بصفتي مواطناً جزائرياً لست خادماً لأي تيار سياسي أو حركة سياسية. والقضية التي أومن بها والتزم بها هي قضية الشعوب التي اختطفت رهينةً بيد أخطر نظام في العالم.
هذه المسيرة التي أسلكها ليست مسيرة نظرية وفكرية؛ بل هي نابعة من قناعتي وتجربتي الشخصية. تجربتي في الجزائر مع إيران؛ سواء في عهد الشاه، أو حتى النظام الجديد المزعوم أنه «إسلامي»، إلى مرحلة قطع علاقاتنا معه.
تعرّفت على الإيرانيين منذ عهد الشاه. كانت علاقاتنا مع إيران الشاه علاقات باردة… تعرفت عليهم في إطار «أوبك».
وبعد الثورة كانت الجزائر ضد الحرب على إيران، وبقيت على الحياد في الحرب العراقية- الإيرانية. كما لعبت الجزائر دور الوسيط الصادق في حل قضية الرهائن الأميركيين بين إيران والولايات المتحدة.
لكن رغم كل ذلك، فإننا علمنا بعدها بأن الإيرانيين يعملون من خلال شبكاتهم داخل الجزائر، ومن خلال ترويج زواج المتعة بدأوا باستقطاب وتجنيد الشباب الجزائريين. وأكثر من ذلك، قال لي بصلافة علي أكبر ولايتي، وزير خارجية إيران آنذاك: «إنكم سمحتم للسلفيين من السعودية بالعمل لترويج الوهابية في بلدكم، فاسمحوا لنا أيضاً بأن نقوم بالترويج للشيعة!»
بعد ذلك علمنا أنهم كانوا يدعمون الإرهابيين بالمال والتدريب ويؤيدونهم سياسياً… فقطعنا العلاقات. الرئيس بوضياف قرّر قطع العلاقات باقتراح من حكومتي، والتنفيذ جاء بعد اغتيال الرئيس بوضياف.
….حتى تعرّفت على المقاومة الإيرانية. والفضل في ذلك يعود إلى الراحل كلود شيسون وزير خارجية فرنسا الذي كانت تربطني به علاقات حميمة وحتى عائلية؛ حيث عرّفني على منظمة «مجاهدي خلق» وأعطاني معلومات خاصة في هذا المجال. وبعد ذلك بدأت العلاقات. وما شاهدت فيهم كان في البداية قضيتهم العادلة، وثانياً نضالهم ضد نظام استراتيجيته زعزعة جميع البلدان الإسلامية، وليس لديً أدنى شك بأنه يعمل ويعيش عن طريق زعزعة البلدان الأخرى ودفع سائر الدول إلى عدم الاستقرار، ويريد أن يستغل الإسلام والشيعة ليس حباً للشيعة؛ بل من أجل السيطرة على جميع البلدان الإسلامية.
إيران الملالي تدّعي الإسلام، لكنها قتلت أكبر عدد من المسلمين من أي بلد آخر في العصر الحديث. ولا شك في أنه ليس هناك أي حل للبلدان العربية والإسلامية إلا باستئصال هذا الورم السرطاني الذي يعرّف نفسه بنظام ولاية الفقيه.
النظام الحاكم في إيران يرى نفسه وصياً على البلدان العربية والإسلامية، ويعمل من أجل التدخل السافر في هذه البلدان وتصدير الإرهاب والحروب الطائفية إليها بكل ما لديه من قوة وإمكانات. ومع الأسف الشديد سياسة الغرب أيضاً تؤيده في هذا المجال.
والسؤال الذي ينتابني دائماً هو: كيف أن البلدان التي كانت مركز الحضارات كالعراق وسوريا وإيران واليمن؛ البلدان التي أعدّها لؤلؤة الحضارة الإنسانية، أصبحت فريسة هذا النظام وممارساته الهدّامة؟ وحين ننظر إلى هذه البلدان نرى في كل واحد منها النظام الإيراني وراء كل المحن والحروب والدمار، كما كان في الجزائر في نهاية الثمانينات والتسعينات.
نعم يجب على نخبنا التساؤل: كيف تحوّلت بلدان مثل إيران والعراق وسوريا واليمن التي تعد أهم مراكز الحضارة الإنسانية، مسرحاً للقتل والإرهاب والحروب والمآسي التي تقف خلفها إيران الملالي؟
لكنني أقول وعلى يقين إن هذا النظام سيسقط بيد أبناء الشعب الإيراني وحركة المقاومة الإيرانية أو حركة «مجاهدي خلق». هذه الحركة ليست حزباً تقليدياً أسّس من أجل الحكم؛ بل كان في البداية من أجل إسقاط ديكتاتورية الشاه، ومن ثم إسقاط حكم ديكتاتوري أخطر وأسوأ.
لا شكّ في أن أبناء الشعب الإيراني في انتفاضتهم الأخيرة استجابوا عملياً لهذه الحركة وأيدوا بشعاراتهم وبأفعالهم ما كانت الحركة تعمل من أجله منذ عقود.
النظام الحاكم في إيران، ومن أجل تمرير سياساته، يركّز على عنصرين أساسيين؛ مذهبي وقومي. الأول تركيزه على الشيعة في وجه السنّة، والثاني العنصر الإيراني والشوفينية الإيرانية في وجه العرب. ومن خلال الالتقاء بـ«مجاهدي خلق» يمكنكم سحب البساط من تحت أقدام نظام ولاية الفقيه في تركيزه على هذين العنصرين.
وفي اعتقادي نحن العرب والمسلمين فقدنا الكثير بسبب عدم التقائنا بالشعب الإيراني ومن يمثّل هذا الشعب، وأقصد بالذاتالمقاومة الإيرانية. ونظام الملالي مع أنه كان ولا يزال يعمل ضد جميع البلدان العربية والإسلامية، فإنه صبّ جام غضبه على «مجاهدي خلق» قبل الكل؛ حيث أعدم منهم أكثر من مائة ألف سجين سياسي. وخلال فترة وجيزة في عام 1988 قام بارتكاب مجزرة بحق 30 ألفاً منهم. كما أن هذا النظام لم يدّخر أي محاولة للقضاء عليهم خلال العقدين الأخيرين. ومع الأسف الشديد؛ الدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة، ساندت ودعمت نظام الملالي في هذه المحاولات؛ بوضعهم على قوائم الإرهاب الأميركية وفي الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية، وقصف قواعدهم في العراق من قبل الأميركان بتوسّط بريطاني، ونزع أسلحتهم، وهجوم الشرطة الفرنسية عليهم، وشن حرب نفسية شعواء ضدهم؛ و… لكن الغريب أنه في هذه المعركة الدائرة بين المقاومة والنظامومسانديه، كان نواب البرلمانات والمثقفون والمفكرون والمحامون الطرف الوحيد الذي ساندهم، ومن كان لديه وازع إنساني. وبفعل هذا النوع من التعاضد، استطاعت حركة المقاومة الإيرانية التغلّب على المشكلات التي أشرت إلى بعض منها.
لكن هناك نقطة واحدة أريد التركيز عليها، وهي أن أعضاء «مجاهدي خلق» الذين كانوا ضيوفاً على العراق، وبعد مجيء نوري المالكي إلى الحكم هاجمتهم القوات العراقية عدة مرات وارتكبت بحقهم مجازر فاقت التصور في الهمجية. وقامت الهيئات الدولية من منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وكذلك بعض الدول الغربية باستنكار وإدانة هذه المجازر.
لا مجال للعتب؛ بل أقول إن هذه الحركة بفعل الفداء والتضحيات والصدق واستخدام الأسلوب الصحيح في النضال، أصبحت تمثّل بديلاً حقيقياً لنظام الإرهاب في إيران.
إذن حان الوقت لتأييد هذه الحركة للقضاء على مصدر الإرهاب وبناء إيران مسالمة صديقة وشقيقة.