حين تساقطت النظم الاستبدادية وحكامها في المنطقة توهم العديد من الناس بان عصور الظلم والبغي والعدوان قد انتهت تماما بمجرد تدحرج تلك العقليات السياسية الضيقة التي لم تجد لنفسها مخرجا من انفاق الظلالة التي حشروا فيها انفسهم طيلة العقود الطويلة من احكامهم الاستبدادية ، الموجات الاسلاموية التي عقبت سقوط تلك الانظمة ، والتي أرادت بل وتريد الى الآن ان تبسط من سيطرتها على مقاليد الامور على اساس خلافة الدولة الراشدة قد أخطأت وكما هي حال الاسلام السياسي في الحساب ، وسببت في تشويه صورة الدين التي كانت سائدة في المنطقة …
ما يجري على الساحة العراقية جزء يسير جدا من تداعيات تلك الاخطاء وهي قابلة للمزيد من الكوارث الانسانية اذا ما فشلت النظم السياسية وحكوماتها من احتواءها والوقوف بوجه رياحها الصفراء ، خصوصا ان الايادي التي تدفع بأصحاب تلك الموجات عازمة هذه المرة على حسم الصراع باتجاه ما يضمن مطاولتهم على ديمومة بقائهم كطرف معارض ونقيض لكل التوجهات الدينية والسياسية الاخرى التي لا تلتقي مع افكارهم الخاصة بشأن (دولتهم الراشدة) ، وهي دولة اذا ما حضرت ستعيد من عقارب الساعة الى الوراء ، حيث الجهل والتخلف في ظل شريعة لا تؤمن الا باجتهاداتها الفكرية الخاصة التي لا تخرج من نطاق التسلط الفردي المقيت ، وقمع الاصوات المناهضة لها…
اذن المنطقة برمتها تعيش على حافة بركان مخيف اذا ما انفجرت ستحرق الارض بسعر اليابس والعالم الغربي بما في ذلك الولايات المتحدة الامريكية منهمكة في صب الزيت على النار فتارة توهم نوري المالكي بمساندته في محنته مع تنظيم العنكبوتي لداعش ، وتارة تعلن بتزويد المعارضة السورية بالمال والسلاح لإسقاط النظام السوري ، فيما لو دققنا النظر لوجدنا ان المعارضة السورية التي تتلقى تلك المساعدات الامريكية ، تزود بدورها عناصر داعش في العراق التي أعلنت حربها من الانبار ضد العراق ، وهي حرب ستكون لها تداعياتها الخطيرة على المدى القريب في ظل قراءتنا لهذا المشهد الغريب والعجيب ..
مع تسابق الاحداث في العراق على هذا النحو المفاجئ فان الأمر يستدعي وقفة دقيقة لمعرفة الاسباب ، ثم كشف التداعيات التي ستتمخض عن طبيعة هذا الصراع الدائر في المنطقة الذي يخوضه تنظيم داعش على أكثر من محور ..
وعلى هذا الاساس نعتقد ان تنظيم القاعدة عملت منذ عملية سقوط نظام صدام حسين في العراق على ملء الفراغ بهدف الوقوف ضد السياسة الامريكية وافشال استراتيجيتها في المنطقة ، بل وعمدت الى تشكيل أجنحة عسكرية خاصة بها لكي تكون قريبة من سير الاحداث وتفعيلها بما يضمن من تواجدها في المناطق القريبة والبعيدة بهدف احكام سيطرتها على المستجدات التي تعصف بها ، ولهذا نجد ان تواجد هذا التنظيم في سوريا وليبيا اليمن وبشكل مكثف قد زادت من المخاوف الامريكية من ان تنقلب عكس ما تمليها مصلحتها السياسية والاقتصادية …
لذلك نجد منذ تشكيل ما عرف بدولة الاسلامية في العراق والشام ان مركز الصدارة في اهتمامات هذا التنظيم تتركز في انتشارها على خارطة التحرك للسيطرة الامريكية على مصادر الطاقة في العالم في ظل التحولات السريعة التي تشهدها المنطقة التي ساهمت الولايات المتحدة الامريكية فيها بشكل مباشر دون ان تدرك آثارها وما ينجم عنها من تاثيرات على مصالحها ، وهي تحولات غيرت موازين القوى لصالح اجندات هذا التنظيم وهيئات له حرية التحرك ، بل ووجدت لنفسها حواضن دافئة تحميها من خطر الزوال عن الساحة ، ولكن بالمقابل فان المفارقة الغريبة تكمن في السياسة الامريكية تجاه هذا التنظيم الذي بدأ يركز أخيرا في جهدها الميداني على العراق تحديدا في مدينة الرمادي المتاخمة للحدود السورية التي تنطلق منها يوميا مجاميع مسلحة بهدف ادامة الضغط العسكري على القوات العراقية التي تخوض حربها منذ أكثر من عشرين يوما ، دون ان نجد موقفا عمليا لهذة الدولة القوية تندد بصريح العبارة بالدول الداعمة لهذا التنظيم الخطير الذي استطاع ان ينقل جهده العسكري والتنظيمي الى اكثر من دولة محيطة بالعراق ، وبات يشكل تهديدا للأمن والاستقرار في المنطقة ، والتي تقف موقفا متفرجا وكأنها تنتظر الثمار والمكاسب لتوظيفها لصالح استراتيجيتها الخاصة بالعراق ، وهذا يعني ان على الولايات المتحدة واجبا اخلاقيا يحتمها ان تكشف على الملأ اسباب تكتمها الشديد على هذه الدول التي تدعم الارهاب ، وبمساندتها للجماعات الدينية المتطرفة …
اذن ليس هناك ما هو اكثر صراحة من هذا الكلام في قراءتنا للمشهد الذي تشهده المنطقة منذ ظهور هذه الموجات الاسلاموية الزاحفة التي سببت في انتشار ظاهرة العنف المبرمج على الاسس الطائفية والمذهبية ، وقلصت من فرص النجاح التغيير باتجاه الديمقراطية في الدول التي سقطت نظمها الدكتاتورية في غفلة من غباوة حكامها ….
ومن هنا يبقى السؤال الاهم هو ، ما مدى نجاح الديمقراطية في ظل الارهاب المتفاقم الذي يرفض ان يعلن عن فشله في رسم خريطة المنطقة على ضوء شعاراته الدينية والمذهبية ..؟؟