ما صرح به علي يونسي مستشار الرئيس الأيراني من جعل بغداد عاصمة (للأمبراطورية الأيرانية) والذي أثار السخط لدى السنة،ليس الأول من نوعه الدال على نية ايران ضم شيعة العراق على وجه الخصوص اليها. فعندما استولى الحوثيون على صنعاء، قال مسؤول ايراني انهم (يملكون الأن اربع عواصم) فيما قال مسؤول ايراني أخر: (ان النفوذ الايراني بات يمتد من الیمن الى لبنان). وفي الاتجاه نفسه دعا حسن هاني زادة رئيس تحرير وكالة مهر الايرانية الى الوحدة بين العراق وايران وقال انها لابد منها. وهاجم العروبة ووصفها بالمزيفة والجاهلية كما هاجم الكوفية والعقال والدشداشة.
لقد كان متوقعا أن تفصح طهران عن تلك النية بل وتعمل على تحقيقها، بعد أن بلغ التفاف الشيعة في البلدان التي يتواجدون فيها ذروته حول إيران التي يرون فيها الأمل والرجاء لأنقاذهم من ظلم الحكومات السنية الذي دام قرونا وما زال قائما إلى الان بحقهم، ولولم يكن حكام ايران على علم مسبق بذلك الأمل والرجاء لما اقدموا على اطلاق نواياهم تلك، هنا ما على العالم إلا أن يحترم ارادة الشيعة في الوحدة مع ايران والأندماج بها، في حال اظهارهم لها، لكن في الوقت نفسه لايجوز لهم، في الحالة العراقية ضم كردستان العراق وما اصطلح على تسميته بالمثلث السني إلى ايران، لأن المكونين الاجتماعيين الكردي والسني العربي يرفضان الوحدة مع ايران بل وأي نفوذ للأخيرة في العراق،فضلا عن ذلك فأن المساحة الأوسع للعراق يشغلها الكرد والسنة، يكفي ان نعلم ان محافظة الأنبار السنية وحدها تشكل 33% من مساحة العراق. وأذكر ان القيادة الكردية في وقت سابق من القرن الماضي طالبت الحكومة العراقية أنه في حال اعلانها الوحدة مع أية دولة عربية، الأعتراف بحق الكرد في الاستقلال عن العراق. ويوما بعد أخر نجد أن الهوة تتسع بأستمرار بين الشيعة والسنة والكرد وبشكل خاص منذ عام 2003 فالكرد يعملون لاجل الاستقلال علانية، فيما يطالب السنة بانصافهم وابعاد الجيش العراقي عن مدنهم وقراهم ما يعني استحالة التواصل بينهم وبين الشيعة. ان من حق السنة العراقيين الاحتجاج على ما يجري من تغيير ديموغرافي لصالح الشيعة في مناطقهم، مناطق السنة، على حد قولهم وعلى اشكال الظلم الذي يشيرون اليه دائما، ضدهم، بل ولهم حق المطالبة بالأستقلال، ولكن لا يحق لهم اطلاقا الوقوف بوجه رغبات الشيعة في الوحدة مع ايران واشكال من التقارب مع طهران. واذ يحق للشيعة العراقيين التضامن مع ايران والأتحاد معها، إلا أنه وفي الوقت عينه، لا يجوز لهم اخضاع سنة العراق وكرده لأي مشروع وحدوي مع ايران أو الحاق وطن الكرد ووطن السنة وضمهما إلى ايران. ان تقدم القوات الأمنية العراقية في محافظات صلاح الدين والأنبار وديالي، وسعيهم للوصول الى الموصل ايضا، او تقدمهم باتجاه كركوك، يعد انتهاكا للحدود الأجتماعية للمكونين السني والكردي ويفيد بانهم ماضون الى ضم كل العراق الى ايران وفي هذا اجحاف بحق الكرد والسنة. ثمة وحدة بين ايران والعراق وسوريا واليمن ولبنان وان لم تعلن، وإن كل عمل وحدوي بين الشعوب مبارك وعلى الطريق الصحيح. وسبق للعالم وأن شهد اكثر من عمل وحدوي أو شبه وحدوي مثل: الأتحاد الأوروبي ووحدة الفيتناميين والألمانيتين واليمنين التي حصلت في الربع الأخير من القرن الماضي،كما ان مجلس التعاون الخليجي ما هو إلا شبه وحدة للدول الملكية الخليجية. ومن هذا الفهم فأن وحدة الشيعة العراقيين مع اشقائهم الشيعة الايرانيين، ان انجزت، فأنها خطوة سليمة و مباركة، شريطة ان يسبقها استقلال كردستان والمثلث السني العربي عن العراق.
وإذ تبارك الوحدة بين الأمم،فأن انفصال واستقلال أمم عن اخرى وبلدان عن بلدان اخرى مبارك بدوره ويجب احترام ارادة الانفصال مثلما تحترم ارادة الوحدة. وللتأريخ امثله كثيرة على تفكك بلدان وانفصال للأمم، انظر إلى قيام (15) جمهورية على أنقاض الاتحاد السوفييتي السابق ونحو (4) جمهوريات ظهرت بعد تفكك يوغسلافيا فانفصال السلوفاك عن الجيك .. والامثلة تترى.
في الماضي لم يعترض أحد على الوحدة بين مصر وسوريا عام 1957 ولا على الدعوات لأقامة دولة عربية موحدة تمتد من المحيط إلى الخليج، ولا على وحدة اليمنين، ولا على انفصال سوريا عن مصر فيما بعد في عام 1961. لذا والحالة هذه لا اعتراض ابدا على التضامن الشيعي أو وحدة تقام بين ايران والعراق. وأرى انه نتيجة للاصطفاف الطائفي والمذهبي الحاد. وبعد أن سالت وتسيل انهار من دماء الشيعة والسنة جراء صراعهما الطائفي الجنوني، فان من الصعب إن لم أقل من المستحيل، ان يتم اصلاح ذات البين بينهما أو يتعايشا سلميا أتباع
المذهبين مع بعضهما بعضا. لذا فأن الوحدة قدر الشيعة في البلدان: ايران، العراق، سوريا، اليمن، لبنان وإلا فأن اية نكسة تصيب المد الشيعي الحالي، فأن الشيعة سيدخلون نفقا مظلما يكون اشد ظلامية وعتمة من النفق الذي عاشوا فيه لعقود وقرون من السنين. واذا كان السنة يستكثرون على الشيعة الوحدة ويستهجنونها فما عليهم الا العمل بدورهم من اجل وحدة عربية سنية ولا اعتراض على كلتا الوحدتين.
يحدثنا التأريخ على أن الشيعة اضطهدوا على يد السنة لقرون اشد إضطهاد، واضطهد السنة في ايران على يد الشيعة كذلك، ويمارس كلا الاضطها دين الى الان، ولكي يتوقف الاضطها دان وتحقن الدماء فأن الحل الوحيد لأنهاء صراعهما الدموي يكمن في الفصل بينهما وعدم وقوفهما ضد الحقوق المشروعة لبعضهما بعضا وبخلاف ذلك، فان الصراع يتواصل بينهما وسيخرج منه الطرفان خاسرين لامحال.