تناولت في مقالة سابقة طبيعة الصراع البشري وتحت عنوان(ما طبيعة الصراع البشري؟ ) واليوم اتناول العوامل المحركة للصراعات عبر التاريخ بين الافراد والشعوب والامم .اذا درسنا تاريخ الانسان والصراعات التي خاضها الافراد او الشعوب او الامم نرى ان ثلاثة عوامل كانت هي عوامل تحريك الصراع الرئيسية على مدى التاريخ البشري وفيما يلي نتناولها باختصار
1-الدين او المعتقد (او الايديولوجية) هذا العامل يدور حول الدين او المعتقد او الايديولوجية , يشكل الدين اهم حالة اثرت على الانسان ومجرى حياته , فالانسان وفي مواجهة ظروف حياته المليئة بالصعوبات والكوارث كان بحاجة لعامل اطمئنان داخلي في مواجهة هذه الظروف وقد كان الايمان بوجود الله او وجود آلهة تؤثر في حياته ويستطيع ان يلجأ اليها ويدعوها لمساعدته في مواجهة ما يواجهه من مرض او خوف او عدو تثير الطمأنينة والهدوء في نفسه , وسواء تحقق ما طلبه من الله او آلهته التي يعتقد بها او لم يتحقق فهوسيفرح ان تحقق و سيضع اعذار لعدم الاستجابة كالخطايا التي ارتكبها او غيرها . ومظاهر التدين والعبادة ومنذ بديء التاريخ البشري كانت موجودة والزقورات والمعابد والاديرة والكنائس والمساجد والتكايا والصوامع وغيرها شاهد على ايمان الانسان,والبشرية في تاريخها الطويل بقي الدين او المعتقد محركا اساسيا لها وسواءا كان الانسان غير مؤمن او ملحد او لاديني او وثني او لديه معتقد توحيدي او سماوي او لديه معتقد فكري نظري (ايديولوجي) فالمعتقد هو الذي يثير عوامل الصراع ,وقد كان العامل الديني اكبر محرك في التاريخ للحروب بين الشعوب ولايزال لحد هذه اللحظة كذلك. يكاد يكون البشر وبنسبة تقارب ال70 الى 80 بالمائة متدينين او معتقدين بديانة معينة و100 بالمائة لديهم عقيدة فكرية معينة (وهنا لا اعني المعتقد الديني فقط) ومع ان النسبة مختلفة بين مكان واخر وزمان واخر فان البشر بطبيعتهم اقرب الى ان يكونوا مؤمنين .
2-المال او الثروة او العامل الاقتصادي من اهم محركات الصراع البشري ,وعلى الصعيد الفردي والجماعي, فالصراع بين الافراد والتنافس اليومي على المال هو اهم حافز للعمل والدراسة والتفوق والعدوان والقتل والسرقة والسلب ,وعلى صعيد الدول والشعوب كان عامل الرغبة بالسيطرة على الثروات السبب في قيام حروب واحتلال دول وقيام و سقوط امبراطوريات ,وكانت الثروات المعدنية كالذهب والفضة والثروات الزراعية والحيوانية معالم ثروة الامم واسبابا للصراع وللسيطرة على الاراضي والبحار والمحيطات ولاختراع الاسلحة والسفن والغواصات والطائرات التي تكفل النصر في الحروب.
3- الحكم او السيطرة هو واحد من هذه العوامل وايضا يشكل عاملا للصراع الفردي والاممي فالصراع على الحكم بين الافراد وسم التاريخ البشري والحروب بين الدول للسيطرة على بعضها وتفكك دول وتشكل دول هو محور التاريخ البشري .
لايمكن فصل هذه العوامل عن بعضها كمحركات للصراع بين البشر فالتداخل والتضاغط بينها سمة اساسية والصراع قد يثيره عامل واحد او عاملان او العوامل الثلاثة كلها ,فالصراع بين الامبراطوريات التاريخية يمكن ان يحركه اكثر من عامل كالمال وحب السيطرة والمعتقدات الدينية ,ففي االفتوحات الاسلامية كمثال كان المعتقد الديني والرغبة في نشر الاسلام عاملا رئيسيا للصراع ولكن ذلك لايمنع من ان يكون العامل الاقتصادي محرك اخر , حيث العرب في الجزيرة العربية يفتقدون للثروات اللازمة لاقامة الدولة والعيش المرفه وتوفرت لهم القوة العقائدية للصراع وهم محاطين بمناطق ثرية كالعراق والشام ومصر فكان محفزا لهم للتحرك لفتح هذه المناطق وهنا تداخلت العوامل المحركة وبنسب متغيرة ,وكذلك في الحروب الصليبية كان المعتقد الديني هو الدافع الظاهري ولكن السيطرة او المال كانت عوامل هامة في اثارة الصراع ,اما في الغزو المغولي لاجزاء من العالم كان محركه السيطرة والمال ولم يكن العامل الديني احد عوامل الصراع بل بالعكس هم بغزوهم للعالم الاسلامي اكتسبوا المعتقد الديني .قامت الامبراطورية البريطانية والبرتغال واسبانيا وفرنسا باحتلال اجزاء كبيرة من العالم في صراع وراء الثروات والسيطرة على اجزاء من قارات امريكا وأسيا وافريقيا واستراليا وهو العامل الرئيسي للصراع بين هذه الدول ولكن ذلك لم يمنع من قيامهم بنشر الديانة المسيحية عن طريق البعثات التبشيرية وكانت سببا لانتشار الديانة المسيحية في اجزاء من اسيا وافريقيا واكتشاف الامريكيتين واستراليا وانضمامهما الى العالم المسيحي.