من المؤسف ما قرأته لاحد اتباع ما يعرف بالتيار المدني، الذي نعت بكل من يخالفه او لديه ملاحظات على توجهه بانه (ثور او مطي).
لكنه بنفس الوقت بصراحة قدم لي خدمة من خلال ما كتب بانه اعطى تعريف لمعنى المدنية والتي كنت في الفترة السابقة ابحث عنه ولا اجده، وقال انها تعني : دولة المواطنة والمؤسسات. ويؤكد ان كل من ينتمي الى هذه المؤسسات فانه (مدني) ومنها المنتمي للمؤسسة العسكرية. وهنا لي عدة ملاحظات:
اولا- ان اساس انبثاق التيار المدني في العراق ، كان كردة فعل لبعض الممارسات التي تتبعها الاحزاب الدينية (على الارجح) او الذين تمتعوا بخيرات السلطة وحجبوها عن الناس، وربما الذي يحاولون تقييد حرية الناس ورفض الحوار معهم، وهذا السبب الذي دفع الاخوان في التيار المدني الى المشاركة بنشاطات كثيرة، تفضح هؤلاء، فيها (ربما) تحدي للمجتمع والسلطة .. وهذا شيء ايجابي بنظري ولا غبار عليه رغم انه لا يخلوا من ملاحظات.
لكن يا حضرة المدني، ان استخدامك لتعابير (الثور والمطي) لكل من يخالفك بالرأي، قد رفع عنك صفة التميز، ووضعك في نفس خانة التطرف التي يتمتع بها الاخرين من الذين خرجت ثائرا عليهم، فهم يتطرفون لتوجههم الديني، وانت تتطرف بنفس الاسلوب، هم يلغون الاخرين ، وانت تلغيهم ايضا .. ومن هنا استطيع القول : انك نفيت تماما (المدنية) التي تدعيها (اذا كانت موجودة اساسا).
ثانيا- ان المدني هي نقيض العسكري، واذا تمعنا النظر بفلسفة اصطلاح هذه المعادلة، فاننا سنصل الى نتيجة بان المدني هو رافض تماما للعسكري، او بمعنى ان المدني ضد اي توجه عسكري مهما كان، حتى وان كانت المؤسسة العسكرية، والا لما اطلقت على نفسك (مدني) اذا كنت تؤمن بالمؤسسة العسكرية.
اما اذا كان ابراز نفسك كمدني القصد منه استهجانك ورفضك لعسكرة المجتمع فهذا ايجابي، الا انك بهذه الحالة قد اوقعت نفسك بمطبات منها، انك لا تعرف اساسا معنى عسكرة المجتمع وتعتقد ان كل عسكري قادته الظروف ان يتواجد في الشارع يمثل هذه العسكرة، بخلاف النظام السابق الذي طبق العسكرة بكل معناها عندما قلب حزب البعث الى جهاز شرطوي قمعي.اما اذا كان القصد منه ابراز نفسك كمدني احتجاجا على بعض القوى المسلحة التي عملت خارج اطار الدولة، فهذا اعتقد انه حل وقدمت الدولة لك خدمة كبيرة بجعلها ضمن المؤسسة العسكرية التي تؤمن بها انت وبنفس الوقت تتناقض مع اطلاق (المدنية على نفسك).
ثالثا- اذا كان تعريف المدنية هو (دولة المواطنة والمؤسسات)، اذن ما الجديد بالامر، ولما رضينا بالنظام الديمقراطي على حساب النظام الدكتاتوري؟ فنحن منذ 2003 لحد الان نعيش في ظل دولة فيها مؤسسات بغض النظر عن ممارسات من اعتلى هذه المؤسسات.
ولا يعني ايمانك بدولة المؤسسات التي ترمن بها، بان من تستهدفهم لا يؤمنون بها، فالفرق بينهم وبينك انهم اعتلوا السلطة وانت تسعى اليها باسم التغيير.
وهل دعوتك لدولة المواطنة والمؤسسات ، هي خالية من الثيران والمطاية ؟ واذا كانت خالية ، فبرأيك كيف سنحل موضوعهم، هل نقتلهم جميعا؟ ام ننفيهم خارج دولة المؤسسات والمواطنة؟
ملاحظة: ما سقته من اسطر لا يستهدف التيار المدني ولا اي توجه اخر، لكني لا انكر ان بذائه الطرح هي التي استفزتني لاكتبه، والا كما يعرف الجميع لاسيما اصدقائي المقربين الذين هم مقربين واعضاء في التيار المدني باني لا انتمي لاي حزب ديني او سياسي لكي اعادي المدنية التي اعترف باني لا اراها وانها وهم ابتدعه بعضهم. وهذا هو منطلق صراحتي بان عدم قناعتي بسبب التناقضات التي تطلق والتي سقتها في الاسطر السابقة، وهي نفسها التي تدفعني بان لا اقتنع بمن يعلنون انتسابهم للتوجه الديني وهم لا يطبقون تعاليم الدين.
لذا اقول ان حقيقة الاحداث في العراق غير مؤهلة بان تتبنى اي مجموعة توجه معين تحاول من خلاله تمييز نفسها وابرازها عن الاخرين، لماذا ؟ لانه من المستحيل تطبيقه ولان الجميع متشابهون في كل شيء ، فمن يدعي انه غير متطرف يمارس التطرف، ومن يطالب بالادلاء برأيه فانه يحاول كبت من يعطي رأيه فيه .. الخ