18 ديسمبر، 2024 7:45 م

ما هو نوع العلاقة بين كلمة “أمة” السومرية بالرسم العربي وكلمة “ئێمە = Eyme ” الكوردية؟

ما هو نوع العلاقة بين كلمة “أمة” السومرية بالرسم العربي وكلمة “ئێمە = Eyme ” الكوردية؟

كان عالم الاجتماع الراحل (فالح عبد الجبار) شخصية علمية غني عن التعريف، واسمه ملأ الآفاق، وخير شاهد ودليل على مكانته الأكاديمية المرموقة في العالم هي مؤلفاته ورسائله العلمية ومحاضراته القيمة، التي كان يلقيها في المحافل العلمية والأدبية في بلدان الشرق والغرب.
قبل أن يرحل عنا هذه الشخصية الفذة إلى العالم الآخر بفترة وجيزة استضافه اتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق. وقدمه الشاعر والناقد (علي فواز) للحاضرين تقدمة رائعة تليق به كعالم وبمنزلته العلمية وسجاياه الرفيعة التي كان يتمتع بها أينما حل وارتحل. وكان عنوان محاضرته التي نحن بصدد كلمة مهمة وردت فيها: بناء أو تفكك العراق في إطار نظريات سوسيولوجيا القوميات والأمم. لقد شاهدتها واستمعت إليها في الـ”يوتيوب” عدة مرات بشغف شديد ودون ملل، إلا أن كلمة واحدة قالها الدكتور (فالح عبد الجبار) في سياق محاضرته هي التي جلبت انتباهي كثيراً إلا وهي كلمة الـ”أمة” التي كانت محور محاضرته، حيث قال: الأمة كما جاءت في القواميس تعني جالية. واستمر العلامة في حديثه: الجالية الإسبانية التي كانت في لندن كانت تسمى الأمة الإسبانية، لأنها جزء ليست جماعة كبيرة، ثم أضاف: الأمة كلمة سومرية تعني القبيلة،الجماعة. وبعد انتهاء المحاضرة كانت لبعض الأدباء الحاضرين عدة مداخلات قيمة وبعض التساؤلات المهمة وقال أحد هؤلاء الفطاحل في مداخلته رداً على الأديب (شوقي عبد الأمير) الذي خالف ما جاء به الدكتور عن الأمة، إذ قال الأديب الذي لم يذكر اسمه: إن الأمة كما جاء بها السومريون التي قالها الأستاذ فالح بأنها قبيلة، وأنا أصلح هي مجموعة بشرية تشترك بدم. انتهى الاقتباس. إن كاتب هذا المقال بحث في المعاجم اللغة العربية وجد أنها تقول: الأمة تعني جماعة من الناس تجمعهم روابط تاريخية مشتركة، قد يكون فيها ما هو لغوي أو ديني أو اقتصادي، ولهم أهداف مشتركة في العقيدة أو السياسة أو الاقتصاد.
عزيزي المتابع، هذا كل ما أردته من المحاضرة الرائعة التي للأسف لا تتكرر. أدناه سوف تقرؤون تحليل ورأي شخص كوردي عن كلمة “أمة” التي دار حولها المناقشات من قبل الجمهور المثقف المتحضر الذي حضر المحاضرة المذكورة.
عزيزي القارئ اللبيب، خلال الأعوام المنصرمة ومن خلال مقالاتنا وردودنا الكثيرة على بعض مزوري التاريخ جئنا بدلائل عديدة يقبلها العقل والعلم والمنطق بالإضافة إلى المصادر المعتبرة عربية وعالمية بأن السومريين هبطوا في العصور الغابرة من جبال كوردستان إلى أسفل بلاد بين النهرين (ميسوبوتاميا). وقال العلماء المختصون: إن السومريين من الجنس الهندوأوروبي (آري) كما الكورد. لكن رغم مرور آلاف السنين على أفول نجم سومر، إلا إن هناك مئات الكلمات إذا نتواضع ولم نقل آلاف الكلمات السومرية لا زالت تنبض بالحياة عند الكورد وتلفظ بنفس الصيغة السومرية مع بعض التغيرات الطفيفة وذلك بحكم الزمن وتطورات اللغوية التي رافقت تحول الإنسان من عصر إلى عصر آخر، ومنها الكلمة التي تطرق لها المفكر (فالح عبد الجبار) في محاضرته “أمة” بمعنى مجموعة بشر. إن الكورد لا زالوا يقولون كما كان أسلافهم السومريون يقولون عن مجموعة بشر كضمير المتكلم للجمع “ئێمه = Eyme” لاحظ التشابه في اللفظ بين كلمة “ئێمە” الكوردية، و”أمه = ئومە” السومرية كما يقال اليوم بالنطق السامي العربي. إن حرف الواو الذي جاء بعد الهمزة التي على النبرة أعلاه يعتبر ضمة في اللغة الكوردية. للعلم، أن الألف الممدودة في اللغة العربية ابتكر بعد الإسلام بفترة، وهكذا الهمزة التي لم توجد قبل الإسلام في لغة العرب، فكتابة “أمه” بهذه الصيغة مستحدثة عربياً بلا شك هي ليست هكذا في أصلها السومري والكوردي. هنا سؤال يطرح نفسه، يا ترى من أين جاء العرب بكلمة “أمة” السومرية ولم يكونوا موجودين في زمن سومر؟ لم يكونوا على وجه البسيطة في عصر وجود سومر والسومريين؟ أن المصادر التاريخية تقول لنا أول ذكر لاسم العرب في التاريخ يحمل رقم 800 سنة قبل الميلاد، حتى هذا الرقم والاسم مشكوك به، يقال أن المقصود بالعرب ليس العرب كجنس، بل كانوا يقصدون به بدو البادية الآرامية.
عزيزي القارئ الكريم، كسائر الكلمات العربية والطقوس الدينية لقد صدر العرب للكورد هذه الكلمة مجدداً بصيغتها العربية “أمه” إلا أن معناها بقيت عند الكورد كما هي، التي تعني مجموعة بشرية كالكلمة الأصلية “ئێمە” لكن بما أن اللغة الكوردية ليست فيها الألف الممدودة والهمزة والتاء المربوطة يكتبها الكورد بهذا الرسم “ئۆمەت”. وهكذا يقول القرآن، لقد جاءت في سورة الأعراف آية 159: ومن قوم موسى أُمَّةٌ يهدون بالحق وبه يعدلون. الآية تقول أن ضمن قوم النبي موسى – العبرانيون = اليهود- هناك مجموعة بشرية تعمل بالحق؟. يجب أن تعرف عزيزي القارئ أن الكلمة المذكورة مرت عليها آلاف السنين وانتقلت من لسان هندوأوروبي (آري) إلى لسان سامي، عربي الذي استعار بالإضافة إلى هذه الكلمة كلمات وأسماءً كثيرة جداً من اللغة الكوردية وتصرف بها كما شاء. لقد قام بتغير صورتها ولفظها لكي تتناسب مع نطقه وأبجديته السامية العربية. مثال اسم الآلة الجارحة “خونگەر = Khunger” التي تُسَيّل الدم،لقد استعاره العرب من الكورد وحوره ومن ثم أخرجه لنا برسم ولفظ الـ”خنجر”. وصدرت بعد الإسلام مع مئات الكلمات الكوردية المستعربة الأخرى إلى أصحابها الكورد بصيغتها العربية لكنها كانت مغلفة بقدسية الكلمات الإسلامية التي لا يجوز أن تمس صورتها ونطقها. وهكذا كلمة “گەچ = Gech” بما أن العربية تفتقد إلى حرفي الـ “گ = G” و “چ= Ch” غيَّرهما الأنامل العربية إلى جيم وصاد وصارت جص كما نراها اليوم في حضرة اللغة العربية. وتصرفوا باسم وردة الـ”نەرگس = Nergs” التي تنبت بكثرة في جبال كوردستان إلى نرجس حيث غيروا فيها حرف الـ”گ = G” إلى جيم فقط. وهكذا وردة الزينة ” بنەوشە= Bnewshe” سموها وردة البنفسج. للمطرب (ياس خضر) أغنية مشهورة بهذا الاسم (ليل البنفسج) للشاعر (مظفر النواب). وكلمة “بوسان= Busan” حذف العرب واوه وأضافوا له حرف التاء بعد السين صار بستان. بلا شك بذات الطريقة استعاروا قبل الإسلام كلمة ” ئێمە” وحوروها إلا أمة وتغير فحواها، دلالاتها. لا شك أن القرآن خاطب العرب باللغة التي يتكلمون بها وبالمفردات المتداولة بينهم أن كانت عربية أو مستعربة. مثلاً في سورة آل عمران آية 113 يقول القرآن: مِن أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله. أتلاحظ يقول من أهل الكتاب استخدم من التبعيض، أي جماعة من أهل الكتاب؟. وفي سورة الأعراف آية 164 يقول القرآن: وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوماً الله مهلكهم. لاحظ قالت أمة منهم، أي جماعة من أولئك المشار إليهم في القرآن. إن الاستعارات العربية من الكوردية كثيرة وكثيرة جداً، إلا أن المختصين من غير الكورد حين يذكروها في كتاباتهم أو في لقاءاتهم التلفزيونية يزعمون أنها فارسية، عجبي،هل لا يعلمون أن بعض تلك الاستعارات كوردية 100% لا توجد حتى في اللغة الفارسية؟، أعتقد أنهم يعلمون جيداً أنها كلمات كوردية أصيلة، إلا أنهم يكابرون أن يعترفوا بكورديتها لأن الكورد شعب مغضوب عليه ويخضع لحكمهم.. بينما الفرس يحكمون كياناً اسمه إيران ولهم تأثير نفسي على بعض الشعوب المحيطة بهم. للأسف أن هذا ديدن الطوائف المسيحية والأقلية التركمانية أيضاً، التي تعيش في كوردستان في كنف الشعب الكوردي منذ عشرات السنين، إلا أنهم في أحاديثهم يستكبرون أن يتكلموا بالكوردية لغة شعب الوطن الذي آواهم ويتكلمون عوضاً عنها بالعربية التي لا يجيدون حتى التكلم بها بطريقة سليمة!.
خلاصة القول، الذي أريد أن أقوله هنا أن كلمة “أمة” في اللغة العربية هي سومرية الأصل، وهي ذاتها “ئێمە” الكوردية نطقاً ومعنى التي تعني الجماعة حين تتحدث عن نفسها، لكن هل كانت بذات المعنى قبل آلاف السنين؟ أم جرت عليها تغيرات بحكم عوامل الزمن؟. هناك آلاف الكلمات السومرية والكوردية متطابقة لفظاً ومضموماً إلى يومنا هذا، لاحظ كلمة “نيندا = Ninda” في السومرية تعني خبز، هي اليوم “نان= Nan” الكوردية، الخبز.كلمة “ئا = A” السومرية بمعنى ماء، والماء في اللغة الكوردية هي “ئاو= Aw”. كلمة “سو= Su” الكلمة تعني اللون الأحمر في السومرية، وفي اللغة الكوردية اللون الأحمر يسمى ” سوور= Swwr”. وكلمة السهم بالسومرية “تي = Ti” وفي اللغة الكوردية “تير= Tir”. البعوض في اللغة السومرية ” مووش= Mush” وفي اللغة الكوردية ” مێشوولە= Myshwwle” والثور بالسومرية يسمى “گا = Ga” وفي اللغة الكوردية يسمى أيضاً “گا = Ga”. والشعب في السومرية يسمى “گەل = Gel” وهو ذاته في اللغة الكوردية إلى اليوم يسمى “گەل = Gel” أن حرف الهاء بعد حرف الـ “گ” في كلمة “گەل” أو “Gel” بمثابة الفتحة في اللغة العربية الخ الخ الخ.
نشكر المفكر الراحل (فالح عبد الجبار) الذي كان له الفضل في هذه المساهمة المتواضعة.
1- راجع ردنا على الدكتور علي الشوك، ثمان حلقات بعنوان: السومريون كانوا كوردٌ.. حتى وأن لن تظهر أدلة جديدة.
2- مقالة ستة حلقات بعنوان: ولدت الحضارة السومرية من رحم حضارة إيلام الكوردية. ولنا في هذا المضمار مقالات أخرى عديدة تستطيع الحصول عليها في حقل البحث في جوجل “Google”.
ملاحظة: أرجو من بعض الأكاديميين الكورد الذين يحملون شهادة الدكتوراه في أمور ليست لها علاقة بكتاباتهم التاريخية والسياسية عندما يقتبسون من مقالات ودراسات الآخرين أن يذكروا اسم المصدر واسم كاتبه وإلا اقتباسهم يعتبر سرقة أو اغتصاب للكلمة. يستحسن بهؤلاء الكتاب.. أن يقرؤوا أكثر مما يكتبوا، حتى لا يحتاجوا إلى الاستحواذ على جهود الآخرين بطريقة القرصنة. على سبيل المثال، أن أحدهم يقتبس نصاً من كتابات كاتب آخر مع ذكر المصدر الذي جاء به من الكتاب الذي تحت يد ذلك الكاتب؟ وبهذا الأسلوب.. يوهم القارئ كأن السارق هو الذي بحث في بواطن الكتب وحصل على المصدر بكل تفاصيله، وهذا لا يجوز أخلاقيا.