19 ديسمبر، 2024 1:00 ص

ما لا تدركه السلطة ازاء التظاهرات !

ما لا تدركه السلطة ازاء التظاهرات !

ينبغي الإشارة أنّ السلطةَ ” هنا ” لا تقتصر على رئيس الوزراء , ولا على كلتا الرئاستين الأخريتين ايضاً , بل على كلّ قادة وسادة الأحزاب الحاكمة وابطال العملية السياسية .!

وقبل الخوض في غمار هذا الحديثِ الحديثْ , فنؤشّر ايضاً أنّ ما يجري نشره في السوشيال ميديا من اخبارٍ مزيّفة او ركيكة التزييف حولَ تأجيل التظاهرات القادمة , وتارةً الغائها , فأنه افلاس فكري مدقع للغاية , حيث جرى تكذيب مثل تلك الأخبار بعد ثوانٍ من نشرها ومن مصادرٍ غير معروفة او لاتجاهر بأسمائها , وبجانب ذلك فأنّ نشر مثل هذه الأخبار لمحاولة التشويش على الرأي العام فأنها لا تمتلك مقومات التصديق الكاذب فحسب , بل تدلّ على درجة ونسبة الهلع والخوب الذي ينتاب اصحابها او رؤساء اصحابها .!

بالرغم من صعوبة التنبؤ ممّا سيجري في التظاهرات المقبلة ليوم 25 من هذا الشهر , كما ليس من الصعب كثيراً معرفة أنّ حكومة عبد المهدي والأجهزة العسكرية والأمنيّة سوف تتخذ اجراءاتٍ احترازية ووقائية خاصة للحؤول دون مخاطرٍ مفترضةٍ ما قد تفرزها التظاهرات , ولعلّ تشكيل ” قوات حفظ القانون ” هي أنموذجاً ظاهراً للعيان < ويستغرب البعض تسمية هذه القوات بأنها للحفاظ على المتظاهرين ! ودون معرفة الحفاظ عليهم مِنْ مَنْ او ممّن ؟ ومن ايّ جهةٍ مهما كانت ! > .

لا شكَّ ولا ريبَ أنّ الهاجس الطبيعي الأكبر الذي يؤرّق حكومة السيد عبد المهدي وملحقاتها هو بأفتراض استطاعة جموع المتظاهرين من اختراق التحصينات والعوائق المنصوبة على مدخل جسر الجمهورية , ومن ثَمّ اجتياز الجسر والإستدارة يساراً نحو المنطقة الخضراء وليحدث بعدها ما يحدث من المجهولِ معرفته , ومما يعزز هذه الهواجس هو ما سبق فيما مضى من قيام تظاهرات التيار الصدري من هذا الأختراق المعروف , وحيث لم يكن بمقدور التظاهرات السابقة من أداء ذلك , فمن الطبيعي ايضاً أنّ التحصينات الدفاعية والوقائية لهذا الجسر سوف تتضاعف وبآلياتٍ جديدة قد لا تتمكّن حتى الحشرات الزاحفة من اجتيازها .! , لكنّه ومع اعتذارنا عن هذه الإطالة فنسجّل بأننا لم نبدأ الحديث بعد .!

لم يمتد بُعد النظر السياسي < إذا ما وُجِدَ لدى السلطة > أنّ الرئيس التونسي السابق والراحل زين الدين بن علي لم يتخلّى عن السلطة وترك البلاد جرّاء فشل الأجراءات القمعية او العنف الذي لم يحدث تجاه المتظاهرين , ولم يضطر الرئيس السابق حسني مبارك الى ترك السلطة لأفتقاده وسائل القوة ضد حشود المتظاهرين الذين تمركزوا في ميدان التحرير لِ 18 يوماً متواصلة , وحتى الرئيس السوداني السابق المشير عمر البشير , فلم يجرِ اعتقاله جرّاء محاولة انقلابية من قادة الأركان , وانما الضغط الجماهيري الهائل للمتظاهرين السودانيين هو ما ادى لإعتقاله وتجريده من السلطة .. وإذ من الحتمية التأريخية ” غير القابلة للتوقف ” ومن حمّى وعدوى الإنتشار لثورة الإتصالات , أن تؤثر وتنعكس التظاهرات اللبنانية الجارية على رؤى وافكار الذين سيخوضون التظاهرات المقبلة وبما يناسب ويتناغم مع الطبيعة السياسية للعراق , فالمسألةُ لا ولم تعد مسألة مواجهة مع السلطة او محاولة ازاحة عبد المهدي ” شلع – قلع ” رغم كراهيتي لهذا التعبير والذي كأنه قلعٌ للأسنان .!

قضية التظاهرات اضحت وامست إسماع اصواتٍ جماهيريةٍ ومليونية بشكلٍ مدوٍّ ” أمام مسامع العالم والرأي العام العربي والعالمي والمنظمات الدولية ” , كما انها باتت تشكّل تعبيراً شعبياً عن الرفض المطلق للنظام السياسي وعمليته السياسية الجراحية او الجارحة , حتى لو لم يتحرّك المتظاهرون من مواقعهم وساحاتهم , ويعزز ذلك مشاركة المحافظات الأخرى بهذا الموقف كما جرى مؤخراً , ويُلاحظ في هذا الصدد أنّ السلطات الأمنية في بيروت سرعان ما تخلّت عن استخدام خراطيم المياه والغاز المسيّل للدموع بعد ساعاتٍ من إتّساع مساحة التظاهرات واتخاذها تكتيك الثبات في امكنتها المنتشرة في مركز العاصمة والمدن الأخرى . ولم يعد مفيداً الرصاص الحي او المطاطي ولاظهور مفاجئ او مباغت لقناصين , بل أنّ الموقف الأخير للأجهزة العسكرية والأمنية في التصدي للمتظاهرين مؤخراً قد ضاعفَ من ردود الفعل الجماهيرية , ومن خلال متابعة الأخبار فأنّ ذلك ” الموقف ” قد القى بثقله الآن على المنظمات الثقافية والأدبية ومنظمات المجتمع المدني وعموم قادة الرأي في العراق , ولقد تغيّرت المعادلات وتبدّلت الحسابات هذه المرّة , وكلّ الأمور غدت مجهولةً ومرهونةً بالتظاهرات المقبلة وما قد تفرزه , لكنه يقيناً فأنّ الأجراءات العسكرية المضادة سوف لن تغير من واقع الأمر , اذا لم تكن بالضدّ منه .!