من الخطأ القول أن إيران تتدخل في الشأن العراقي، لأن مفردة التدخل (ومهما كان حجمه) لا تعبر عن حقيقة الطريقة التي تتعاطى بها إيران مع القضية العراقية بكل جوانبها، فما جرى ويجري على الأرض يثبت بكل وضوح أن العراق خاضع للهيمنة والاحتلال الإيراني، وان إيران تتعامل معه كجزء حيوي من إمبراطوريتها المزعومة، بل هو عاصمتها كما صرح بذلك عن قصد وعمد وجَد المسؤولون الإيرانيون،
ومن الطبيعي حينما يكون البلد خاضعا لأي احتلال، فان مقدراته ومصيره سيكون بيد الدول المحتلة له، والتي تستهدف في حقيقة نواياها الهيمنة على مقدراته سياسيا واقتصاديا وثقافيا وحضاريا وغيرها، فكيف إذا كان المحتل هو الأشرس والأخطر والأقبح إيران(على حد تعبير المرجع الصرخي )، والتي تضمر حقدا وعداءً تاريخيا تجاه العراق وشعبه، فمنذ الاحتلال والعراق من سيء إلى أسوأ، في ظل حكومات المنطقة الخضراء الخاضعة لإيران ومرجعياتها الكهنوتية، وحادثة إنزال العَلَم العراقي وحرقه ورفع العَلَم الإيراني وتدفق الملايين من الإيرانيين بالطريقة الهمجية السافرة التي جرت، والتي لا تمت إلى الحسين وشعائر الحسين بصلة، ما هي إلا امتداد للممارسات الإيرانية القذرة في العراق والتي تكشف عن نزعتها الإمبراطورية، فالعراق من وجهة نظرها ليس دولة مستقلة ذات سيادة أو قرار، حتى يكون له عَلَم أو تُغلَق حدوده أمام الإيرانيين أو يُعرقَل دخولهم، فهو عاصمتها كما أسلفنا، وهم ربُّ الدار، والعراقيين قرابين تنحر من اجل إيران ومصالحها.
إن دخول أكثر من مليوني ونصف إيراني إلى العراق وفي هذا التوقيت الذي يشهد تنافسا وتسابقا متسارعا من قبل الدول المتصارعة على كعكة العراق وفرض هيمنتها عليه، من السذاجة أن يُفَسَّر انه خرق امني حدودي بسبب الزيارة الأربعينية والرغبة الجامحة لزيارة الحسين، لأننا لم نشهد مثل هذه التدفق طيلة السنوات السابقة، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه لدخول المرتزقة والقتلة من مختلف الجنسيات إلى العراق لتمارس جرائمها بحق العراقيين، أو تكون خلايا نائمة تنتظر أوامر أسيادها، فلا ننسى حادثة العثور على جوازات لعناصر من تنظيم “داعش” من جنسية أفغانية دخلوا إلى العراق بتأشيرة من إيران والتي تم التكتم والتستر عليها…
فهل أن إيران تريد أن تعزز من وجودها البشري في العراق لمآرب لا تخدم إلا مصالحها، ومنها سد النقص الحاصل في صفوف تشكيلاتها العسكرية بمختلف تنوعاتها ومنها المليشياوية، بسبب خسائرها في العمليات العسكرية في العراق أو حتى في سوريا لدعم نظام بشار، أو لتعزيز وتقوية خطوطها الدفاعية والإمدادية التي أسستها في العراق وتهديد لدول الجوار وعلى رأسها السعودية، أو لزيادة عدد تلك التشكيلات تحسبا لأي طارئ، أو استعدادا لمواجهة محتملة بينها وبين قوات دولية ومنها التي صرح عنها وزير الدفاع الأمريكي أنها سترسل للعراق لمحاربة تنظيم “داعش” في العراق وسوريا الأمر الذي ترفضه وبشدة إيران وأدواتها السياسية والحكومية والمليشياوية والحشدوية وغيرها؟؟؟!،وهل ستُكمل إيران ما قامت به من عمليات تغيير ديموغرافي مجتمعي في المناطق السُنية، فتُوطِّن قسما من هؤلاء المتدفقين في تلك المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحشد الطائفي…
مهما تكن المخططات والأهداف التي تقف وراء هذه العملية المريبة فان نتائجها لا تصب إلا في مصلحة إيران ومشروعها الإمبراطوري، والخاسر الوحيد والضحية هو العراق وشعبه،وهذا ما شخَّصه وحذَّر منه المرجع العراقي الصرخي الحسني في بياناته وخطاباته التي أشار فيها إلى التدخل والاحتلال الإيراني للعراق واستخفافها بشعبه، ففي تصريح له خاص لبوابة العاصمة قال:
((إن إيران تتعامل مع العراق وأهل العراق كالعبيد وكالملك الصرف لها فإما أن نعلن الولاء المطلق لها ونعلن عبوديتنا لها ونرتكب كل الفضائح والجرائم وكما تفعل المليشيات بمختلفها الآن في العراق مع تبادل أدوارها حسب التوجيه الإيراني، وأما القتل والتهجير والتنكيل والتهم الكيدية والسجن والتضييع، ومن هنا لما يأتي صوت معارض لفتوى التحشيد الطائفي ويأتي صوت يُحرّم تقاتل الإخوة فيما بينهم ويحرم سلب ونهب ممتلكات الآخرين من أبناء المحافظات الأخرى وأبناء المذاهب والأديان والقوميات الأخرى فبالتأكيد سيكون هذا الصوت وصاحبه ومن ينتمي إليه ومن يؤيده سيكون إرهابيا وداعشيا وصداميا وبعثيا وتكفيريا يجب أن يعدم ويقتل ويزال من الوجود…))