هل سارت العملية الانتخابية على وفق اجراءات تواكب الثورة التكنولوجية من جهة وتحاول عدم التعارض مع القوانين والانظمة النافذة من جهة اخرى ؟
هل اجريت الانتخابات بالشكل الذي يحفظ سرية خيارات الناخب العراقي ؟
اسئلة اثارتها العملية الانتخابية لمجلس النواب العراقي ٢٠١٤ ، نحاول الاجابة الوافية عليها من خلال هذا المقال بعد بيان جوهر المقصود بسرية التصويت في الانتخاب الذي هو حق الناخبين في الإدلاء بأصواتهم يوم الاقتراع بسرية تامة تضمن عدم الكشف عن شخص المرشح الذي يتم انتخابه . حيث تبرز أهمية هذا المبدأ من اعتبارات متعددة أولاها اعتبارات وطنية تتمثل في ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهه تعكس صورة مشرقة عن العراق لدى الجهات والمؤسسات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان وحرياته ، واعتبارات سياسية تضمن احترام المبادئ والأفكار السياسية التي يحملها الناخب والتي قد تحمله للتصويت لمرشح معين دون الآخر ، واعتبارات شخصية تتمثل في مصلحة الناخب في الإبقاء على شخص من انتخبه طي الكتمان لمنع نشوب أية خلافات بسبب التصويت لمرشح معين دون الآخر .
ويتمتع مبدأ سرية التصويت في الانتخابات بحماية دولية تضفي أهمية قصوى على تطبيقه على الصعيد المحلي . فقد اهتمت المواثيق والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان بحق الناخب في سرية التصويت حيث تم النص عليه صراحة في عدة مواثيق دولية منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 إذ تنص المادة (21) منه على أن ( إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري ) .
كما أكدت الفقرة 2 من المادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام 1966 أن ( للمواطن الحق في أن ينتخب وُينتخب في انتخابات نزيهة تجري بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين ) .
كما اعتبر الإعلان العالمي الخاص بنزاهة وحرية الانتخابات والذي أقره الاتحاد البرلماني الدولي بالإجماع في دورته رقم 154 المنعقدة في باريس في آذار 1994 أن لكل مواطن بالغ الحق في التصويت في سرية والذي هو حق مطلق لا يجب تقييده بأية طريقة كانت .
اما في العراق فقد تحدث الدستور العراقي النافذ
حول مبدأ السرية في المادة (5) منه :
السيادة للقانون ، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها ، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية .
وعززها كذلك في المادة (49) منه :-
اولاً : يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء ….. يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري ..
كما نص قانون انتخابات مجلس النواب العراقي
لسنة ٢٠١٣
في المادة (٤) منه :-
ثانيا : يمارس كل ناخب حقه في التصويت للانتخاب بصورة حرة ومباشرة وسرية .
وبعد بيان النصوص القانونية التي تحكم العملية الانتخابية ومراعاتها لمبدأ السرية ، لابد لنا من بيان الآلية التي سارت عليها الاجراءات الانتخابية في ٣٠ نيسان ٢٠١٤ .
تمكنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من ادخال التكنولوجيا الحديثة في عملية الاقتراع وذلك من خلال استخدام جهاز قادر على قراءة بصمه الاصابع بواسطة مستشعر البصمات من جهة وقراءة الرمز الشفري ( الباركود ) الخاص بورقة الاقتراع من جهة اخرى اضافة الى قراءة معلومات الشريحة الذكية لبطاقة الناخب والتي تتضمن المعلومات الشخصية للناخب .
ولا يستطيع الناخب العراقي من الادلاء بصوته مالم يستوفي الاجرات التالية :-
١- وجود بطاقة الناخب التي تتضمن المعلومات الشخصية الاساسية .
٢- ادخال بصمة الاصبع في الجهاز الالكتروني .
٣- قراءة الباركود لورقة الاقتراع .
وبعد استكمال الاجراءات المبينة في اعلاه يقوم الجهاز الالكتروني بأقامة علاقة ربط واقتران بين جميع المعلومات المدخلة ( المعلومات الشخصية و البصمة و ورقة الاقتراع ) . وهذه الطامة الكبرى .
اذ تستطيع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الاطلاع على خيارات الناخب لاي انسان عراقي مارس حقه الطبيعي في الادلاء بصوته في الانتخابات وذلك من خلال البحث عن اسم اي ناخب عراقي واظهار الرقم الشفري الباركود لورقته الانتخابية ومن ثم اخراج الورقة الانتخابية المستخدمة من الصندوق وبمجرد عرضها على الجهاز الالكتروني او قاعدة البيانات التي تكونت بواسطة الاجهزة الالكترونية سيتبين انه ( فلان الفلاني ) قد اعطى صوته للقائمة ( س ) وللمرشح ( فلان ) من الناس .
بمعنى آخر ان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ربما تكون قد بنت سياق اجراءات مخالفة للتشريعات والقوانين النافذة لانها تستطيع انتهاك خصوصية الناخب ومبدأ السرية في الانتخابات في الوقت ذاته .
ومن خلال ماتقدم ادعوا المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ان تضع الضوابط والانظمة اللازمة للحفاظ على خصوصية الناخب مراعاةً لمبدأ السرية وان تسعى لعدم انتهاك الدستور في انتخابات قادمة .