يبدو ان حصول الانسان على درجة (عالم).. قد يكون نتيجة طبيعية لمسيرة اكاديمية، مرتبطة بظروف مساعدة، منها تسهيلات من جهة ما، اجتماعية او اقتصادية، في وقت مناسب.. ويصبح عالما.. لكنه لا يصل الى مرتبة (مفكر)..!
مفكر.. تلك المرتبة الاعلى التي قد يصلها، انسان، له عقل سليم، منفتح على الواقع.. وله قدرة على التفكير.. وملكة الاستقراء..!
ان فرقا، كبيرا، بين حالتين، هما: حالة (العالم) وحالة (المفكر)..!
ولا يشترط ان يكون العالم مفكرا.. كما ان المفكر.. قد لا يكون عالما..!
ان الفكر، هو الادراك العقلي للمعلومات ومعالجتها وصولا لقواعد وقوانين عامة وكلية تخدم الحلول والتطوير.. ويمكن القول:
.. ان المفكر، له القدرة على قراءة جزئيات الواقع، وانتاج وصف عام، يمكنه من تشخيص الخلل، وقد يصل الى حل..! او اصلاح وتطوير.. بينما يبقى (العالم) يدور في مكتبة ذاكرته، باحثا عن حالة مشابه، ان وجدت، ينطلق منها للحديث عن الواقع، وعرض ما لديه من معلومات..!
ان البشرية تحتاج (العالم) في ارتباطها بماضيها.. وتحتاج المفكر في فهم واقعها والانطلاق الى مستقبل افضل، بالتنظير والتخطيط..
ولا يعرف الخالق تعالى الا بالفكر.. ولا يفهم الدين الا بالفكر.. وان الكوارث التي تعيشها البشرية، بسبب تدين (دون فكر).. قال تعالى: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة97).. وحسب فهمي: ان العلة هنا هي (يعلموا) ما انزل الله، دون تفكر.. ثم لا يؤمنوا به.. وهو الكفر والنفاق. ومن الاية، يكون في علمهم ضرر للدين، بنص الآية: وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
ان الاعراب، يرددون المعلومات التي وصلتهم، رياءا ونفاقا، كما يحصل الان، في العالم واوربا، فقد صار (الاعراب) ، هم الناطق الرسمي باسم الاسلام، بلحاهم الكثة، وملابسهم المشوهة، الخارجة عن المستوى النوعي الحضاري والعرفي.. والتي نفرت العالم عامة، واوربا خاصة، نفرتهم من الدين ومن الاسلام..
وقد مدح الخالق تعالى العقل، لأنه ميدان الفكر، وهو (العلة) الاساس للأيمان.. فقد رُوِيَ عَنْ رسول الله ( صلى الله عليه وآلة ) أنهُ قَالَ : ” إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ كَثِيرَ الصَّلَاةِ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَلَا تُبَاهُوا بِهِ حَتَّى تَنْظُرُوا كَيْفَ عَقْلُهُ ” … ورُوِيَ عَنْ الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) أنهُ قَالَ : ” لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ . ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ . فَقَالَ : وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحْسَنَ مِنْكَ ، إِيَّاكَ آمُرُ وَ إِيَّاكَ أَنْهَى وَ إِيَّاكَ أُثِيبُ وَ إِيَّاكَ أُعَاقِبُ “. وعن رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) : ” إِذَا بَلَغَكُمْ عَنْ رَجُلٍ حُسْنُ حَالٍ فَانْظُرُوا فِي حُسْنِ عَقْلِهِ فَإِنَّمَا يُجَازَى بِعَقْلِهِ “. وعن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : ” مَنْ كَانَ عَاقِلًا كَانَ لَهُ دِينٌ ، وَ مَنْ كَانَ لَهُ دِينٌ دَخَلَ الْجَنَّةَ “. واليوم.. للأسف، صار الدين ، عموما، واغلبه، بيد من يملك (الشهوة) ولا يملك (العقل).. ويسرد المعلومات، ليبهر بها (الجهلة) .. وينفر اهل العقل.. ان الدين اليوم ضحية سلطة (الجهلة).. والتدين، غالبا، دون فكر ودون ايمان، وصار دين الله غريبا..
وقد شخص الصدر حقيقة المشكلة، في مقال بعنوان (الاسلام الى اين) نشره مكتبه (مكتب السيد مقتدى الصدر) وجاء فيه: .. إن أحد الأسباب التي أوصلت الإسلام إلى الموت السريري هو إفراغ المحتوى الديني من جوهره الإنساني فأصبح الجهاد عنفاً لا هداية ولا أبوية وكذا باقي الأمور من الأحكام الشرعية والقضائية والأخلاقية وغيرها كثير، فصرنا بين اثنين: بين إنسانية بلا روح ولا دين وبين دين بلا إنسانية وأحدهما أدهى من الآخر.
ثم تطرق الصدر الى موقف اوربا السلبي تجاه الاسلام، وتجاه الرموز الاسلامية، وان موقف الغرب، كان رد فعل –متوقع- بسبب اعلام (التكفيريين) ونتيجة لما قدمه الاعراب و (الجهلة) من صورة سيئة عن الاسلام وعن النبي الاكرم .. فقال سماحته: .. إن تعديهم على (رسول الإسلام والسلام) إنما جاء بعدما سمعوه من شذاذ الآفاق عن الرسول، بعد أن رسموا عنه صورة سيئة وأزالوا عنه العصمة وألبسوه ثوب الشهوة والغفلة والنسيان وأنه صاحب سيف قبل أن يكون صاحب قلم وخلق، بل وجعلوه أمياً لا يفقه من الوحي شيئاً.. انتهى. وللحديث بقية.