23 ديسمبر، 2024 4:01 م

ما هكذا تورد الإبل يا أيها الأديب!

ما هكذا تورد الإبل يا أيها الأديب!

كل امة من الأمم, وكل شعوب العالم تفتخر بعظمائها, وتأخذ من ذكراهم وانجازاتهم, وحتى أيام ميلادهم ووفياتهم, تواريخ وطنية تقام فيها الاحتفاليات, وتعقد المهرجانات والحلقات النقاشية, وتسمي مناطق وشوارع ومؤسسات باسماءهم.
العراق كسائر الشعوب, له من العظماء من مراجع الدين والمفكرين والمجاهدين والعلماء, ما يقصر القلم ويضيق الورق عن بيانه, فتاريخنا حافل بالعظماء, وواقعنا مزدحم بالنخب على كل الأصعدة.
وفي هذا الحشد من العظماء, يقف المرحوم الشهيد آية الله السيد محمد باقر الحكيم, كالطود الشامخ الذي يلامس السماء علوا, فسيرة هذا الرجل عطرة ومملؤة بالمنجزات, وامتداده النسبي لا يخفى على احد, وعمقه المجتمع والسياسي والدولي أوضح من الشمس في رابعة النهار.
السيد الحكيم لا يحتاج أن أترجم له, أو أن اكتب عن سيرته, فمنجزاته تشهد له, وأفكاره النيرة لازالت مشعلاً ينير الطريق, فسليل السيد محسن الحكيم(قدس سره), له بصمته في تاريخ العراق الحديث, منذ تأسيس الحركة السياسية الحزبية الشيعية في العراق بتأسيس حزب الدعوة الإسلامية نهاية الخمسينات مع أخويه المرحومين يوسف الحكيم ومهدي الحكيم بمعية السيد محمد باقر الصدر (قدس الله أسرارهم).
لتستمر حركته السياسية لتبلغ ذروتها بتأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بداية الثمانينات, لمقارعة أقوى دكتاتورية شهدها العراق والعالم, والمتمثلة بنظام البعث ومجرمها صدام, الذي عاث في الأرض فسادا, واهلك الحرث والنسل.
استمرت حركته (قدس سره) لتتوج بإسقاط طاغية البعث, بداية عام 2003, ليعود بعد غربة طويلة, إلى بلده الذي ظل يحمله طوله حياته, ولم يهدأ له بال إلا أن يرى العراق عزيزا حرا.
وفي ظل الانفلات الأمني وتكالب الخونة والتكفيريين والبعثيين, الذين لم يرق لهم رؤية العراق حرا آمنا مستقرا, ليخطفوا روح السيد الحكيم وثلة من المؤمنين معه عند مرقد جده أمير المؤمنين علي عليه السلام.
وبعد استشهاده, وما رافقه من استنكار دولي وإقليمي وشعبي, صار لزاما تخليد هذا العظيم شخصا وتخليده فكرا, فمن الواجب والوفاء له, تسمية مناطق ومؤسسات وشوارع باسمه, وهذا اقل ما يمكن أن يقدم لهذا الرجل, الذي لا غبار على عظمته وعلى حبه وولائه للعراق.
إن إطلاق اسم السيد محمد باقر الحكيم على قاعة دراسية, في جامعة من جامعات العراق, ليس مستغربا, فللاسم كاريزما والهام للدارسين في تلك القاعات أو المستخدمين لها, بان ينهلوا من منبع معين يحمله فكر الفقيد الحكيم, وهذه التسمية تعتبر جزء من الوفاء له.
ولكن إصبع السوء المدسوسة, وللأسف المحسوبة على التيار الإسلامي الشيعي خصوصا, لم يرق لها أن يستمر هذا الفكر ـ أي فكر السيد الحكيم ـ فهو منار لكل طالبي الحرية والذين ينشدون الحرية والعدالة, ويبدو إن هؤلاء الذي صاروا في سدة الحكم نسو أنفسهم, ولم يعرفوا قدرهم وحجمهم, فهم من سياسي الصدفة, ومن رحم مخاض سياسي مرتبك, أتى بنماذج لا تستحق أن تكون رئيس قسم في دائرة فضلا عن وزارة.
لقد انساق السيد الأديب وزير التعليم العالي العراقي في هذا المنوال, ويبدو انه يحاول طمس آثار السيد الحكيم ـ وأنى له ذلك ـ فمتوهم هو وكل من يفكر إن رفع اسم السيد الحكيم من قاعة في جامعة بغداد أو المستنصرية, بأنه سيرفع ذكر السيد الحكيم من القلوب, لقد تناسى السيد الأديب مواقف وأفضال السيد الحكيم عليه وعلى حزب الدعوة وكوادره.
يبدو إن الحقد السياسي والتنافس الانتخابي, والخشية من تنامي شعبية المجلس الأعلى, صارت هاجس يؤرق “الدعوجيه” فصارت قراراتهم وأفعالهم ارتجالية ومتخبطة, فليس من الإنصاف إدخال تخليد العظماء في المزايدات السياسية, وليس من الوفاء, جعل ذكرى الشهداء والمجاهدين, في ميزان التنافس الانتخابي.
إن قرار السيد الأديب, يكشف تماما عن حالة الخوف والتخبط التي يعيشها حزب الدعوة, وخصوصا إن الأديب يمثل حد أعمدته ومن منظريه, الدعوة يشعر بالإفلاس الوطني والشعبي, لعدم تمكنه من خدمة المواطنين, أو الأخذ بالبلاد إلى بر الأمان.
وللسيد الأديب أقول ولكل من يحاول مس الرموز الوطنية. الأمم تخلد بعظمائها, وبمفكريها, ونحن لا نسمح أبدا بمس رمز وطني تشهد له ساحات العلم والجهاد على حد سواء. ولا نرضى ولا نرتضي أن يكون التنافس الانتخابي, سببا في طمس هويتنا الوطنية والعقائدية أبدا.