على الرغم من أنّ الرئيس الأمريكي الحالي لا يزال يتشبّث حتى بحجمِ أنملة ! او اكثر قليلاً في ابتكار واستحداث ايّ حدثٍ يتيح له تمديد ولايته ولو لفترةٍ محدودةٍ اخرى , تحت ذريعة قوانين الطوارئ الخاصة التي لم تنمو ولم تتكامل شرعيتها المشرعنة بعد وبما فيه الكفاية على الساحة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة .
ايضاً , يخطئ الظنّ مَنْ ظَنَّ أنّ انسحاب ترامب من الإتفاق النووي السابق مع ايران , هو الذي ادّى الى تدحرجه من سدّة الرئاسة , فالناخب الأمريكي كما معروف لا يكترث للسياسة الخارجية بقدر اهتماماته بالوضع الأقتصادي والضرائب والشؤون الداخلية الأخرى , وبغضّ النظرعن نقاط التفوّق التي احرزها ” جو بايدن ” ومعظمها جرّاء تداخلاتٍ وتداعيات من ترامب فيما اخفق في الكثير منها , كما وبغضِّ نظرٍ آخرعن انسحاب الرئيس الحالي من اتفاقياتٍ دولية ذات الأهتمام الأوربي < اتفاقية المناخ انموذجاً > , لكنّ هنالك عنصران او عاملان ستراتيجيّان هما الذي لعبا دورهما بكفاءة في إسقاط السيد ترامب , فهو منذ بدء ولايته وخلالها ولبضعة مرّات كان يهاجم ويتهجّم على العديد من وسائل الإعلام الأمريكية الشهيرة والواسعة الإنتشار , وكانت تهجماته اقرب لأن تكون ” صلياً ! ” , ومعروفٌ مدى انعكاسات ذلك على رجال الإعلام الأمريكان والأوساط الصحفية في الولايات المتحدة , ومدى تأثيرها الهائل على المواطن الأمريكي في رسم وطبع الصور الذهنية وترسيخها على او في الشعب الأمريكي وفئاته وشرائحه المتعددة بصورةٍ عامة وعلى مدى هذه السنين الأربع , وبدا أنّ ترامب لم يحسب ذلك في حساباته القصيرة النظر .
النقطة الأخرى في الصددِ هذا , والتي تكاد توازي او تفوق تجاوزاته على الإعلام , فترامب قد أهان البنتاغون وعموم القوات المسلحة الأمريكية وجنرالاتها وهيئات اركانها المشتركة , بما لم يسبقه ايّ رئيسٍ آخر في مثل هذه الإهانة , ولعلَّ بدايات ذلك تكمن في عدم ردّ او ايّ ردّ فعلٍ منه على إسقاط الإيرانيين لطائرة عسكرية امريكية من نوع < RQ – 4 Global Hawk > في العشرين من حزيران – يونيو 2019 , وكان ذلك محرجاً للقيادة العسكرية الأمريكية والى اقصى الحدود , وكانت مسوّغات ترامب لذلك اكثر من سخيفة وفقَ ما تناولته الفضائيات والصحافة الأمريكية .
وتعاقبت وتفرّعت مواقف ترامب كذلك في عدم إبداء ايّ ردودِ افعالٍ وبنسبة 99 % واكثر قليلاً في الأجزاء , تجاه العشرات من ضَرَبات صواريخ الكاتيوشا التي اطلقتها الفصائل العراقية المسلحة على محيط السفارة الأمريكية وعلى قواعدٍ اخرى ” كقاعدة عين الأسد وفي الجزء العسكري المخصص للأمريكان في مطار بغداد الدولي , وبلغت ذات مرّة في محيط قاعدة الحرير في محافظة اربيل في كردستان .!
وقد اجتازت وتجاوزت خلافات ترامب مع القيادات العسكرية الأمريكية الى الحدّ الذي جعله يقيل وزير الدفاع ” مارك اسبر ” مؤخراً واستبدله بِ ” كريستوفر ميلر ” كوزير بالوكالة , والذي كان يشغل مدير الجهاز الوطني لمكافحة الإرهاب , وقد سبقَ للجنرال المخضرم ” جيمس مايتس ” أن استقال من منصبه كوزيرٍ للدفاع في مطلع عام 2019 إثر خلافاته مع السيد دونالد ترامب .!
إنَّ ما نوجزه هنا وبأختصار عن علاقة الرئيس الأمريكي بالبنتاغون وعموم الجيش الأمريكي , والإنعكاسات المباشرة وغير المباشرة على شركات ومصانع الأسلحة ومبيعاتها , فإنّما يُستشف من ذلك تأثير مراكز القوى هذه على امبراطورية الإعلام في الولايات المتحدة , وما تلعبه من ادوارٍ في تشكيل الرأي العام الأمريكي وتوجيهه نحو البوصلة المختارة .!
وعدا , وربما ” ما عدا ممّا بدا ” فلعلّ مستشاري ترامب كانوا اضيق اُفقاً منه في بعض هذه المجالات والميادين ذات العلاقة .!