23 ديسمبر، 2024 11:37 ص

ما هي خيارات العبادي لإنقاذ الاقتصاد العراقي؟

ما هي خيارات العبادي لإنقاذ الاقتصاد العراقي؟

يبدو أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به العراق حالياً و خاصة مع تراجع أسعار النفط قد دفع الحكومة لإعادة النظر بموازنة العام 2015. و قد أوضح ذلك رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي كان لحضوره الأخير في مجلس النواب الأثر الكبير في توضيح العديد من الإشكالات الخاصة بالملفات الأمنية و السياسية و الاقتصادية.

 

و كان للغة العبادي الوطنية العالية كل الاحترام و التقدير في نفوس البرلمانيين بحيث أنها أضفت جواً من الثقة المتبادلة على الأقل داخل أروقة البرلمان.

 

و يحاول السيد العبادي جاهداً العمل على إخراج العراق من مأزق الموازنة المترنحة حول أسعار النفط المنخفضة و ذلك لتقليص العجز الحقيقي لأدنى مستوياته. من هنا جاءت عملية التدقيق في قوائم العسكريين و التي كشفت وجود 50 ألفاً جندي وهمي في أربع فرق عسكرية فقط ، ما يعني أن التدقيق في بقية الفرق العسكرية قد يكشف إهدار أكثر من 130 مليون دولار سنوياً.

 

و تطرح ظاهرة الجنود الوهميين أو “الفضائيين” كما أسمّاهم السيد العبادي العديد من التساؤلات حول رواتب المتقاعدين و الأرامل و عوائل الشهداء و الذين بالتأكيد سيكون في التدقيق بملفاتهم العديد من الأسماء الوهمية و التي سيؤدي الكشف عنها إلى توفير ملايين الدولارات على الدولة العراقية.

 

و في خضم البحث عن الملايين الضائعة في جيوب الفاسدين و إلى ان يتم محاسبة الإدارة التي تولت صرف الرواتب للفضائيين و استعادة الأموال المنهوبة ، يحاول السيد العبادي البحث في جملة خيارات تساهم في الخروج من المأزق المالي.

و من جملة ما طرحه العبادي استحداث مصرف للاستثمار بمشاركة القطاعين الحكومي و الخاص و كذلك مخاطبة البنك المركزي لإيداع جزء من احتياطه النقدي في بعض المصارف العراقية لتسهيل عمليات الإقراض لتنشيط الانتاجين الزراعي و الصناعي.

 

و يستلزم ذلك تطوير البيئة المصرفية في العراق لتكون مستقطبة للاموال و هذا يتطلب تفعيل البنية التحتية المساعدة و تسهيل عمليات التحويل و الدفع الالكتروني بالإضافة لتطوير منتجات بنكية مربحة.

 

أما بخصوص القروض الزراعية و الصناعية فهي إن كانت من غير دراسات جدوى فلا داعي لإهدار الأموال فيها و هذا يتطلب مساعدة الصناعي أو الفلاح في التخطيط لكيفية استخدام هذه القروض و مراقبة جدواها الاقتصادية.

 

و تكشف الأزمة الحالية للاقتصاد العراقي أن الحكومة السابقة عجزت عن إيجاد حلول لتنويع الاقتصاد العراقي أو امتصاص ظاهرة البطالة المقنعة في صفوف أربعة ملايين موظف في دوائر الدولة. لذلك لا بد من تفعيل عدد من الإجراءات أهمها:

تفعيل مبدأ قياس الجودة في مؤسسات الدولة لمكافأة الناجحة منها و إلغاء الحلقات الزائدة فيها والتي تشكل عبئاً على الاقتصاد و تعطله. و بذلك يكون هذا المبدأ جزءاً من آلية ترشيد النفقات الذي لا بد و أن يترافق بتقليص الرواتب العالية بما في ذلك الرئاسات الثلاث و ما يتبع عنها من نفقات غير ضرورية تثقل كاهل الموازنة.

 

أما فيما يتعلق بملف الصناعة فتعتبر فكرة خصخصة المعامل جيدة لكنها يجب ألا تكون على حساب المعامل و المصانع المنتجة. فهناك مصانع عراقية ما تزال تعمل و تنتج لكنها تحتاج لتوفير سبل دعمها و تسويق منتجاتها و عدم استيراد السلع المنافسة لها الا في حال فرض رسوم جمركية عالية تلك السلع المنافسة.

 

و كذلك الامر بالنسبة للزراعة حيث يجب ان يتم توفير مخازن للمحاصيل الزراعية و دراسة ما يستورده العراق من محاصيل و محاولة زراعتها محليا و عدم منافستها باستيراد أرخص منها من الخارج.

 

و يمكن أن يتم تحفيز مشاريع الاستثمار و بخاصة المشتركة بين الحكومة الاتحادية و الحكومات المحلية و القطاع الخاص بحيث تكون الإدارة للقطاع الخاص مقابل نسبة من الأرباح. مثال ذلك مشاريع المصافي النفطية التي تحتاج إلى 20 مليار دولار لإنشاء أربع مصافي جديدة توفر على العراق استيراد 14 مليون لتر يومياً من البنزين و زيت الغاز (الكاز). أما المثال الآخر فهو مشروع ميناء الفاو الذي يمكن أن يعود على الدولة العراقية بعوائد مالية كبيرة إذا ما تم طرح جزء منه للاكتتاب العام و بالتالي يكون القطاع الخاص شريكاً فيه و يعود على الدولة العراقية بإيرادات مالية لا تقل أهمية عن الإيرادات النفطية.

أما بخصوص ما يطرحه البعض من اللجوء للقروض الميسرة كما حدث مع القرض الياباني الذي قاربت قيمته خمسة مليارات دولار ، فيجب ان يتم توجيه هذه للقروض لمشاريع إنتاجية يتم دراسة جدواها الاقتصادية قبل إحالة التخصيصات المالية لها و ليس لتمويل الانفاق على مشاريع لا تدر على العراق الدخل السريع و المجدي.

 

إن الخوض في ملف الإصلاح الاقتصادي لا ينتهي و يثير الكثير من الشجون خاصة و أن الفرص التي ضاعت في أوقات ارتفعت فيها أسعار النفط قد لا تعوض إلا بعد سنوات لكن كما يقال في المثل”رب ضارة نافعة”. فالوضع الاقتصادي الصعب سيكون درسا ً قاسياً لكل المسؤولين عن رسم السياسة المالية و الاقتصادية في العراق و يفتح الباب أما محاسبة من تسبب في إهدار أموال العراق في الموازنات السابقة.