لا أتهم أحداً بشكل مباشر بالضلوع في الفساد المستشري والمتحول إلى نظام معمول به بالعراق ومقبول من الدولة بسلطاتها الثلاث والمتفق عليه عالمياً عبر منظمة الشفافية الدولية، لأني شخصياً لا أملك وثائق تدين هذا المسؤول أو ذاك بالفساد، لا أتهم أحداً لأني لست الجهة القضائية التي يمكن أن تحكم على هذا الشخص أو ذاك بالفساد، كما أني لست المدعي العام العراقي لكي أرفع لائحة اتهام ضد هذا المسؤول أو ذاك واتهمه بالفساد. ولكن من حقي كمواطن عراقي، وأنا أقرأ عشرات الاتهامات لا بالسرقة والتفريط بأموال الدولة، بخزينة الشعب فحسب، بل وفرض موظفين على البنك المركزي ليمارسوا الفساد ويسمحوا لرئيس الحكومة باستخدام أموال الدولة كما يشاء. هذا الاتهام لا يوجهه أفراد عاديون ويتحدثون كما يحلو لهم، بل هو اتهام موجه من كان مسؤولاً أول عن البنك المركزي العراقي، من الدكتور سنان الشبيبي، محافظ البنك المركزي، الذي اتهم بالإساءة لوظيفته ومعه نائب المحافظ الدكتور مظهر محمد صالح، والأخير اعتقل لأشهر طويلة، واللذين برأتهما المحكمة بعد إزاحة نوري المالكي عن السلطة، وأسند للأخير منصب المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء الجديد. وكنا نحن الاقتصاديين العراقيين المستقلين، وكثيرون غيرنا، على ثقة ببراءة المتهمين وبقية الموظفين الذين وضعوا قيد الاعتقال دون وجه حق، وبرؤا من التهمة أيضاً. لا أتهم أحداً من المسؤولين بالفساد، ولكن ماذا يقول محافظ البنك المركزي السابق عن رئيس الوزراء السابق؟ لنقرأ ما قاله الشبيبي: (راجع: المقتطفات المنشورة للشبيبي في هذا المقال كلها منشورة في أكثر من موقع ومأخوذة من موقع “وطن يغرد خارج السرب” بتاريخ 21/02/2017، ك. حبيب)
إن “الأموال التي تسلمها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، كانت تكفي لبناء وطن جديد يتسع لـ30 مليون نسمة”.؟
والسؤال المشروع هو: أين ذهبت هذه الأموال والبلد ما يزال يعيش في الرثاثة المدمرة؟ ثم أضاف الشبيبي:
أن “المالكي عيَّن أربعة من أفراد حزبه الحاكم بمناصب كبيرة داخل البنك المركزي وهم ليسوا من ذوي الاختصاص حتى تأثر البنك وأخذت العشوائية تضرب أطنابها، وهم: مدير دائرة غسيل الأموال، ومدير الدائرة القانونية، ومدير مراقبة المصارف، ومدير الدائرة الاقتصادية”.
علماً بأن هذه المهمة ليست من اختصاص رئيس الوزراء، على وفق قانون البنك المركزي، بل هي من مهمات محافظ البنك المركزي. والسؤال هو: لماذا فعل رئيس الوزراء السابق ذلك وتجاوز على صلاحيات البنك وصلاحيات المحافظ وصلاحيات رئيس الوزراء بالذات؟ ويستكمل الشبيبي تصريحاته بالقول:
“عندما قررت تغيير من عينهم المالكي من أفراد حزبه جاءني كتاب من رئيس الوزراء يمنع إبعاد هؤلاء الفاسدين تضمن تهديدا مبطنا ما بين السطور” ثم استطرد قائلاً : “عندما أبعدت أول عناصر العصابة الفاسدة جن جنون المالكي”.
وما حصل هو اتهام الشبيبي بالفساد من قبل رئيس القضاء الأعلى مدحت المحمود واعتقال نائب محافظ البنك المركزي وبعض الموظفات والموظفين. ولكن اتهامات محافظ البنك المركزي السابق لم تتوقف عند هذا الحد بل أكد إن:
“مدير مراقبة المصارف أخذ يبيع الدولار إلى المصارف الأهلية المرتبطة بالمالكي، بمبالغ أقل من السوق ما جعل العراق يخسر ملايين الدولارات يوميا بسبب هذا الفساد وتهريب أموال ميزانية الحكومة إلى الخارج لصالح المالكي وأتباعه”. ثم تابع قوله:
بأن “المالكي عين المدعو علي العلاق، محافظا للبنك المركزي لينهب كل احتياطي الدولة العراقية ومقداره 67 مليار دولار في آخر أيام هيمنته على الحكومة ليسلم السلطة إلى حيدر العبادي وبميزانية خاوية واحتياط منهوب”.
واستنتج الدكتور سنان الشبيبي مسألتين مهمتين هما:
** “المالكي أدخل العراق في أزمة مالية كبيرة لا يستطيع النهوض منها بعد عقد من الزمن حتى لو تحسنت أسعار النفط اليوم”.
** وأن “المالكي تسلم أموالا أكثر من كل حكام جمهورية العراق مجتمعين بدءاً من الزعيم عبد الكريم قاسم إلى صدام حسين، ولم يحقق فيها أي منجز يذكر للشعب العراقي وللوطن”.
وكان من الصحيح ان يقول: أغرق البلاد في مستنقع البؤس والفاقة واحتلال جزء من الوطن!
وإذا عدنا إلى الدكتور أحمد الجلبي الذي توفى فجأة، بعد أن أدلى بتصريحات فيها اتهامات كبيرة للمسؤولين الحكوميين، ولم يكن يعاني من أي مرض قاتل، فهو يطرح ارقاماً تصل إلى مئات المليارات التي لا يعرف أين ذهبت، ولكن الجلبي كان يعرف جيداً أين ذهبت، ولم يصرح بها، وكان على وشك التصريح بها قبل وفاته الغامضة، إذ كشفت الوثائق التي أودعها الجلبي لدى صحيفة المدى العراقية:
“نموذجا لعمليات بيع العملة من قبل البنك المركزي العراقي، والتي يصل مجموعها، خلال حكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بين عام 2006 إلى منتصف العام الماضي نحو 312 مليار دولار.” (راجع: موقع العرب، وثائق بيع العملة تفجر معركة حتمية على الفساد في العراق، نشر بتاريخ 18/11/2015 وأخذ المقتطف من الموقع بتاريخ 25/02/2017). وهذا المبلغ يرتبط ببيع العملة فقط وليس في مجالات أخرى، إذ ما طرحه الدكتور الجلبي يصل إلى أكثر من 500 مليار دولار أمريكي.
والآن، وبعد كل هذه الاتهامات العلنية والمنشورة من جانب مسؤولين كبيرين أحدهما حي يرزق، والآخر ذهب ضحية تصريحاته، كما يؤكد البعض، ونتمنى ألا يلتحق به الثاني، ماذا يفترض أن تفعل السلطات الثلاث بالعراق، السلطة القضائية ومعها المدعي العام العراقي، والسلطة التنفيذية التي يرأسها قائد من حزب الدعوة ومسؤوله في الحزب متهم بكل ذلك، وماذا سيفعل مجلس النواب، الذي لم يفعل حين طرح عضو المجلس الدكتور الجلي اتهاماته، خشية أن ترد أسماء الكثير منهم ضمن الفساد؟
أي دولة بالعالم تحترم نفسها وتحترم شعبها، ودستورها، وهي تواجه هذه الاتهامات، أن تعمد مباشرة إلى تكليف الادعاء العام برفع دعوى قضائية ضد من وردت أسماؤهم في الاتهام والتحقيق بشأن الأمر. ولكن هل تحترم الدولة العراقية الهشة والمخترقة نفسها؟ السؤال موجه إلى السيد رئيس الجمهورية الذي يمتلك حق تحريك مثل هذه الدعوى، فهل سيفعل؟ لنرى ذلك!
نقلا عن صفحته الشخصية