحقوق دستورية وشجب معاملة طائفية تهميشية إضطهادية ذلك الوقت.
والثاني هو الجماعة السياسية التي استثمرت ظروف مابعد ذلك وانتخابات مابعد التخلص من “الأرهاب” إعمارا تارة واعلاما تارة اخرى ومغازلة لرأي البسطاء بالوعود تارة ثالثة -وساعدهم استقرار المدن فنجحوا وفازوا ثم تشبثوا بما وصلوا اليه وأداموه بما تهيأ لهم من وسائل “صلحت أم طلحت” تبعا لمشاهدات المواطن اليومية وتعرضه للترغيب والخدمات و التضليل او الترهيب أحيانا ، أو تبعا لاستفادته الفعلية “بناء واستقرارا وخدمات لا ينكرها ولا تخفى على عينه” ، او استفادة البعض بالطرق الملتوية غير المشروعة ايضا “لفئة الموظفين المرتشين” والمنتفعين المزورين وامثالهم ،
وغرض تلك الجماعة-وهذا مانريد التوقف عنده- هو التسقيط السياسي لإخلاء الساحة من منافسين يعتقد ان لهم جماهيرية في الساحة او “كان لهم جماهيرية يوما ما” ويخشى ان الجماهير مازالت تريدهم ، ولمناقشة هذا الامر عقلانيا لغرض الحكم ثم القرار في الانتخاب او غيره يجب البدء من اهم وأول المباديء وليس من آخرها – فالانجازات وتوفير الخدمات مهمة جدا ولكنها ليست من المبادئ السياسية ولا الديموقراطية وانما هي من المؤهلات الترجيحية والواجبات الحكومية ايضا التي نجدد الثقة للسياسيين على اساسها او نستبعدهم -بالتصويت- إن اخفقوا ، ولكن الاهم والذي قبل ذلك هو الحرية والجو السياسي الصحي وشرف التنافس وحق الرفض او القبول والطروحات المكفولة والمتساوية الفرص لكل جهة او مترشح ، ثم ترك المواطن يقرر بما يرى امامه وليس بالتضليل او الترهيب ، (أليست هذه هي الديموقراطية التي تعرفها الدول “الحديثة” إن صدقنا بها وقبلناها)!
ومن هذا المنظار فان الذي يجري ومانراه على وسائل الاعلام ومنصات التواصل ضد العائدين الى الساحة السياسية في أغلبه هو حملة تسقيط -لاشك- مدفوعة الثمن ومحسوبة بذكاء ومسخر لها جيوش الكترونية وصفحات وهمية وحسابات ترويجية ، ولكن يبقى لدينا في النهاية سؤالان عطفا على -جملة رغم ،،- التي بدانا بها مقالنا ، وهما :
هل ان الذين يسيطرون على المشهد السياسي اليوم هم افضل من الذين كانوا يسيطرون سابقا ، وهل ان التسقيط الممول يدل على شيء ، الجواب الاول برأيي: هو نعم الذين يحكمون اليوم او يمثلون على نطاق الغربية افضل طبقا للتنفيذ على الارض ، وكذلك تبعا لزيادة ثقل المنطقة التي يمثلونها ايضا بسبب قدراتهم السياسية ومناوراتهم الذكية مع شركائهم في الوطن والتي لا يمكن نكرانها ، وهذا تبين بعد ان تمت تجربة الحاضرين واستذكار السابقين ،
السابقون -العائدون اليوم- كانوا موظفين تقليديين في مناصبهم ولا حول لهم ولاقوة ولا تاثير لهم على الساحة العراقية ولا الدولية ولايعرفون في الحقيقة الف السياسة من بائها ، وانا كتبت عن ذلك سابقا واسميتهم -اطفال في السياسة- قياسا بمن يسيطر على المشهد في الغربية اليوم ويمثله بعد ذلك على مستوى الدولة ، لا ارى وجها للمقارنة وإن -طبعا- تخلل بعضهم “اقصد الحاليين” الضعف او الوعود الوهمية ولكن في الإجمال فان السياسيين العائدين اليوم لم تكن لهم قيمة تذكر في المحافل وفي العراق وليس لهم اثر ، وهم وإن كانوا ظلموا في الصاق سبب التهجير بأفعالهم ولكنهم ايضا لا ايجابية لهم الا عند فئات فردية محددة (تعيين في وظائف على القرابة والمحسوبية) فقط لا غير ، وان كنت ناسيا شيئا فليتفضل ليذكرني أحدكم مشكورا ،
الجواب الثاني : نعم التسقيط الممول يدل على شيء مهم وخطير وهو رفض الآخر والاستئثار بالقرار ومحاولة تملك المنطقة والتعمية على الجمهور وتكميم افواه الباقين ، وهذا ليس من السياسة الصحيحة في شيء ولا علاقة له بالدهاء وحق التصرف انما هو اتجاه للدكتاتورية غير مقبول ولن يقبل ولن يوصل الى شيء لانه لايمكن ان يخلق “صدّام” جديد في العراق مهما حاولت الجهات ومهما توهمت الشخصيات ،ذلك الزمن انتهى ،
والنتيجة لمن يا استاذ برأيك ، إذا قصرنا تمثيل الغربية على هذين الفريقين ورضينا “بالديموقراطية” القاصرة؟
الحاليون هم الذين تترجح كفتهم طبعا ، ولكن بشرط تعديلات مهمة اولها التفكير الديموقراطي والمنافسة الحرة وعدم الخوف من الخصم -خصوصا اذا كان خصما فاشلا وضعيفا – مثل نموذج الساسيين العائدين الى الساحة اليوم ، دعوهم يجربون حظهم بشرف وبتنافس وببرامج ودعوا الجمهور يحكم بينكم ، لان التسقيط والتكميم قد يفلح مع الجهلة او السذج لفترة ولكنه سياتي بنتيجة عكسية مع المثقفين والواعين والاحرار وسيذهبون عند ذلك للجانب الاخر الذي لايستحقهم كما بينا وسيجرون وراءهم من يقرأ لهم ويتأثر بهم، اما قضية القضاء على الفساد فلن يعالجها اي من الفريقين بالنتيجة ولا نتفاءل بذلك إذ لا خيار ثالث لدينا وعسى ان يكون.
هذه رؤيتي وهذه نصيحتي حاولت تلخيصها والا فانها بجاجة الى برنامج اعلامي كامل لشرح تفاصيلها ومعطياتها وملابساتها ، لن يهجركم العائدون الى السياسة من دياركم ولم يهجروكم اصلا في الماضي ولكنهم لم ينفعوا الديار بشيء ولن ينفعوها ، و”عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة” . والسلام .