23 ديسمبر، 2024 7:10 ص

ما وراء سمير القنطار

ما وراء سمير القنطار

بعد المعذرة للقراء الكرام عن هفوة إقترفتها في مقالتي المنشورة على صفحات “كتابات” الأغر… فإن الموقع يعيد نشرها -مشكوراً- بعد تنقيحها.
مساء (السبت-19/12/2015) كان المناضل “سمير القنطار” -القيادي البارز في حزب الله اللبناني والمقرب من زعيمه “الشيخ حسن نصرالله” وقائد فصائل “المقاومة السورية لتحرير الجولان”- ضحية ضربة جوية إسرائيلية تم تحقيقها بمقذوفات ذكية أطلقتها طائرة ما، أو ربما بمقذوفات صاروخية إنطلقت من موقع قرب بحيرة “طبريا” إستهدفت عمارة سكنية في حي “جرمانا” بريف “دمشق” بعد أن أفرجت عنه “إسرائيل” بإنقضاء (29) عاماً في سجونها.

ورغم تشبعي كرهاً لإسرائيل منذ نعومة أظفاري وفي حياتي العسكرية، إلاّ أن صفتي اللاحقة خبيراً في الشؤون الإستراتيجية والعسكرية تجعلني أضع العديد من النقاط على الحروف والتركيز على هذا ((الإغتيال الجوي)) الذي يحمل إشارات ودلالات عديدة يمكن حسرها ضمن ما يأتي:-

1. الإستحضارات الدقيقة التي تميزت بها المخابرات الإسرائيلية المعروفة بـ”الموساد” وما زالت، في التخطيط لإغتيال “سمير القنطار” ربما مع قرب إطلاق سراحه وملاحقته في عمق الأرضين اللبنانية والسورية، وتحديد موقعه في عمارة سكنية من (6) طوابق تقع على الطريق الرئيس المؤدي إلى “المطار الدولي” في تخوم “دمشق” بأحد أطراف حي “جرمانا” المكتظ بالسكان في ريف العاصمة.

2. إقتدار الطيران الإسرائيلي على إختراق الأجواء السورية في وقت يفترض أن تكون الدفاعات السورية أرضاً وجواً على أهبة كامل الإستعداد لإعتراض أية طائرة أو هدف جوي معادٍ، وخصوصاً بإتجاه “إسرائيل”، ناهيك عن مبدئية التركيز الأساس لدرء أي خطر معادٍ تجاه العاصمة “دمشق” على وجه الخصوص، لا سيما وأن الدولة السورية تخوض حرباً داخل بلادها منذ ما يقارب (5) سنوات، وتصر على أنها تحمل ((راية المقاومة)) حيال الكيان الصهيوني.

3. الضربة -ولا شك- تحتوي رسالة موجهة خصيصاً إلى قادة “حزب الله” اللبناني و”فصائل تحرير الجولان” معاً وإلى جميع زعماء “سوريا” والآخرين المؤازرين لهم والداخلين في الأرض السورية والرافعين لشعارات المقاومة والتحرير والتدمير، بأن “تل آبيب” متمكنة من الوصول إليهم في مواقعهم المعروفة للقاصي والداني، وأينما يكونوا، ووقتما تشاء، وبأي أسلوب ترغب، وما غض الطرف عنهم في الماضي القريب والوقت الراهن سوى لأسباب لا حاجة للجهر بها ولأغراض تكمن في نفس “يعقوب”.

4. أن “روسيا الإتحادية” -الدولة العظمى الثانية في العالم- وقد إقتحمت “سوريا” بالعشرات من أفضل مقاتلاتها الإعتراضية وطائرات الهجوم الأرضي، فهي ما دامت لم تقتدر -أو لم ترغب، أو ربما غضت الطرف، أو أدارت ظهر المجن- في التصدي لهذه العملية الإسرائيلية التي إستهدفت العمق السوري وقلب “دمشق” بالذات، ناهيك عن تباهي الرئيس “فلاديمير بوتين” بمنظومته الدفاعية الأحدث في العالم (S-400) المصممة خصيصاً للتصدي الفعال حيال جميع طرز الطائرات الأسرع من الصوت والصواريخ أرض-أرض ومقذوفات “كروز” كافة، وبنصف قطر مداه (455) كلم، والتي يفترض أن تغطي براداراتها ومقذوفاتها كل أجواء “سوريا” من أقصاها لأقصاها وتعترض أي هدف جوي مهما كانت سرعته وكفاءته، ولا تسمح -حسب التباهي الروسي والمبالغات المعهودة- حتى لـ((خفاش ليلي)) من إختراق سماء البقاع المحمية والتجوال في أجوائها، فإن إلتزامها الصمت حيال هذا العمل يثير تساؤلات عديدة بالوقت الراهن، فضلاً عن موقف مستقبلي مشابه أزاء أي عمل إسرائيلي في قادم الأيام، لا سيما أن الدولتين -في أفضل الإحتمالات وأعظمها تفاؤلاً- قد أبرمتا إتفاقاً ثنائياً لدى زيارة “بنيامين نتنياهو” ووزير خارجيته “آفيغدور ليبرمان” لموسكو ولقاءهما الودي مع الرئيس “فلاديمير بوتين” يوم (20/9/2015) بشأن التنسيق الثنائي لطلعات طائراتهما وتحليقها في أجواء “بلاد الشام”، واضعين على عجل ((خطـاً هاتفياً ساخناً)) في خدمة ((لجنة مشتركة)) بين الدولتين ربط وزارتي دفاعيهما وقياداتهما العسكرية الجوية والبرية ببعضهما منذ يوم (15/10/2015) أي بعد أسبوعين من بدء الضربات الجوية والصاروخية الروسية على “سوريا”.

5. أن أية دولة أو جهة، وبالأخص تلك التي إنضوت تحت المظلة الروسية وربطت مصيرها ومستقبل المنطقة بما تتخذه “موسكو” من قرارات، فهي بالضرورة مرغمة على السكوت ومضطرة لغض الطرف حيال هذا ((العدوان الجوي)) السافر أو سواه في المستقبل المنظور.

6. أن “إسرائيل” لم تعد تخشى سطوة أية دولة عربية مجاورة أو بعيدة، ولا تحسب أي حساب إستراتيجي أو عملياتي أزاء أي منها، وهي تنظر إعتباراً منذ عام (2003) على وجه الخصوص، ووصولاً إلى “الربيعات العربيات” وبإرتياح غير مسبوق في كل تأريخها، إلى الدمار والخراب والشتات والقتل والنزوح والإفلاس الذي أصاب أعظمها إقتداراً وتهيؤاً وإمتلاكاً لترسانات عسكرية وفيالق مدربة وجاهزة.

7. ومن الطبيعي أن لا تأبه “تل آبيب” بالتصريحات المملة التي تمتلئ بها البيانات الطنانة المليئة -كالمعتاد منذ عقود- بمزاعم ((المؤامرات والدسائس)) التي يتفوه بها الناطقون الرسميون بإسم الدواوين الملكية ورئاسات الجمهوريات والقيادات العامة للقوات المسلحة والمكاتب العليا للأحزاب والمنظمات الثورية، والتي تحتوي في نهاياتها -كالعادة- عبارات ضجر منها الشارع العربي والإسلامي ومـلّ منها المجتمع اليهودي، ومن أهمها ((…..وفي الختام ينبغي أن نؤكد إحتفاظنا بالرد على الصاع صاعين في الزمان والمكان المناسبين… وأن غداً لناظره قريب… وليخسأ الخاسئون))!!!!

ولكن ذلك الزمان يبدو أنه لم يحل بعد ولو بإنقضاء (7) عقود، والمكان المهدد لم يحدد، والغد المزعزم أمسى بعيداً… ولم يستطع العرب والمسلمون من إخساء الخاسئين… وفي ظل فشل المخابرات العربية والإسلامية في تحقيق مثل هذه العمليات النوعية، وإنشغالها في إعتقال المناوئين وتعذيبهم وملاحقة مناوئي أنظمة الحكم وحماية الشخصيات في أعظم المناطق تحصيناً وتسليحاً ومراقبة.