ما زلت أحتفظ بالوثيقة التي وقع عليها مئات من الأدباء والفنانين والمثقفين العراقيين في حملة لإنقاذ الأديب العراقي في حياته بالرعاية الإنسانية والالتفات الجاد لما يعانيه من المرض والعوز والتهميش.
الوثيقة طالبت وزارة الثقافة باعتبارها الجهة الحكومية التي يفترض من أولى مهماتها رعاية الأدباء والفنانين، بل يعدَّ هذا من صميم عملها كجهة معنية بالأمر على تهيئة أفضل الأجواء للأديب والفنان بعد سنوات طويلة من الحرمان.
كذلك ناشدت الوثيقة اتحاد الادباء والكتاب في العراق أن يجسد اهدافه الوطنية بالتضامن مع كل الأدباء بالرعاية الايجابية التي من شأنها أن تخفف أو تحسن الوضع الحياتي في ظل المتغيرات الجديدة.
وكانت تلك الوثيقة موقعة من أدباء العراق في حملة لإنقاذ الشاعر عبد اللطيف الراشد الذي توفي نتيجة الإهمال وعدم الاكتراث لما عاناه في فقدان الاجواء الأسرية والتنقل بين فنادق الدرجة العاشرة وحرمانه من كل مقومات الحياة من سكن وراتب وعلاج وعدم قدرته على العمل بسبب ما تعرض له من جروح بالغة.
وقد تكون هذه الإعادة ليس لفتح جروح قديمة على أديب توفي ومات غريبا، ولكنها إشارة مهمة لأدباء ماتوا في المهجر ورفضوا أن يدفنوا في بلدهم، ما يؤكد مقدار الأسى الذي دفن في صدروهم في بلد طردهم ولم يرعهم. وتشهد مقبرة الغرباء في سوريا على ذلك برفات مبدعين عراقيين كبار منهم الشاعر الدكتور مصطفى جمال الدين والشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري ورائد الشعر الحر عبد الوهاب البياتي والشاعر عبد القادر رشيد الناصري والأديب مهدي علي الراضي والمفكر هادي العلوي والفنان راسم الجميلي وغيرهم.
وبلا أدنى شك ان تحسين الوضع الحياتي والاجتماعي والصحي للأديب والفنان العراقي في ظل المتغيرات يعد ضرورة ملحة، ولا سيما أن عددا من أدبائنا ما يزالون يعيشون حياة صعبة وعاطلين عن العمل، ويعانون من تردي الأوضاع الصحية ، لذا فان المؤسسات الثقافية واتحاد الادباء مطالبين بإنقاذ أعضائه من العوز والفاقة والفقر والتشرد ورفع الحيف عن كاهلهم.
أن الغاية من إعادة هذا الاستذكار لأديب عراقي توفي نتيجة إهمال ومظلومية يدركها الأدباء جيداً، ليس فتح نافذة حزينة وأليمة على جروح قديمة، إنما يوجد حاليا أدباء يعانون نفس المشكلة ، فما فائدة إقامة المراثي والاماسي والاصبوحات على أديب كانت حياته جحيماً، لكي يشار اليه بالتمجيد والتفوق والإبداع بعد وفاته. وما فائدة الاستذكار والكلمات التأبينية وقصائد الرثاء.
أن المبدعين العراقيين يعانون نفس المشكلة وعدم الإنصاف، وثمة كلام يجرح القلب، ولكن ما فائدة الحديث إذا كانت المؤسسة الثقافية غافلة، هل تحتاج الى حراك؟ في الحياة العراقية يمر المبدعون غرباء، ويعانون أشد المعاناة على إيقاع العوز، ولا احد ينتبه إليهم إلا عند الموت، فما فائدة أن نرثيهم!